منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - التّعريف بفنّ القصّة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-10-19, 20:47   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
صَمْـتْــــ~
فريق إدارة المنتدى ✩ مسؤولة الإعلام والتنظيم
 
الصورة الرمزية صَمْـتْــــ~
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز المشرف المميز 2014 وسام التقدير لسنة 2013 وسام المشرف المميّز لسنة 2011 وسام أفضل مشرف وسام القلم الذهبي لقسم القصة 
إحصائية العضو










M001

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زيتوني محرز مشاهدة المشاركة
دمـــــــــــوع و قضبــــــــــــان





أه ,, أه,, يتهالك على الأرض , يتطحلب على أديمها , أنفاسه تتردد بسرعة , عينان تبحثان عن مكان للاستقرار , تتداخل الجدران , تضيع أطر اللوحات الزيتية التي زينت جدران القاعة
-أنا بريء ,, أنا بريء ...-
ينظر في وجه امرأة عجوز يغرق الدمع و جنتيها , يصرخ بأعلى صوته, صراخه يمزق صمت المكان , إرتعاشة قوية تهز أعماقه , شيء ما يدعوه للتقيء ليفرغ كل شحنته الملتهبة , قوى خفية تدعوه للبكاء ,, وحيد الآن و لا سند له , أعاد تأمل القاعة من جديد , كل الوجوه أعتاد رؤيتها , حتى في مثل هذا الموقف يبتسمون :/ يالها من ابتسامات صفراء فقدت الحياة !! / , صوت يقرع مسامعه , يمزق نياط القلب :/ أنت مجرم خطير , لابد أن تعاقب .../ تضيق القضبان , تنقبض شرايين القلب عنوة , فيصرخ :/ أنابريء ../, ينظر ثانية في الجموع الحاشدة التي جاءت تتسلى بمأساته ,,/ أنتم السبب , كم ضحكتم على ضعفي ,, و دفعتموني إلى هذا المصير المشؤوم !! / .
صمت رهيب يلف المكان , دافع غريب يحثه على فرض كيانه على بلاط القاعة , يتشبث بالقضبان الحديدية التي أحاطت به , لم يعد قادرا على مقاومة الضعف, تموت الصرخة بداخله , كم من صرخة كتمها طوال السنوات الماضية ؟! , ينفتح الباب الخارجي , تغادر الجموع القاعة في سرعة عادية , يقوده شرطيان إلى الخارج ,, ريح باردة ينفد إلى أعماقه عنوة ,, مد أليا يده فأغلق أزرار سترته التي جمعها إلى صدره ,, سار يجر قدميه جَرًا، دفعه الشرطيان ليستقر جالسا داخل – سيارة الشرطة - , تتناثر الأتربة وراء عجلات السيارة المنطلقة ،، إلى أين يحمل هذا الجسد المنهوك القوى ؟! ينظر في الوجوه الفضولية التي ودعها مرغما ،، تزاحمه الذكرى فيترك لها العنان لتعود به إلى أرشيف الحياة ....
/ كانت الحياة فتاة حسناء ضحكت من ضعفي و انقيادي لقوانينها دون روية وبعد نظر، خضعت لنواميسها التي لا ترْحم فرمتني في دواليبها كما ترمى فضلات السادة ، فعشت أقتات من جسدي و أنهش من كبريائي الجريح ، و لكن لنبدأ من الأول :
عرفت – الحرز – و أنا صغير ، كانت له نكهة خاصة عندي ، وضعوه في ثيابي وتحت وسادتي ، علّقوه في قطعة قماش مطرزة و ألصقوه في الجهة اليمنى من صدري ، فانتقل تأثيره مع دفعات الدم القاني إلى كل خلايا جسدي لتبني كيانا جديدا يقدس – الحرز – و لا يرى منه فكاكا ، علموني أن الغول سيأكلني إن فكرت – مجرد التفكير – في نزعه ، و صدقت كل كلمة سمعتها ، عبثوا بمشاعري ورموني في أتون الحياة مكسور الجناح منهوك القوى فقدت اتصالي بالعالم الخارجي، عشت في غرفتي غالقا على نفسي الأبواب ، كنت أخاف حتى من النسمة الباردة التي تزورني من النافذة ، أتخيلها شيطانا يأخذني إلى بلاد الموت الأحمر أو إلى جزر –الواق واق- أو على اقل تقدير إلى الدنيا التي وصفوها لي بأنها تمتص دماء البشر ثم ترميهم جيفا فارقتها الحياة ..
بكيت كثيرا , و ما عساني أن افعل ؟! ندبت حظي العاثر ، لعنت مولدي، حاولت الانتحار ولـكن كيف .... ؟! و كل الأبواب مغلقة دوني ؟!.
و كان إن غافلت زوج أمي و فررت إلى الخارج ، إلى – قتّالة الأرواح – كما سمعت عائلتي تسميها ، و اقتربت من جسر المدينة ، تشبثت بأحد أعمدته ، حركة الموج العنيفة تهز كياني المكدود هزا ، صورة الحرز تتراقص أمام ناظري ، يقهقه من غبائي وخجلي ، تعلقت بأعلى السور ، علّي أن أقفز و سينتهي كل شيء و يطوى الفصل الأخير من هذه المأساة .. لكني في لحظة أبصرت من خلال الموج صورة والدتي طريحة الفراش فأشفقت عليها من الصدمة التي ستقضي لا محالة على ما تبقى من عمرها ، أشفقت على جسدي المظلوم الذي لم يذق طعم الحياة بعد .../ جسدي ،، مسكين أنت ستسكن بعد حين أعماق الماء ، عزائي الوحيد إني قدمتك هدية للحياة ..مسكين أنت بعد حين تفارقك الروح المتمردة و تبقى وحيدا فريسة سهلة للأسماك! !.../ ولم أدرك موقفي إلا و الناس تحيط بي ،، ترجوني أن أحجم عن هذا الفعل ، ورضخت لإلحاحهم و أنا أحمل بين أضلعي جرحا غائرا، و أسماك النهر تضحك من ضعفي و انخذالي ،، و روحي تزمجر : / لا أريد العودة إلى ظلام الغرفة و سيطرة الحروز ، لا أريد ،، أريد أن أبقى في النور ،، أريد ../ وعدت إلى المنزل متخفيا كما خرجت ، و بقيت في غرفتي أياما حسبتها أعواما ، و في كل يوم يمر أزداد إصرارا على التحدي و ليكن ما قدر الله وشاء...
و تعلمت كيف أتسلل من الغرفة و كيف أعود دون علم أحد من أفراد عائلتي .. وواصلت على نفس الوتيرة و رأيت الحياة على عكس ما وصفوها لي ،، جميلة حسناء ، بحثت عن الغول في الأزقة الضيقة بل كنت أتعمد العودة ليلا ووحيدا لعليّ أعثر على أحد – العفاريت – لأوقع معه صلحا ،، و بحثت عن ضالتي فلم أعثر على شيء ، فعاد الاطمئنان إلى قلبي ، وفقدت – الحروز – ذلك التأثير العجيب على كياني رغم بقائها معلقة في كل مكان من غرفتي ..
وهكذا تمر الحياة تنهب الأرض نهبا ،، وكوّنت صداقات متنوعة في غفلة عن أهلي ،، وكان إن التقيت بأحد الشبان ، كان جريئا و حيويا، تعلمت منه الشجاعة وعدم الخوف والرهبة من أحد ، وكذلك تعلمت منه كيف أكسب – الدرهم و الدينار – دون تعب ونصب ، ترددت في الأول ، رأيت – الحرز – وظلام الغرفة خيرا لي من هذا المصير !! .
وكما يقولون – الحاجة أم الاختراع – كنت محتاجا لبعض – الدينارات – ثمنا للسجائر وقطع الحلوى ،، فمددت لي لأول جيب ثم الثاني والثالث وهكذا ... ووجدت نفسي وصديقي في قبضة الشرطة ، فاعترفت بكل ما بدر مني و...../
اهتز كيانه مع توقف – سيارة الشرطة – فعاد إلى واقعه ،، مسح عينيه ، عدل من وضع سترته ، تقدم مع الشرطيين إلى – مركز إعادة التربية – واحتواهم المكان .


