منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - مقالات للدكتورة بلفراق فريدة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-02-13, 22:47   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
تجويد
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية تجويد
 

 

 
الأوسمة
وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي

الإلــه والصخرة!

الدكتورة فريدة بلفراق
جامعـة باتنـة


سأل أحد الشيوعيين الروس شيخا من شيوخ الأزهر ذات يوم وهو في جولة سياحية للقاهرة، هل يستطيع الرّب أن يخلق صخرة ولا يستطيع حملها؟ فما كان جواب الشيخ بعد برهة من التفكير العشوائي إلاّ بالرّد عليه "لعنة الله عليك"!، ولم يقم المترجم بنقل العبارة لذلك الملحد لأنه لم يكن يعلم إن كان سؤاله تلقائيا وبريئا أم بقصد تعجيزي، أو لأن المترجم لا يعرف ترجمة هذه العبارة بلغة السائل.
سرد علينا هذه الحادثة محام متمرس، كان ينتظر دوره للمرافعة في قضية توبع بها محام آخر، تتعلق بحرية التعبير، من أجل كتابته لمقال في إحدى الصحف الوطنية يوضح فيها ما آل إليه الوسط المهني من إنحطاط، وتجاوزات وتعفن، على غرار الأوضاع السلبية التي يتخبط فيها المجتمع على جميع المستويات، فلم يرق ما كتب لمن رأو فيه مساسا بذواتهم المنزهة عن كل خطأ، أو بمراكزهم القانونية التي لا ينبغي حسبهم لأي كان الإشارة إليها بالبنان أو حتى التفكير في الدنو منها على سبيل إدلاء النصح والمشورة في قضايا لا تحتمل السكوت عنها، ناهيك عمن سولت له نفسه بالتعليق أو الإنتقاد وتذكير هؤلاء بمسؤولياتهم إزاء من يقومون على إدارتهم على أساس العقد المهني الحر المبرم بين الجميع، أسوة بالعقد الإجتماعي الذي يلزم خضوع الرئيس لإرادة المرؤوسين والإستفادة من إنتقاداتهم وتوجيهاتهم، ولم ينئى عن هذه القاعدة عظماء العالم ممن شهد لهم التاريخ بالحنكة والحكمة وحسن حمل الرسالة، وممارسة الرعاية على أكمل وجه، دون عقدة نقص أو تهور أو خوف من مرارة وهول الحقيقة لأن ذلك هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمات والسير إلى الأمام، كما أن النهوض بالمجتمع لا يكون سوى عن طريق الصفوة، لأنها المحرك المحوري لكل تغيير نفسي وإجتماعي، وقد قال المفكر مالك بن نبي رحمه الله الإرادة الحضارية تقوم على بناء الفرد قبل بناء المصنع، والإمكان الحضاري نواته الأولى الإنسان وليس البنك، وكأني بالسائح الشيوعي الذي وقف في ساحة الأزهر وميدان الحسين، وهو يترقب معالم تلك الآثار وشموخ أوتادها وقبابها، وما يلاحظه من حركة دؤوب لمن يؤمون المكان للتعبد والصلاة، أبرقت في ذهنه الفكرة التاريخية التي طالما أرقته عن الأساطير اليونانية التي تشبّع من مناهلها المليئة بحكايات الآلهة، التي تُدرّس في المدارس والجامعات العالمية وعندنا أيضا، وأشهرها قصة سيزيف الذي عجز عن حمل الصخرة إلى قمة الجبل وهو من الآلهة، فهذا السائح الذي لا يعترف بوجود إله لأن الأفكار التي تلقاها في حياته غير مقنعة، ولا منطق فيها يجعله يؤمن برب يراه ضعيفا، فجاء إلى هناك للإجابة عن سؤاله المحيّر عند المسلمين وهم أكبر الأمم إيمانا بوجود الإله، وأهمها إعتناقا وممارسة لديانتها، إلا أن شيخ الأزهر خذل الملحد الباحث عن سر الإله الذي يخلق صخرة ولا يستطيع حملها !! فلم يتلقى جوابا من مخاطبه لأنه كان ضيق الفهم، فاقد الفراسة ولفنون التعامل مع الغير، لإجتذاب التائه المتقصي عن الإله القوي الذي ينشد معرفته، بل صده ذلك الشيخ بعبارة لم يفهم معناها، وزج به في حيرة أخرى، إذ كيف لا يستطيع شيخ أكبر مسجد في بلاد الإسلام أن يجيب عن سؤال بسيط كهذا بكل عفوية وثقة، بأن رب المسلمين والعالمين كما أنه يستطيع خلق الصخرة، فإنه يستطيع حملها بكل تأكيد، فاللوم كل اللوم لا يقع هنا على الشيخ المسكين بقدر ما يقع على من وضعوه في مكان يعدّ واجهة للأمة كلها بحكم الموقع المستقطب لكل أنواع التركيبات البشرية والتي ينبغي أن تُقابل بذوي الكفاءة والعلم المتنوع والثقافة الواسعة، وسعة الصدر والحكمة في التعامل مع الناس على إختلاف توجهاتهم وعقائدهم، وأجناسهم، وهذا لعمري لا يتسنى لكل من حمل شهادة مبتذلة أو عمامة مصطنعة ممن يسيئون للمناصب التي يتربعون على عروشها بإمتياز، مما يؤدي حتما إلى سيادة التردي والتقهقر المنعكسة صورهما البائسة، المتخلفة على الحياة العامة في كل القطاعات.
فما كان من زميلي الراوي للحادثة، المدافع عن قضية الرأي تلك، إلا أن توجه نحونا جميعا بقوله، نحن الذين خلقنا هذه الصخرة ووضعناها في هذا المكان، فهل يمكننا الآن حملها ووضعها في مكان آخر، لأنها أصبحت تزعجنا وتعيق مسارنا وصعودنا نحو القمة؟ حينها نودي على القضية، وأدين المحامي الكاتب للمقال بالتوقيف عن ممارسة المهنة لمدة سنتين مع النفاذ المعجل، وحمل السائح الشيوعي حقيبته وخيبة أمله، لإخفاقه في العثور على من يدله على الإله الذي يخلق الصخرة ويستطيع حملها !.









رد مع اقتباس