منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - إجراءات تأديب الموظف العام في التشريع الوظيفي الجزائري
عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-12-15, 22:57   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
adoula 41
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 الفصل الثاني

الفصل الثاني: ماهية الإجراءات التأديبية والمراحل الإجرائية التأديبية في قانون الوظيفة العمومية


يقصد بالإجراءات التأديبية تلك الخطوات والمراحل الإجرائية المنظمة التي يتعين على السلطة الإدارية المختصة إتباعها للتحقق والتأكد من ارتكاب الموظف العام للخطأ التأديبي المنسوب إليه تمهيدا لتوقيع العقوبة التأديبية عليه.
وموضوع الإجراءات التأديبية بالذات، يعد من أهم الموضوعات التي عنى بها المؤلفون الإداريون، لأنها نقد من أكثر الجوانب التي يتعرض لها القضاء في أحكامه ونظرا لطابعها العملي الملموس، ولكونها أيضا تعد بمثابة مجموعة القواعد الإجرائية التي تسمو بالتأديب إلى الحكمة التي شرع من أجلها وصولا إلى العقاب التأديبي العادل الذي يضمن للموظف عدم التعرض للاضطهاد والتعسف من قبل الإدارة، باعتبار أن الإدارة عند بلوغها لأهدافها يعتمد أساسا على حسن أداء الموظف.
ومن أجل تحقيق مصلحة الإدارة ومصلحة الموظف نشأت فكرة القانون التأديبي وكانت الإجراءات التأديبية إحدى وسائله، لأحكام قواعد المسؤولية التأديبية وضبط إجراءاتها.
ولذلك نبحث في مبحثين من خلال هذا الفصل الثاني كلا من ماهية الإجراءات التأديبية في المبحث الأول ومن ثم نتناول في المبحث الثاني المراحل الإجرائية التأديبية والضمانات التي يتمتع بها الموظف أثناء هذه المراحل الإجرائية من جهة ثانية.
المبحث الأول
ماهية الإجراءات التأديبية للموظف العام
من خلال هذا المبحث نتناول فيه، المفهوم القانوني للإجراءات التأديبية وطبيعتها القانونية من خلال المطلب الأول، والخصائص العامة للإجراءات التأديبية من خلال المطلب الثاني منه.
المطلب الأول
مفهوم الإجراءات التأديبية و طبيعتها القانونية
مفهوم الإجراءات التأديبية التي نقوم بدراستها، هي كل الشكليات التي تنظم المرحلة ما بين ارتكاب الخطأ التأديبي حتى صدور القرار التأديبي وتوقيعه، وبما في ذلك القواعد المنظمة للسلطة التي تختص بالتأديب.
الفرع الأول
مفهوم الإجراءات التأديبية
إنّ الإجراءات بصفة عامة هي مجموعة القواعد الأصولية التي تنظم القضاء والتقاضي ، فالإجراءات التأديبية يقصد بها الخطوات المنظمة التي يتعين إتباعها للتحقق من ارتكاب الموظف للخطأ التأديبي المنسوب إليه.
وهذه الإجراءات تستهدف توفير الضمان والاطمئنان في جميع مراحل إجراءات التأديب يقصد بها إذا تلك الضمانات والضوابط التي تكفل اطمئنان للموظف أنّ التأديب يحقق غايته كأداة لحماية المرفق لا أن يكون وسيلة للقصاص أو الانتقام .
وتبدأ الإجراءات التأديبية بعد ارتكاب الموظف للخطأ التأديبي بتكييفه منذ لحظة وقوع الخطأ التأديبي حتى صدور القرار الـتأديبي فيه وتوقيعه ، والإجراءات التأديبية مردها قواعد موضوعية واستهدافها أن يكون الوسيلة الفنية لتطبيقها.
الفرع الثاني
الطبيعة القانونية للإجراءات التأديبية
إنّ الإجراءات التأديبية هي دراسة القواعد الإجرائية التي تكون في مجموعها القانون الـتأديبي الذي يطبق على جميع الموظفين العاملين بالدولة وعلى ذلك فالإجراءات التأديبية قاعدية.
ويؤكد ذلك أنّ المبادئ التي تحكم الإجراءات التأديبية في مراحلها المختلفة متميزة عن المبادئ التي تحدد تعريف الخطأ التأديبي وبيان أركانه وكذا العقاب التأديبي الواجب التطبيق وما يرتبط بها من أنظمة مختلفة على الرغم من أنّ كلا من الخطأ التأديبي، السلطة المختصة بتوقيع العقوبة التأديبية والإجراءات التأديبية يعتبر كلا متكامل لارتباطهم يبعضهم البعض.
أولا: القاعدة الإجرائية التأديبية
القاعدة الإجرائية التأديبية لا تختلف عن غيرها من القواعد القانونية فتتكون من شقين هما:
الأول: ويشمل قاعدة سلوكية وإجرائية.
الثاني: يتضمن العقاب الذي يفرضه الشرع في حالة مخالفتها.
والقواعد الإجرائية التأديبية تهدف إلى إثبات سلطة الدولة في العقاب التأديبي المناسب في الحالات الواقعية وفي حين أنّ هذه القواعد تتناول كذلك كل ما يتعلق بالمتابعة التأديبية للموظف المرتكب الخطأ التأديبي وزيادة على ذلك فإنّ تناول السلطة المختصة بتوقيع العقوبة التأديبية سواءا السلطة الرئاسية التأديبية أو مجالس التأديب من حيث تشكيلها، تنظيمها وعملها وكذا اختصاصها .
ثانيا: مصادر القاعدة الإجرائية التأديبية
إنّ القواعد الإجرائية التأديبية تجد مصدرها الوحيد في التشريع، وذلك نظرا للصلة الوثيقة بينها وبين القواعد الموضوعية بحيث تعتبر الشرعية الإجرائية امتدادا للشرعية الموضوعية.
هذا بالإضافة إلى أنّ الأهداف التي تتوفاها القواعد الإجرائية التأديبية متمثلة في الضمان وفاعلية سير المرافق العامة بانتظام واضطراء، هي أهداف تحتاج إلى ضوابط تشريعية محددة ضمانا لتحقيقها وفاعليتها .
والمصدر الرئيسي للقواعد الإجرائية التأديبية في التشريع الوظيفي الجزائري هو المرسوم رقم: (66/152) المؤرخ في 02/06/1966 والمتضمن الإجراءات التأديبية وهو المرسوم التشريعي الصادر بمقتضى الأمر رقم (06/03 2 .
وهو ما كرسه أيضا المرسوم (85/59) المؤرخ في 23 مارس 1985 والمتضمن القانون الأساسي النموذجي لعمال المؤسسات والإدارة العمومية من خلال نص المادة 123 منه . هذا بالإضافة إلى التشريعات الخاصة بالاستهلاك والقطاعات المختلفة التي تنظم القواعد الإجرائية لتأديبهم وهي في معظمها ترجع إلى القواعد الإجرائية للتأديب من خلال المرسوم رقم (66/152) ومن ذلك المنشور رقم (04/87) المؤرخ في 19/01/1987 الصادر عن وزارة التربية الموجه إلى السادة: رؤساء أقسام استثمار الموارد البشرية بالولايات والمتضمن الإجراءات التأديبية الخاصة بقطاع أو سلك موظفي التربية4 .
ويلاحظ أنّ العرف لا يعتبر مصدرا للقواعد الإجرائية التأديبية لتعارض ذلك مع الشرعية الإجرائية التي تعتبر انعكاسا للشرعية الموضوعية، ولا تعتبر أحكام القضاء الإداري وقراراته مصدرا للقواعد الإجرائية أيضا .