كانت الحياة فتاة حسناء ضحكت من ضعفي و انقيادي لقوانينها دون روية وبعد نظر،



فلنبدأ من هذه الحسناءِ بِثوبِها و ملامِحها المُغرية،


الدّنيا: بسطت يديها على عنقِ هذا الطّفل..


فشلّت أنفاسه و استعبدت تفكيره..


و أخيرا يعترِفُ بانهِزامهِ بِدليلِ ضحكتِها المستهزئة،


ماكِرةٌ هي، وهذا ما أراد أن يوصله إلينا،


كـخُلاصةِ مآله.


ليعودَ خطوة بِخطوة حتّى يحمِلنا عبرَ أروِقةِ


الذّكرى فنعيشَ وضعه، فكأنّه ينتظِرُ حُكمنا


قبلَ حُكمِ القاضي..


فهل سنُبرئه أم سنحكمُ عليه بالإعدام؟؟


وذكر الحرز، الذي يعني حسبَ ما هو متعارفٌ عليه


في مجتمعِنا، الحِجاب (ولا اخصّ الحِجاب بثوب المرأة المسلِمة)


وهو الذي يخدِمُ المعنى الذي أرادَ إيصاله إلينا،


حيثُ أنّه يعني الحرز الذي يفعله السّحرة،


وهو شركٌ باللّه، حيث أنّه يدخل في المعتقدات التي


توحي بضُعفِ النّفوس وجهلها.


قاب قوسين و للإثراء، (فمعناهُ اصطِلاحاً،


ما يُبعد الخطر عن حامله، حيث يوضعُ لحفظه


من المرض والعين وغيرها..


حيث ذُكِر مصطلحُ الحرز في الشّريعة الإسلامية،


وهو الحِصنُ من الشّيطان)


وعودةً لمفهومِ النصّ،


يقول هذا الطّفل: وضعوه، علّقوه، ألصقوه..


