(29)
شارعٌ رمادي ، ضوءٌ منسكبٌ بآخر الطريق ، بابٌ يشبهُ بابي ، هناك منعطفٌ الى القلب ، لطالما وقفَتْ فيه الذكريات ، وهي تسرّحُ تفاصيلها الصغيرة ، بمشط أيامها ولياليها الغابرات .
لحظةً يا زمن ، أندلقُ فيها كالماء ، أتدلى فيها كالرشاء ، أدخل في ظلام دهاليزها وأقبيتها ، أتلمسُ بعضي كالأرملة العمياء . لحظةً مجوفة ، أقذف فيها طلاسم جسدي المهترئ ، وأرتب وجعي المتنقل والمتغلغل ، وأسرح فيها كالراعي ، أتفقد شياه ذاكرتي ، وعشب أحلامي .
لحظةً يا زمن ، أعود فيها اليَّ مني ، أكبحُ بعضاً من أيامي التي تسبقني ، وأستظلُّ مؤقتاً بوهم حضورها ، وزيف غيابها ، وأقلق هدأتها الأبدية بقامة ظلي، سأغمرها بدفء حزني ، وأطرح في ثناياها بعض تعبي ، سأجرها قهراً الى مرآتي لأقرأها وتقرأني .
لحظةً ، أحتفلُ فيها بسابق عمري ، سألونها ، وأزينها ، وأطيبها بعطري ، سأعانقها وأضمها حتى يسقط دمعي .
يتبع...