ثالثا: خصائص القواعد الإجرائية التأديبية
تتميز هذه القواعد أي القواعد الإجرائية التأديبية بالسمات والمميزات التالية :
أ- القواعد الإجرائية التأديبية من طبيعة قانونية
وعلى هذا فإنّ القواعد الإجرائية التأديبية لها صفة آمرة وفد تتضمن أمرا بعمل ما أو النهي عن سلوك معين وقد تكون مكملة أو محددة أو مفسرة لقاعدة إجرائية أخرى، كما أنّ لها صفة العمومية والتجريد، إلا أنّ ذلك لا يؤثر في كونها قواعد عامة ومجردة من خلال المخاطبين بأحكام هذه القواعد، فهي ليست موجهة إلى أشخاص معينين بل إلى فئات غير محددة ويتواجدون في مواقف واقعية معينة .
ب- قواعد الإجرائية التأديبية من طبيعة إجرائية
إنّ القواعد الإجرائية التأديبية تهدف إلى تطبيق سلطة الدولة في العقاب فتتناول سير أعمال المتابعة التأديبية، ومن ثم فهي إجرائية في طبيعتها، وليست كل القواعد التي يشملها الإجراء التأديبي من طبيعة إجرائية بحتة، بل هناك قواعد من طبيعة مدنية أو إدارية أو موضوعية، فالغيرة إذن في تحديد القاعدة هي بوظيفتها وليس بالقانون الذي ينص عليها .
ج- القواعد الإجرائية هي قواعد تنظيمية:
القواعد الإجرائية تحدد الشروط التي يجب مراعاتها في العمل الإجرائي حتى يترتب آثاره القانونية مثل الشكل العام والمكان والزمان والوسيلة والضمانات.
فلا يجوز في كافة الأحوال تطبيق عقوبة تأديبية إلاّ بإتباع الإجراءات التأديبية .
د- القواعد الإجرائية هي قواعد ذات جانبين:
القاعدة الإجرائية تقرر حقا أو رخصة أو سلطة لأحد الموظفين أو للسلطة الرئاسية التأديبية أو لمجلس التأديب مما يقابلها التزامات على عاتق الطرق الثاني في ذات الوقت سواء في ذلك الموظف المرتكب لخطأ تأديبي والمتابع تأديبيا بسببه أو من يمثله كالشهود أو غيره .
هـ- القاعدة الواحدة وتعدد النصوص:
في أغلب الأحوال يتشعب مضمون القاعدة الإجرائية في عدة نصوص، فلا يشترط أن يتحدد موضوعها في نص واحد هو الإجراء التأديبي فحسب، بل يتعدى إلى أكثر من ذلك فيكون في قانون مجلس الدولة وقد يكون في الإجراءات المدنية أو قانون الإجراءات الجزائية...الخ وقد يقتصر في بعض النصوص على الشق الأول أو الثاني من القاعدة الإجرائية.
و- القاعدة الإجرائية قابلة للتفسير:
إنّ القصد من تفسير القاعدة الإجرائية هو البحث عن معناها الحقيقي وإظهار الإرادة الحقيقية للمشروع المتضمنة في القاعدة من الوجهة الموضوعية.
والتفسير قد يكون تشريعا وقد يكون قضائيا وقد يكون فقهيا .