ليوصِل لنا فِكرةَ إحاطته من طرف هؤلاء،


فهو يتكلّم بصيغة الجمع،


و كأنّما يخصّ بذلك كلّ العائلة..


هذا الأخير الذي قُيِّدت كلّ حركةٍ منه بهذا الحرز،


ومن جانب آخر، هي دلالة على المعتقدات


التي تسيطِر على البعض، ممّن يُنشؤونَ أولادهم


على هذه الأنواع من الأفكار، فيسعوا جاهدين


لترسيخ فِكرة بعض الطّقوس التي تحفظُ أبناءهُم..


،،،


تحدّث أيضاً عن خوفه، هذا الخوف الذي ترعرع بداخله،


خوفٌ من الأشباح والظّلام، ومن الدُّنيا، التي رسموها له


في هيئةِ مصّاص للدّماء..


ألا تُراودكم بعض الأسئلة؟!!!


بلى،


ما سببُ هذه الأفعال؟؟ أهي خوفٌ على الطّفل..؟؟


أهي مجرّدُ قيودٍ لِكبحِ حركته التي قد تجلِبُ لهم المشاكل،


خصوصا في حال اتّصاله بغيره؟؟


أهو نقصٌ في طريقةِ فهمِهم، وامتِدادٌ لما تلقّوهُ


وهم صِغار؟؟


هل باحتِجازِنا لأطفالِنا داخِل البيت..


واحتِجازِ عقولِهم البريئة داخل دوّامةِ أفكارٍ متخلّفة،


نكونُ قد حقّقنا لهم الأمن؟؟


بالطّبع لااا !!


فهذا احتِكارٌ لبراءتِهم و دفعٌ لِتراكُم شحنةِ أفكارٍ


متضاربة، قد يأتي يومٌ تنفجِرُ بعد كبتٍ طويل..


مثل ما حدث في حالةِ هذا الطّفل، الذي لم يستطِع


حتّى الحرز أن يكبحَ حريّته أو أن يحفظه،


بدليلِ أنّه فكّر في الانتِحار..


(وهي حالةٌ كثيرا ما تُصيبُ الأطفال الذين يملّون


حياتهم ويشعرون بضغطِ أهاليهم عليهم)


حيثُ أنّه، وبمجرّدِ أن لمح شعاعاً أغراه،


تتبّع خطاهُ على غفلةٍ من والدته وزوجها..(زوج الأم)


أين التحق بالعالمِ الخارجيّ، و تعرّف على رِفاق السّوء،


و بدأ يتذوّقُ طعم الحريّة، التي كشفتِ اللّثام


عن أكاذيبَ كانت تلفّقُ من طرفِ عائلته،


( فبنظره، رأى عكس ما قيلَ عن الدّنيا التي تمتصّ


الدّماء، والظّلام الذي يحتضنُ الأشباح)


ليزيدَ الطّين بلّة ذالك الشّعور الأخّاذ الذي اكتشفه،


كلّما امتدّت يده لجيوبِ غيره.



وللأسف هذا الطّفل الذي حوصِر بكلّ أنواع الحرز،


كانت نهايته أن توضعَ قيودُ السّجنِ الثّاني بعد بيته،


في يديه اللتينِ قادتاهُ للتعدّي على حرمةِ غيره،


ومن يسرق غيره فقد تعدّى على حرمته


هي نهايةٌ مؤلمة لهذا الطّفل، وللكثيرِ أمثاله


وهي نِتاجُ سوءِ التّربية والتي تندرِجُ فيها كلّ النّقاط


التي ذُكرت خِلالَ جولتِنا البسيطة بين معاني الكلمات.


،،،،


ونصيحتي بصفة عامّة للوالدين،


هي الحذر ثمّ الحذر من الضّغطِ على أبنائِهم،


بطريقةٍ تولِّدُ انفعالاً يقودهم لِمصيرٍ مُظلِم،


الطّفلُ تماما كالعجينة مثلما أراد الوالدينِ شكّلاه..


ومنه فعليهما حفظه بِتربيته وفقَ منهجٍ أخلاقيّ


في جوٍّ تسودهُ الرّأفة والحنان، لا الضّربُ والغصب..


ولا بأسَ أن نسلّمه حريّته، لكن أن تكون محدودة


ويكون رباطها بين أعيُننا، فلا نغفل عليه ونتتبّع


تطوّر سلوكاته وتغيّرها، لنتمكّن من الإصلاح وقت


اللّزوم،فالوقاية خيرٌ من العِلاج، والتّربية وفق


أسسٍ دينيّة أفضل من الطّرق الملتوية،


كالشّعوذة والعياذُ باللّه


،،،،


وخلاصةُ القول:


أنّه من أحسنَ البذر


جنا زرعاً صالِحاً و اكتسبَ كلّ خير


ــــــــــ


أخي محرز، قصّةٌ قيّمة


تستحقُّ تعمّقا أوسع، فاعذُر مروري هذا..


لأنّي تمنّيتُ لو وقفتُ على كلِّ نُقطة.


تقبّل إعجابي وتقديري









آخر تعديل صَمْـتْــــ~ 2009-10-19 في 22:04.
رد مع اقتباس