منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - العاشقةُ الخرساء
عرض مشاركة واحدة
قديم 2019-10-25, 18:00   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
علي قسورة الإبراهيمي
مشرف الخيمة والمنتديات الأدبيّة
 
الصورة الرمزية علي قسورة الإبراهيمي
 

 

 
إحصائية العضو









افتراضي



.../ ...

عاد حسين من عملهِ بعد يومٍ مضنٍ قضاه في عملٍ شاقٍّ في البناء.
ولكنه وجد المنزلَ خاليًّا يكتنفه بعض السكون الرهيب، وليس لفاطمة من أثرٍ.. فانتابه القلق، ولكنه قال في قرارة نفسه:
ــ ربما هي لا تزال في المركز.. يظهر أنّ موعد اختبارات التخرّج، وإنهاء التدريب قد قارب على نهايته.. أكثر من ثلاث سنوات من التربص.. ثم أين تذهب؟! وهي لا تعرف من الدنيا شيئًا !..
وكأنّه يلهي نفسه ببعض الاطمئنان.. وبعد هنيهة زاد قلقه وأخذته هواجس السؤالِ، وعلامات استفهام تنبئ بسوء الحالِ.
وشردتِ الأفكار، فكان جلّ منواله التطلع إلى الخارج لمراقبة الأجواء لعلّه يراها من بعيدٍ وهي آتية.. وسوف يحاسبها حسابًا عسيرًا، أو لِتأتيَه ببرهانٍ مبينٍ يشفع لها على تأخرها ..
ولكنه لم يلمح شيئًا.. ما عدا بعض الناس كل واحد يهرع إلى بيته. بعد أن أوشكتِ الشمس إذانًا بالغروب. والغروبُ رسول الدجى .. ومع ذلك الترقب والقلق دخل المنزل.. وما إن هو منهمكٌ في إشعال الموقد فإذا بالباب يُطرق طرقًا عنيفًا. فخرج ليستطلعَ منِ الطارق.. فإذا به أمام رجلين من شرطة المدينة.. فأوجس منهما خيفةً.
فتقدما منه لإلقاء عليه بعض الأسئلة:
ــ مساء الخير.. هل تسكن هنا في هذا المنزل المهجور؟
ــ مساء الخير.. نعم..
ــ هل تسكن وحدك ؟
ــ لا.. تسكن معي أختي.. بل إبنة عمي.
ـــ هل لنا أن نعرفَ أين هي الآن؟
فتلعثم لسانه .. وقال :
ـــ هي بمركز تعلُّم الخياطة والطرز والنسيج .
ــ أ متأكّدٌ أنت فيما تقول؟
ــ نعم، نعم.. اِنتظرا.. لا، لا.. لست ادري.
ــ إذًا هيا معنا إلى المخفر لنأخذَ أقوالك.
ــ ماذا حصل، أرجوكما؟!.
ــ هناك سوف تعرف كل شيءٍ.
فكاد الخوف يقتل حسين.. لأنه لم يتعود مقابلة رجال الأمن، وكذلك قلقه وخوفه على فاطمة.. لأن الاستفسار والإشارة لها جاء على لسان الشرطيين.
وفي المخفر أعادوا ــ بعد أن اِطّلعوا على بطاقة تعريفه ــ عليه نفس الأسئلة مستفسرين منه عن مكان وجود فاطمة الآن.
ولكنه لا يدري.
وأخذت الأسئلة منحى آخر.. إذ سأله مفتش الشرطة:
ــ كيف كان عيشك مع البنت؟
ــ نحيا معًا حياة عادية.
ــ هل هي أختك؟
ــ لا ..هي بنت عمي .
ــ هل كانت لطيفة معك؟
ــ بعض الشيء ..
ــ ليتك تحدّد ما تعنيه
ــ هي دائمًا متبرمة ومتجهمة.
ــ لماذا ذلك؟
ــ لست أدري.. هو ذلك طبعها وديدنها.
ــ عندما تتحدث معك ماذا كانت تقول لك؟
ــ هي لم تتحدث معي.
ــ هي لا تقدر أن تتحدثَ معي .
ــ كيف، ولماذا لا تقدر؟ هل تخاف منك؟ هل كنت تضربها؟..
ــ قلتُ لك يا سيدي هي لا تقدر على الحديث معي.
...
وقدح حسين زناد أفكاره لعلّه يجد مفردة " خرساء " بلغة هؤلاء القوم.. ولكنه عبثًا كان يحاول.
فلم يعثر على ما يقابل تلك الكلمة.. فاسودّت الدنيا بوجهه.. وتذكر قوله تعالى:
" ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين ".
هنا أقسم حسين في قرارة نفسه.. أنه سوف يتعلّم لغة القوم قراءة وكتابة ويتقنها مثلهم في المستقبل.
عندها واجهه مفتش الشرطة بهذا الكلام:
ــ السيد حسين أنت متّهمٌ بالضغط ومعاملة إبنة عمك بقسوة.. نتج من خلال ذلك أنها انتحرت، ووضعت حدًّا لحياتها.. لأجل ذلك سوف نقوم بحبسك على ذمّة التحقيق .
يا للمصيبة! وهول ما سمع!
اِنتحرت .. اِنتحرت.
ثم تمتم..
"ربّ " أَنِّي مغلوبٌ فانتصِر.
...
وما هي إلاّ لحظات ودخل شرطيّ وأسرّ في أذن المفتش ..
ــ سيدي قد عملوا لها غسيل معدة، وأنها لا تزال على قيد الحياة .
فتهلّل وجه حسين بِشرًا.
اِنتظروني.

... يتبع












رد مع اقتباس