المطلب الثاني
الخصائص العامة للإجراءات التأديبية
إنّ هذه الإجراءات تمتاز بخصائص عامة، سواء من حيث منطق الضمان أو من حيث قصور النصوص في مجال الإجراءات.
الفرع الأول
الإجراءات التأديبية ومنطق الضمان
إنّ المبادئ التي تحكم تأديب الموظف العام تتردد بين اعتبارين كلاهما جدير بالرعاية وهما منطق الضمان والرعاية بالنسبة للموظف ومقتضى فاعلية العمل الإداري، وإذا كنا نجد صدى لهاذين الاعتبارين في جميع القرارات التي تقوم عليها نظرية التأديب، فإن الغلبة لمنطق الضمان واضحة تماما في مجال الإجراءات.
إن الضمان الحقيقي للموظف العام المخطئ تأديبيا في مجال التأديب يكمن في سلامة الإجراءات عبر مراحل المتابعة التأديبية جميعها، وأنه إذا ما توافر هذا الضمان على النحو الفعال فإنه لا خوف من الاحتفاظ بالصيغة الإدارية للتأديب، وعلى الرغم من ضرورة القدر اللازم من الضمان في جميع مراحل إجراءات التأديب فإنه يجب التنبه إلى خطورة المغالاة في هذه المدد مما يؤدي إلى الإضرار بالموظفين العامين أنفسهم.
والإجراءات التأديبية بمراحلها وضماناتها تكفل السرعة والفاعلية وتحول دون استمرار التأديب لمدة طويلة، ولمجالس التأديب المشكلة من ممثلين للموظفين وممثلين للإدارة الصورة المثلى لاختصار الإجراءات مع توفير الضمان والطمأنينة للموظف العام المخطئ تأديبيا أن يقتصر دور الرقابة القضائية على الجوانب القانونية الخالصة ومع تحديد مدة زمانية مناسبة لا يجوز أن تتجاوزها وتتعداها إجراءات التأديب استقرارا لأوضاع الموظفين العامين وكفالة لسير العمل الإداري.
الفرع الثاني
قصور النصوص في مجال الإجراءات
لقد كان التأديب في أول الأمر موضوعا إداريا خالصا، كان متروكا للسلطة الرئاسية التأديبية تمارسه قبل موظفيها العامين لمقتضيات المصلحة العامة، بعدما أن بدأ منطق الضمان يغزو المجالات التأديبية، سواء باستحداث مجالس التأديب ، أو باستحداث جهات الطعن الإداري في قرارات الإدارة التأديبية ومنها لجان الطعن والتي تعد بمثابة ضمانات إدارية، وكذا الطعن القضائي ضد قرارات الإدارة التأديبية وهي ضمانات قضائية فهذه الضمانات الإدارية وحتى القضائية فرضت على الإدارة أن تحترم بعض القواعد الإجرائية التي تمليها مقتضيات العدالة، فإذا كان المشرع الجزائري قد تدخل ونظم كثيرًا من الجوانب الإجرائية للتأديب في القوانين واللوائح وكذا القرارات والمناشير والخاصة بكل سلك وقطاع إلا أنه وعلى الرغم من ذلك فإنه ما يزال نقص وقصور في النصوص المتعلقة بالإجراءات التأديبية.
ولقد أخذ القضاء على عاتقه مهمة تكملة ما في النصوص من نقص أو غموض لدرجة جعلت الفقه والقضاء يتحدث عن المبادئ العامة للإجراءات التأديبية، ففي الجزائر وباستثناء المرسوم رقم (66/152) والمتعلق بالإجراء التأديبي وكذا بعض المناشير والقرارات الخاصة ببعض القطاعات والأسلاك ما زال لا يوجد أي نص قانوني من ذلك التاريخ إلى اليوم يعتبر كقاعدة للإجراءات التأديبية مما يترجم ويؤكد بوضوح نقص وقصور النصوص القانونية المنظمة والمتعلقة بالإجراءات التأديبية في التشريع الوظيفي الجزائري.
والنقص في النصوص المنظمة للإجراءات التأديبية يثير أسئلة تتعلق بالمصادر التكميلية التي يستقي منها القضاء الإداري المبادئ التي يطبقها فيما يطرح عليه من طعون قضائية في القرارات التأديبية الصادرة عن الإدارة، فالإدارة والقضاء الإداري وبالخصوص مجلس الدولة حاليا، ملزم من خلال اجتهاداته بإتمام وإكمال النصوص التي تنظم إجراءات التأديب ومراحله الإجرائية في ذلك.
ونجد أن القضاء الإداري وعلى رأسه مجلس الدولة من خلال اجتهاداته في هذا الصدد، يسلك أحد السبيلين في خصوص تكملة ما قد يصادفه في النصوص من نقص:
الأول: الاستناد إلى المبادئ العامة في إجراءات التقاضي بصفة عامة
الثاني: استعارة الأحكام التي ترد في قانون الإجراءات المدنية والإدارية والإجراءات الجزائية .

المبحث الثاني
مراحل الإجراء التأديبي والضمانات المقررة للموظف العام
بالنظر للمركز القانوني للموظف الذي يتسم بالطابع التنظيمي، وبالنظر لخصوصية الجهة التي يتبعها الموظف فقد تناول القانون الأساسي لعمال المؤسسات والإدارات العمومية، كافة مراحل الإجراء التأديبي.

المطلب الأول
مراحل الإجراء التأديبي

الفرع الأول
مرحلة التحقيق والمداولة
بعد تكييف الخطأ المرتكب من طرف الموظف، تأتي مرحلة لا تقل أهمية عن سابقتها ألا وهي مرحلة تحديد المسؤولية ومدى إسناد الخطأ المرتكب للموظف وذلك قصد الوصول للعقوبة المستحقة إن ثبت إدانته أو براءته في حال عدم ثبوتها، وهو ما نتطرق إليه فيما يلي :

أولا: مــرحـلــة التحقيــق
إن التحقيق الإداري إحدى وسائل النظام التأديبي نحو بلوغ غايته لإظهار الحقيقة، وهو مشابه للتحقيق القضائي اعتماده على كافة طرق وأدلة الإثبات من اعترافات، شهادات، ويتم ذلك كتابة في كل الأحوال.
فالتحقيق إجراء تقوم به الإدارة بناءا على تقرير الرئيس المباشر للموظف حول تصرفاته، أو جهات التفتيش بناءا على شكاوي المنتفعين بالمرفق العام، وذلك إذا ما ارتأى مجلس التأديب أن الوقائع المنسوبة للموظف محل إبهام وغموض يتعين فكهما قصد إصدار قرار التأديب على أسس شرعية، فهو إجراء جوازي.
كما يمكن وخلال مراحل التحقيق أن يتم توقيف الموظف احتياطيا، فهو إجراء وقائي وليس عقابي، وطبقا للمادة 130 من المرسوم 85/59 التي جاء بها.
كما نصت المادة 131 من نفس المرسوم على حالة أخرى يتم فيها توقيف الموظف فورا، وذلك في حال تعرضه لمتابعات جزائية لا تسمح بإبقائه في حالة نشاط، وذلك بموجب مقرر صادر عن السلطة التي لها صلاحية التعيين فور إخطارها بتحريك الدعوى العمومية الذي يبقى ساريا لحين التسوية الإدارية لملف المعني، مع جوازية إرفاق مقرر التوقيف طوال 6 أشهر على الأكثر، بمقرر إبقاء جزء من الأجر الأساسي [ما لم تحصل المتابعة نتيجة خطأ مهني قد ينجر عنه تسريح الموظف-درجة ثالثة].
فإذا ما انتهت المتابعة الجزائية بالإدانة ينبغي على الإدارة تسريح الموظف إذا ما كانت المتابعة الجزائية نتيجة خطأ مهني، أما إذا كانت أمام الجهات القضائية بحكم نهائي فيعاد إدراجه وجوبا في منصب عمله بموجب مقرر من السلطة التي لها صلاحية التعيين، ما لم يوجد خطأ مهني يؤدي لعقوبة تأديبية.
لكن ما يعاب على النظام التأديبي في الجزائر أنه يفتقد للحياد المفروض في الجهة التي تتولى التحقيق إذ يعهد به للإدارة أو السلطة السلمية، وهي نفس الجهة التي تتولى الاهتمام، وهو ما من شأنه المساس بضمانات الموظف في مواجهة الإدارة التي لا يعقل أن تتولى، الهيئة المستخدمة، أو ممثلها المرخص له قانونا توجيه الاهتمام، وتسليط العقوبة وكذا التحقيق بشأن الإخلالات المنسوبة للموظف. وقد سلك المشرع الجزائري في ذلك مسلك المشرع الفرنسي الذي جعل من السلطة التي تملك حق توجيه الاهتمام هي نفسها السلطة التي تتولى إجراء التحقيق وذلك تحت رعاية القضاء .
ثانيا: مرحلة المداولة والاقتراع
تختلف هذه المرحلة تبعا للخطأ المقترف من طرف الموظف، وطبيعته سواء من حيث الجهة المختصة بإصدار القرار التأديبي، أو بعض الإجراءات الملازمة له، وهو ما نوضحه من خلال النقاط التالية:
1- بالنسبة للخطأ المهني من الدرجة الأولى: بالرجوع لنص المادة 125 من المرسوم 85/59 يتضح أنّ المشرع الجزائري قد أطلق العنان للسلطة الرئاسية في توجيه العقوبة من الدرجة الأولى وذلك بنص:
"تقر السلطة التي لها صلاحية التعيين أو السلطة المخولة عقوبات من الدرجة الأولى بمقرر بين الأسباب دون استشارة لجنة الموظفين مقدما".
نلاحظ أنّ المشرع لم يلزم السلطة المخولة بالتأديب استشارة أي هيأة ولا التقيد برأي أي جهة معينة ومرد ذلك برأينا قلة أهمية هذا النوع من العقوبات التي لا يمكن أن تتجاوز في أقصى دلالتها، لإيقاف عن العمل من يوم إلى ثلاثة أيام".
2- بالنسبة للخطأ المدني من الدرجة الثانية:
لقد نص المشرع الجزائري بالمادة 126 من مرسوم 85/59على أنّ:
"تقدر السلطة التي لها صلاحية التعيين عقوبات الدرجة الثانية بمقرر مبين الأسباب......".
وهو ما يعني ترك سلطة العقاب للسلطة الرئاسية، التي تملك صلاحية التعيين وحدها دون أخذ رأي أي جهة أخرى، شأنها في ذلك شأن عقوبات الدرجة الأولى وذلك بالرغم من خطورة العقوبات المقدرة لمرتكبي أخطاء الدرجة الثانية، والتي قد تمتد إلى الشطب من جدول الترقية وهو ما يمكن اعتباره إجحافا آخر في حق الموظف وتوسيعا لصلاحيات الإدارة .
3- بالنسبة للخطأ المهني من الدرجة الثالثة:
بالنظر لخطورة هذه العقوبات وما تلحقه من أضرار بالمشوار المهني للموظف، كونها قد تصل لغاية فصله من منصب عمله، فقد خول المشرع سلطة إصدارها إلى اللجنة المتساوية الأعضاء ، والتي عليها وحدها المختصة بإبداء الرأي الموافق على العقوبة المقترحة من السلطة الرئاسية.
وبالنظر لأهمية هامة اللجنة في تسيير المشوار المهني للموظف لا بأس من التطرق إليها في عجالة من حيث تشكيلها، ودورها في المجال التأديبي إلى اللجنة المتساوية الأعضاء منصوصا عليها بموجب المادة 12 من مرسوم 89/59 وهي تشكل على مستوى الإدارة المركزية، الولايات، الجماعات المحلية، والمؤسسات العامة ذات الطابع الإداري وهي تتألف من عدد متساو من ممثلي الهيئات المعنية الذين يعينون بموجب قرار من السلطة التي تملك حق التعيين من بين المتصرفين الإداريين بعد استطلاع رأي المديرية العامة للموظف العمومي، وهي تختص فضلا عن اختصاصاتها الأخرى بالنظر في القضايا التأديبية المعروضة عليها، والمتعلقة بالموظفين المرتكبين لمخالفات الدرجة الثالثة، فهي طبقا للمادة 13 من المرسوم 85/59 تخص بالعقوبات التأديبية لاسيما التسريح بنوعيه، التنزيل والنقل الإجباري.
4- بالنسبة للخطأ المهني من الدرجة الرابعة: فهذا الخطأ المهني مستحدث بموجب الأمر رقم 06-03 المتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية، وذلك طبقا للمادة 173 من نفس الأمر. و يتقاضى المعني خلال فترة التوقيف نصف راتبه و كذا مجمل المنح العائلية.
و إذا اتخذت في حق الموظف الموقوف عقوبة، أقل من عقوبات الدرجة الرابعة أو إذا تمت تبرئته من الأعمال المنسوبة إليه أو إذا لم تجتمع اللجنة الإدارية المتساوية الأعضاء في الآجال المحددة، يسترجع الموظف كامل حقوقه والجزء الذي خصم من راتبه .

الفرع الثاني
مرحلة اتخاذ القرار التأديبي
هي المرحلة الأخيرة عن سلسلة الإجراءات التأديبية وأكثرها أهمية بالنظر للآثار التي تنجر عنها وما لذلك من انعكاس على المشوار المهني للموظف، لكن المشرع لم يضع ضوابط لوضع حد لهيأة الإدارة على الموظف، وذلك بتنصيبها كجهة اهتمام، لاسيما إذا تعلق الأمر بعقوبة الدرجتين، الأولى والثانية وهي الهيمنة التي تزول نوعا ما إذا ما اقترف الموظف خطأ مهنيا من الدرجة الثالثة وهو ما سنحاول توضيحه في نقطتين:

أولا: صدور القرار التأديبي بعقوبات الدرجتين الأولى والثانية:
إنّ القاسم المشترك بين عقوبات الدرجة الأولى والثانية يكمن في إسناد المشرع لسلطة توقيع العقاب للإدارة وحدها دون استشارة أي جهة بنص المادتين 125، 126 من المرسوم 85/59.
فإذا كان لهذا الطرح ما يبرره إذا ما نظرنا لبساطة العقوبات التأديبية من الدرجة الأولى وهي: - التنبيه ، الإنذار الكتابي ، التوبيخ .
- فإنه يعبر عن تبرير اتخاذ المشرع نفس الموقف فيما يتعلق بالعقوبة التأديبية من الدرجة الثانية، والتي تتراوح طبقا لنص المادة 163 من الأمر 06-03.
- التوقيف عن العمل، من يوم (1) إلى (3) أيام ، و الشطب من قائمة التأهيل .
وهي كما نلاحظ عقوبات على درجة من الخطورة كان من الأجدر إخضاعها لأكثر ضمانات لفائدة الموظف في مواجهة الإدارة، وليس الاكتفاء بمنحه حق الطعن في مقرر العقوبة، أمام لجنة الموظفين خلال أجل شهرين من صدوره ما دامت الإدارة غير ملزمة بقرار اللجنة وهو ما يطرح التساؤل حول جدوى عرض القضية المتساوية الأعضاء بعد صدور القرار التأديبي .
كما يشترط في القرار التأديبي أن يصدر مكتوبا، مشتملا على بيان الأسباب التي استندت إليها الإدارة لإصدار القرار التأديبي ويشترط أن تكون مقبولة .
ثانيا: صدور العقوبات التأديبية من الدرجة الثالثة
تتمثل هذه الفئة من العقوبات وطبقا لنص المادة 169 من الأمر رقم 06-03.
- التوقيف عن العمل من أربعة إلى ثمانية أيام، التنزيل و كذا التكفل الإجباري .
بالنظر إلى خطورة هذه العقوبات مقارنة بسابقتها فقد أخضع المشرع كيفيات صدورها لإجراءات معينة تتجلى في الرأي الموافق لمجلس الوظيفة العمومية المتساوي الأعضاء، الذي ينعقد خلال شهرين من تاريخ إخطاره بالتقرير المقدم إليه من السلطة الرئاسية متضمنا العقوبة المقترحة، وبعد سماع الموظف المخطئ مع مراعاة الإجراءات التي تطرقنا إليها سابقا، يتم صدور القرار التأديبي بناءا على أغلبية الأصوات وفي حال تعادلها يرجع صوت الرئيس، وهو ملزم للإدارة عليها أن تتقيد به طبقا لنص المادة 177 من المرسوم 29/59، وإصدارها لقرارها معدل عن رأي اللجنة، يعرض قرارها لإلغاء وهو ما ذهب إليه المجلس الأعلى، الغرفة الإدارية ، سابقا..
ولكن حيث أنه كان من واجب الإدارة من خلال القرار الصادر في 17/10/1972 أن تراعي مقتضيات الأمر المتضمن القانون الأساسي للوظيف العمومي، وتشير في قرارها بأنه لا يكون نهائيا إلاّ إذا وافقت عليه اللجنة المختصة التي سوف تكون وعلى هذا القرار المطعون في مشوب بالبطلان وجدير بالإلغاء.
وهو ما كرسته الغرفة الإدارية لدى المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ، 05/01/1997 في الطعن المرفوع إليها فصلا في النزاع القائم بين والي بسكرة و(ش.أ) إذ جاء بالقرار:
" إنه من المستقر عليه أن يتم النقل لصالح المرفق العام بشرط أن لا يشكل نفلا تلقائيا ولما كان ثابتا- في قضية المال- أنّ الطاعن كان محل تنزيل في الرتبة تحت غطاء النقل لأنه كان متصرفا إداريا يتمتع بصنف 17/05 بينما صنف الأمين العام 17/02 وبمجرد رفضه، قام الوالي بفصله دون أخذ رأي لجنة الموظفين، فإنّ قضاة الدرجة الأولى لما قضوا بإبطال قرار الوالي لخرقه القانون 85/59 طبقوا القانون تطبيقا صحيحا".
ثالثا: صدور العقوبات التأديبية من الدرجة الرابعة
تتمثل هذه الفئة من العقوبات طبقا لنص المادة 163 من الأمر رقم 06-03، في:
- التنزيل إلى الرتبة السفلى مباشرة ، و التسريح .
وعملا بنص المادة 165 من الأمر السالف الذكر، فإنه تتخذ السلطة التي لها صلاحيات التعيين العقوبات التأديبية من الدرجة الثالثة والرابعة بقرار مبرر، بعد أخذ الرأي الملزم من اللجنة الإدارية المتساوية الأعضاء المختصة المجتمعة كمجلس تأديبي، والتي يجب أن تبت في القضية المطروحة عليها في أجل لا يتعدى خمسة وأربعين (45) يوما ابتداء من تاريخ إخطارها.
وحسب المادة 173 من الأمر السالف الذكر، فإنه في حالة ارتكاب الموظف خطأ جسيما، يمكن أن يؤدي إلى عقوبة من الدرجة الرابعة، تقوم السلطة التي لها صلاحيات التعيين بتوقيفه عن مهامه فورًا.
إذ اتخذت في حق الموظف الموقوف عقوبة أقل من عقوبات الدرجة الرابعة، أو إذا تمت تبرئته من الأعمال المنسوبة إليه أو إذا لم تجتمع اللجنة الإدارية المتساوية الأعضاء في الآجال المحددة، يسترجع الموظف كامل حقوقه والجزء الذي خصر من راتبه.
وعملاً بالمادة 175 من نفس الأمر ، فإنه يمكن الموظف الذي كان محل عقوبة تأديبية من الدرجة الثالثة أو الرابعة، أن يقدم تظلما أمام لجنة الطعن المختصة في أجل أقصاه شهر واحد ابتداء من تاريخ تبليغ القرار.
ولقد كرس ذلك ما جاء في المنشور رقم (139) الصادر بتاريخ 22 مارس 1983 الموجه من الوزارة الأولى إلى السيدات والسادة أعضاء الحكومة والذي ينص في موضوعه على ضرورة الالتزام بالتحفظ من قبل الموظفين.
وكذا ما جاء في نص المداخلة حول أخلاقيات الوظيف العمومي من تقديم السيد /"بودينة رشيد" وذلك في الملتقى المنظم من قبل مصالح رئيس الحكومة، (المديرية العامة للوظيف العمومي) المنعقد يومي 29 و30 ماي 2000 بمكتبة الحامة بالجزائر العاصمة.
هذا الملتقى الذي توجت أشغاله بمجموعة توصيات، ومن ضمنها توصيات المجموعة رقم (02) المكلفة بموضوع أخلاقيات الوظيف العمومي.

المطلب الثاني
الضمانات المقررة للموظف العام
إن المشرع أعطى الإدارة والمستخدم حق تأديب الموظف وهو الحق المستمد من علاقة التبعية، وما تمنحه من سلطة إشراف وإدارة.
وبالمقابل فإن هذا الحق ليس سلطة مطلقة من أي قيد إنما يستوجب تماشيه والقوانين المعمول بها فضلاً عن تدخل المشرع في تقييد هذه السلطة عبر كافة مراحل الإجراء التأديبي بل وحتى بعد صدور قرار التأديب.

الفرع الأول
الضمانات المقررة للموظف العام قبل صدور القرار التأديبي
يتمتع الموظف بضمانات طيلة مراحل الإجراء التأديبي من وقوع المخالفة وتكييف الخطأ لغاية صدور القرار التأديبي، وهي ضمانات بمثابة قيود لممارسة السلطة التأديبية من طرف المستخدم تحول دون تعسفه في المتابعة وتوقيع الجزاء وهو ما نستعرضه في:
أولا: حق الدفاع:
يعد حق الدفاع من الحقوق الأساسية المكفولة للموظف وأكبر ضمانة له إذ له وفي سبيل ذلك أن يسلك كافة السبل المشروعة سواء تولى ذلك بنفسه أو عهد به لمحام، والإخلال بهذا القرار يجعل القرار التأديبي الصادر مشوبا بالبطلان.
لهذا فقد جاء النص على حق الموظف في الإطلاع على ملفه التأديبي فور الشروع في الإجراءات التأديبية، فضلا عن حقه في الإستعانة بمدافع يختاره، كما يسوغ له أن يقدم أمام اللجنة المتساوية الأعضاء أو لجنة الطعن بيانات خطية أو شفهية أو أن يطلب حضور شهود وذلك حتى يتسنى له الإحاطة التامة بالتهمة الموجهة إليه، ومن ثمة تحضير دفاعه وتقديم كل ما من شأنه إثبات براءته أو تخفيف مسؤوليته وله في سبيل ذلك أن يعهد بالدفاع عنه لأي شخص يختاره .
ثانيا:عدم توقيف الموظف إلا لمصلحة التحقيق:
إن التوقيف ما هو إلا إجراء وقائي تعمد إليه الإدارة خدمة للمصلحة العامة، وبالنظر لخطورته فقد أحاطه المشرع بجملة من الشروط والتي يمكن إيجازها فيما يلي:
الحالة الأولى: اقتراف الموظف مخالفة جسيمة من الدرجة الثالثة أو الرابعة وتعارض بقائه في منصب عمله مع حسن سير عملية التحقيق الإداري.
ففي هذه الحالة لا يجب أن يستمر توقيف الموظف لمدة تزيد عن الشهرين إذ يتعين على الإدارة عرض القضية خلالهما على اللجنة المتساوية الأعضاء المنعقدة لمجلس تأديبي تحت طائلة رجوعه لمنصب عمله مع حقه في استرجاع المرتبات التي اقتطعت منه، وهو ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ: 13/01/1991 والذي جاء فيه :
"حيث أن دفع مرتب الموظفة خرق آخر للقانون سيما وأن الإدارة لم تحترم نص المادة 130 من المرسوم رقم 85/59 المؤرخ في 23/03/1985 المتضمن القانون الأساسي النموذجي لعمال المؤسسات والإدارات العمومية والذي يحدد أجل شهرين منذ توقيف العامل للبت في أمر التوقيف لأن توقيف العاملة هنا كان بمقرر رئيس القطاع الصحي بأريس في: 07/12/1987 وبمقرر مدير الصحة بباتنة باء عادة إدراج العاملة إلى مركز القطاع الصحي التابع لأريس كان بتاريخ: 01/02/1989 .
الحالة الثانية: ارتكاب الموظف جريمة تتعارض واحتفاظه بمنصب عمله، وذلك بوقوع الموظف تحت طائلة المتابعة الجزائية لارتكابه جناية، أو جنحة، فإن التوقيف في هذه الحالة يكون لغاية صدور حكم نهائي عن الجهات القضائية المختصة، غير أنها ملزمة بأن تدفع له طيلة 6 أشهر مبلغا لا يتجاوز 4/3 المرتب الذي كان يتقاضاه عند توقيفه.
ثالثا: رأي اللجنة المتساوية الأعضاء:
هو ضمانة أخرى للموظف في مواجهة الإدارة وذلك حال ارتكابه خطئًا مهنيا من الدرجة الثالثة دون غيره من الأخطاء إذ أوجبت المادة 127 من المرسوم 85/59 على السلطة التي لها صلاحية التعيين أن تصدر قرارها بعد موافقة لجنة الموظفين التي تحتوي عددا متساوي من ممثلي الموظفين وممثلي الإدارة.
إن استشارة اللجنة وجوبية ورأيها مقيد للإدارة إذ أنه من قبيل الاستشارة المطابقة، ومن ثمة فتقرير الإدارة للعقوبة مخالفة لرأي اللجنة يجعل قرارها معيبا بعدم المشروعية وهو ما يشوبه بالبطلان ويعرضه للإلغاء أمام القضاء المختص وهو ما ذهبت إليه الغرفة الإدارية لدى المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ: 05/01/1997 ، والذي جاء فيه:
"من المستقر عليه أن النقل يتم لصالح المرفق العام بشرط ألاّ يشكل نقلا تلقائيا، ولما كان ثابتا –في قضية الحال- أن الطاعن كلن محل تنزيل مقنع في الرتبة تحت غطاء النقل لأنه كان متصرفا إداريا يتمتع بصنف 17/05، بينما صنف الأمين العام هو 17/02 وبجرد رفضه قام الوالي بفصله دون أخذ رأي لجنة الموظفين فإن قضاة الدرجة الأولى لما قضوا بإبطال قرار الوالي بخرقه القانون 85/59 طبق القانون تطبيقًا سليمًا".
غير أن ما يعاب على المشرع الجزائري قصره إلزامية رأي اللجنة بالنسبة للإدارة على العقوبات من الدرجة الثالثة دون عقوبات الدرجتين الأولى والثانية طبقا لنصي المادتين: 125، 126 من المرسوم 85/59، أين فسح المجال للسلطة الإدارية لتوقيع الجزاء الذي تراه ملائما، دون أخذ رأي اللجنة وهو ما يخل بمبدأ الحياد بشكل تام .
رابعا: تسبيب القرار الإداري:
إن القرار الإداري الصادر بالعقوبة التأديبية يجب أن يشتمل فضلا عن شكلياته وقائع الدعاوي التهمة الموجهة للموظف وأوجه دفاعه، وكذا بيان الأسباب التي اعتمدتها الإدارة للوصول إلى العقوبة التي قررتها.
فالقرار التأديبي ولكي يصدر صحيحا منتجا لكافة آثاره يجب أن يحتوي سند مادي أو قانوني يبرر وجوده وقيامه وإلا اعتبر باطلاً، ومن هذا المنطلق أوجب المشرع الجزائري على السلطة المكلفة بالتأديب أن تصدر قراراتها التأديبية مبينة للأسباب وذلك بنص المادتين 125، 126 من المرسوم 85/59، وهي متعلقة بعقوبات الدرجة الأولى والثانية.
في حين نصّت المادة 127 من نفس المرسوم على أن تصدر السلطة التي لها صلاحية التعيين قرارها بعد موافقة لجنة الموظفين دون النّص على ضرورة تسبيب قراراتها وذلك راجع لكون الإدارة وفي هذه الحالة تصدر قرارها مطابقا لرأي اللجنة، ومن ثمة فهي لا تحتاج لتسبيب بخلاف الحالة الأولى التي تلزم فيها الإدارة بتسبيب قرارها لانفرادها بسلطة اتخاذ القرار، وهو قيد آخر كونه الضامن الوحيد لعدم انحراف الإدارة بوقائع القضية والاعتماد على أسباب واصية لتوقيع العقوبة التأديبية، فالتسبيب وجوبي يتعين على الإدارة مراعاته عند إصدار قراراتها التأديبية و إغفاله من طرفها يجعل قراراتها مشوبة بالبطلان .

الفرع الثاني
الضمانات المقررة للموظف العام بعد صدور القرار التأديبي
علاوة على القرارات المقررة للموظف خلال أطوار الإجراء التأديبي، فقد خصه المشرع الجزائري بجملة من الضمانات الأخرى، حتى بعد صدور القرار، والتي تتجلى في طرق الطعن التي خوله إياها، سواء أمام الجهة مصدرة القرار أو أمام جهات أخرى، وهو ما سنوضحه في الآتي:
أولا: التظلّم الإداري:
هو مكنة قانونية خولها المشرع للموظف قبل اللجوء للقضاء لحماية حقه ومصالحه، ويفسح المجال للإدارة كي تعيد النظر فيما أصدرته من قرارات، وهو أنواع:
1- التظلم الولائي : « recours gracieux »
وذلك بأن يتقدم صاحب المصلحة إلى من صدر منه التصرف المخالف للقانون برأية سواء كان فردا أم هيئة يلتمس منه إعادة النظر في تصرفه، إما بسحبه، إلغائه أو تعديله بعد تبصيره بوجه الخطأ الذي ارتكبه .
غير أن هذا لا يعني أن السلطة الإدارية ملزمة بالتعديل، بل وحتى إجابة الطالب بالرفض أو القبول إنما تبقى لها السلطة التقديرية، التي تستطيع بموجبها أن تعدل القرار جزئيا أم كليا، فضلا عن حقها في عدم إجابة الموظف كليا، وهو ما يعد رفضا ضمنيا لتظلمه .
2- التظلم الرئاسي : recours hiérarchique
يتم فيه التظلم إلى الرئيس الإداري لمصدر القرار، فيتولى الرئيس بما له من سلطة تقديرية سحب القرار، إلغائه أو تعديله بما يجعله مطابقا للقانون.
فالتظلم الرئاسي يجب أن يرفع مباشرة أمام السلطة التي تعلو تلك السلطة مصدرة القرار التأديبي محل النزاع وذلك من منطلق احترام السلم الإداري.
ومن ثمة فالقرار الوزاري لا يجوز الطعن فيه أمام رئيس الجمهورية إلا إذا كان ليس موظف معينا بموجب مرسوم وعليه فإنه يتظلم منه ولائيا حسب رأي الأستاذ سبيح ميسوم.
3- التظلم أمام لجنة خاصة:
بالنظر لعدم فعالية التظلم الولائي والرئاسي فقد عمد المشرع الجزائري للنص على إنشاء لجنة للطعن على مستوى كل وزارة ويرأسها الوزير أو ممثله، كما توجد على مستوى كل ولاية ويرأسها الوالي أو ممثله، كما يمكن إنشاؤها مع مستوى المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري، أين يتم تشكيلها بموجب مرسوم. وتختص اللجنة بالنظر في القرارات المتضمنة عقوبات من الدرجة الثالثة، فضلا عن دورها فيما يخص الإحالة على التقاعد التلقائي، ويجب أن يقدم التظلم إلى اللجان في مهلة لا تتعدى 15 يوما من تاريخ تبليغ الموظف بالقرار التأديبي، ويمكن لها أن تأمر بتوقيف سريان الجزاء التأديبي إلى حين البت في التظلم المرفوع إليها كما تملك اللجنة حق تأكيد العقوبة التأديبية، تعديلها أو سحبها.
4- التظلم القضائي:
يعد ضمانة أخرى للموظف في مواجهة تعسف الإدارة في تأديبه، وذلك بممارسة حقه في الالتجاء لمرفق القضاء، عن طريق ما يعرف بدعوى الإلغاء، وفقا للأوضاع المقررة بالمادة 07 ق إ م، والمادة 09 من القانون 98/01 ، وذلك برفعها أمام مجلس الدولة إذا ما تعلق الأمر بقرارات صادرة عن الهيئات المركزية، وأمام المحاكم الإدارية الجهوية إذا ما تعلق الأمر بقرارات صادرة عن الولاة، وأمام المحاكم الإدارية إذا ما تعلق الأمر بالقرارات الصادرة عن باقي الهيئات والمؤسسات الإدارية. كون دعوى الإلغاء هي دعوى موضوعية عينية، وذلك لكونها ترمي في نهاية المطاف لحماية القواعد القانونية بمعناها الواسعة العامة والمجردة، أو بالأحرى حماية المشروعية. ويشترط لقبولها جملة من الشروط:

1- شروط شكلية: ويمكن إجمالها في:
1- أن تنصب على قرار إداري له مواصفات القرار الإداري، وهو ما كرسته المحكمة العليا في العديد من قراراتها، لاسيما ذلك الصادر بتاريخ 03/01/1993 ، أين قررت عدم قبول دعوى الإلغاء شكلاً، كونها انصبت على الطعن في قرار اللجنة التأديبية، وقد جاء في حيثيات القرار:
"حيث أنه من المستقر عليه فقها وقضاءًا أن تعتبر اللجان التأديبية مجرد هيئة استشارية فإن الآراء الصادرة منها لا تدخل ضمن تعريف القرار الإداري، وأن المقرر الذي يتخذ لاحقا بناءا لهذا الرأي هو وحده الذي يكون محلاً للطعن بالبطلان.
ومن ثمة فإن الطعن تقدم به الطاعن والذي يرمي إلى إبطال رأي اللجنة التأديبية جاء مخالفًا للقانون.
ومتى كان الأمر كذلك يستوجب عدم قبول الطعن شكلاً".
2- استيفاء شرط التظلم الإداري المسبق:
إذ نص قانون الإجراءات المدنية على:
"لا تكون الطعون بالبطلان مقبولة ما لم يسبقها الطعن الإداري التدرجي الذي يرفع أمام السلطة الإدارية التي تعلو مباشرة الجهة التي أصدرت القرار، فإن لم توجد فأمام من أصدر القرار نفسه".
3- استيفاء شرط المدة أو ميعاد رفع الدعوى:
فقد خص المشرع الجزائري دعوى الإلغاء بمواعيد خاصة يختلف تبعا للجهة المرفوعة أمامها الدعوى:
أ- بالنسبة لمجلس الدولة:
فدعوى إلغاء القرار التأديبي يجب أن ترفع خلال شهرين تسري من:
• تاريخ تبليغ الموظف بالرفض الكلي أو الجزئي لتظلمه، طبقا لنص المادة 278 قانون الإجراءات المدنية.
• سكوت الإدارة عن الرد على تظلمه طيلة ثلاثة أشهر، طبقا للمادة 279 قانون الإجراءات المدنية.
ب- بالنسبة للغرف الإدارية لدى المجالس والغرف الجهوية – المحاكم الإدارية والجهوية التي لم تنصب بعد : بعد إلغاء المشرع الجزائري للتظلم الإداري المسبق لقبول دعوى الإلغاء ضد القرارات الصادرة عن الهيئات المنصوص عليها بالمادة 7 من قانون الإجراءات المدنية، وتعويضها بإجراء محاولة الصلح القضائي حدد ميعاد قبول دعوى الإلغاء بأربعة أشهر الموالية لتبليغ القرار المطعون فيه أو نشره طبقا للمادة 169 مكرر من قانون الإجراءات المدنية وبما أن القرارات التأديبية هي قرارات إدارية فردية، فإن هذا الميعاد لا يسري إلا من تاريخ العلم بالقرار عن طريق تبليغه، في حين أن النشر يخص القرارات الإدارية التنظمي .

II- الشروط الموضوعية لدعوى الإلغاء:
بعد استيفاء الطعن القضائي لشروطه الشكلية، ينصرف القاضي لفحص موضوع الدعوى والبحث عن مدى توافر الشروط الموضوعية للإلغاء، وذلك باشتمال القرار التأديبي عيبا من العيوب الخمسة المتعارف عليها في القانون الإداري والتي نستعرضها بإيجاز فيما يلي:
1- عيب الشكل: إذ يناط القرار الإداري بجملة من الشكليات التي تعد بمثابة ضمان للموظف، وهو ما جعل مجلس الدولة الفرنسي لا يفرق بين الشروط الشكلية الجوهرية والشروط الشلكلية الثانوية، جاعلا كلاهما على قدر واحد من الأهمية .
2- عيب عدم الاختصاص: أي عدم القدرة على إصدار قرار إداري معين باسم ولحساب الإدارة العامة، وهو عموما نوعان: عيب اختصاص بسيط، وعيب اختصاص جسيم.
3- عيب المحل (مخالفة القانون):
يقصد به خروج القرار التأديبي عن أحكام وقواعد القانون في مضمونه وموضوعه أو محله أما لو عمدت السلطة الإدارية لمعاقبة الموظف بعقوبتين لم يبح المشرع لها الجمع بينهما .
4- عيب الانحراف في استعمال السلطة:
وذلك إذا ما كانت السلطة مختصة بإصدار القرار التأديبي، غير أنها أصدرته مستهدفة غرضا أو أغراض غير تلك التي منحت لأجلها سلطة إصدار القرار، كتصفية حسابات قديمة مع الموظف ، ومن ثمة فهذا العيب الموجود من الصعب إثباته، غير أن مجلس الدولة الفرنسي شرع في إرساء قواعد اكتشاف هذا العيب والذي يمكن أن يتم من خلال الظروف والملابسات التي صدر في ظلها القرار التأديبي .

عيب السبب:
يقصد به انعدام الوقائع المادية أو القانونية، بأن تدعي السلطة الإدارية المختصة ظروفًا وحالات ووقائع مادية خاصة مصدر قرارها بناءا عليها. كما يمكن أن يقوم عيب السبب من الناحية القانونية، كأن تدعي وجود شروط وأسباب قانونية تقتضي إصدار القرار، ليتضح بعد ذلك إنعدام هذه الشروط .
ومن ثمة يمكن القول أن دعوى الإلغاء تعد ضمانة هامة وحقيقية للموظفين لحماية حقوقهم في مواجهة تعسف الإدارة، كونها دعوى قضائية تخضع في تحريكها، وتطبيقاتها للشروط والإجراءات المنصوص عليها قانونا وقضاءًا أمام الجهات القضائية، التي تقدر مدى مشروعية القرارات التأديبية الصادرة عن الإدارة التي تكون طرفا في الدعوى وعلى قدم المساواة مع الموظف، بخلاف التظلم الإداري الذي تبقى فيه الإدارة خصما وحكما في آن واحد.










رد مع اقتباس