منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - تربية النفس
الموضوع: تربية النفس
عرض مشاركة واحدة
قديم 2018-10-02, 13:46   رقم المشاركة : 25
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)

وهكذا ينبغي أن نفهم الشهوة الجنسية التي فطر الإنسان عليها ، تنطوي على السكن النفسي ، والطمأنينة القلبية ، والسعادة الروحية

واللذة البدنية التي لا تعدلها لذة الطعام والشراب . وفي المقابل أيضا : تحمل في طياتها ما يرغِّبُ عنها ، وينفر منها ، حين يتصور المرء ما تفرضه على المجتمعات من أوزار وأثقال

تبدأ من اعتداء المتحرشين ، وسعار حيواني يستغل كل ما يثير الشهوات في كل تفاصيل الحياة ، وينتهي باللقطاء وجرائم القتل والاغتصاب التي تدفع نحوها هذه الشهوة .

وفي جميع ما سبق ثمة طريق مباح لشهوة الجاه والولد والجنس والمال ، نصب الله عز وجل عليه من الأسباب والدواعي والمرغبات ما يقاوم الطريق المحرم

فليس مقبولا ولا مرضيا أن يعترض أحد على خلق الشهوة والدعوة إلى جهادها ، فقد فتح الله عز وجل من أبواب المباح الشيء الكثير

والزواج أمر ميسور ، لكن الآصار الاجتماعية – التي وضعها الإنسان لنفسه - هي التي حالت دون زواج الكثير من الناس ، منها ما اصطنعه الأفراد بسبب تعنتهم في شروط زواجهم وتكاليفه

ومنها ما اصطنعته المجتمعات بسبب التعنت في مفهوم الزواج وقوانينه وأعرافه . وكل ذلك مخالف لشرع الله .

يقول الراغب الأصفهاني رحمه الله :

" أصعب هذه القوى الثلاث مداواة قمع الشهوة ، لأنها أقدم القوى وجودًا في الإنسان ، وأشدها به تشبّثًا ، وأكثرها منه تمكنًا ، فإنها تولد معه

وتوجد فيه وفي الحيوان الذي هو جنسه .... ثم توجد فيه قوة الحمية ، ثم آخرًا توجد فيه قوة الفكر والنطق والتمييز .

ولا يصير الإنسان خارجًا من جملة البهائم ، وأسر الهوى ، إلا بإماتة الشهوات البهيمية ، أو بقهرها وقمعها إن لم يمكنه إماتتها ، فهي التي تضره وتغره ، وتصرفه عن طريق الآخرة ، وتثبطه .

ومتى قهرها وأماتها ، صار الإنسان حرًّا نقيا ، بل يصير إلهيًّا ربانيًّا ، فتقل حاجاته ويصير غنيًّا عما في يد غيره ، وسخيًّا بما في يده ، ومحسنًا في معاملاته .

فإن قيل : فإذا كانت قوة الشهوة بهذه المثابة في الإضرار ، فأي حكمة اقتضت أن يبلى بها الإنسان ؟

قيل : الشهوة إنما تكون مذمومة إذا كانت مُفْرِطَة ، وأهملها صاحبها حتى ملكت القوى ، فأما إذا أُدِّبَت ، فهي المُبَلِّغة إلى السعادة ، وجوارِ رب العزة ، حتى لو تُصُوِّرت مرتفعة ، لما أمكن الوصول إلى الآخرة !


وذلك أن الوصول إلى الآخرة بالعبادة

ولا سبيل إلى العبادة إلا بالحياة الدنيوية

ولا سبيل إلى الحياة الدنيوية إلا بحفظ البدن

ولا سبيل إلى حفظ البدن إلا بإعادة ما يتحلل منه

ولا يمكن إعادة ذلك إلا بتناول الأغذية

ولا يمكن تناول الأغذية إلا بالشهوة

فإذًا الشهوة محتاج إليها ، ومرغوب فيها

وتقتضي الحكمة الإلهية إيجادها وتزيينها


كما قال تعالى : ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ) آل عمران/14

لكن مثلها كمثل عدو تُخشى مضرتُه من وجه

وتُرجَى منفعته من وجه

ومع عداوته لا يُستغنى عن الاستعانة به

فحق العاقل أن يأخذ نفعه

ولا يسكن إليه

ولا يعتمد عليه إلا بقدر ما ينتفع به .

وما أصدق ـ في ذلك ـ قول المتنبي

إذا تُصُوِّر في وصف الشهوة

وإن قصدها فما أجود ما أراد :

ومن نكد الدنيا على الحُرِّ أن يرى ...
عدواً له ، ما من صداقته بُدُّ

وأيضًا فهذه الشهوة هي المشوقة لعامة الناس إلى لذات الجنة من المأكل والمشرب والمنكح

إذ ليس كل الناس يعرف اللذات المعقولة .

ولو توهمناها مرتفعة

لما تشوقوا إلى ما وعدوا به من قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر )" .


انتهى من " الذريعة إلى مكارم الشريعة (ص: 99-100) .

ويقول ابن قيم الجوزية رحمه الله :

" اقتضت حكمة العزيز الحكيم أن ابتلى المخلوق من هذه المادة بالشهوة والغضب والحب والبغض ولوازمها ، وابتلاه بعدوه الذي لا يألوه خبالا

ولا يغفل عنه ، ثم ابتلاه مع ذلك بزينة الدنيا ، وبالهوى الذي أمر بمخالفته . هذا على ضعفه وحاجته .

وزين له حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث

وأمره بترك قضاء أوطاره وشهواته في هذه الدار الحاضرة العتيدة المشاهدة ، إلى دار أخرى ، غايته إنما تحصل فيها بعد طي الدنيا والذهاب بها .

وكان مقتضى الطبيعة الإنسانية أن لا يثبت على هذا الابتلاء أحد ، وأن يذهب كلهم مع ميل الطبع ودواعي الغضب والشهوة ، فلم يُخَلِّ بينهم وبين ذلك خالقهم وفاطرهم

بل أرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه ، وبين لهم مواقع رضاه وغضبه ، ووعدهم على مخالفة هواهم وطبائعهم أكمل اللذات في دار النعيم ، فلم تقو عقول الأكثرين على إيثار الآجل المنتظر بعد زوال الدنيا

على هذا العاجل الحاضر المشاهد ، وقالوا : كيف يباع نقد حاضر ، وهو قبض باليد ، بنسيئة مؤخرة وعدنا بحصولها بعد طي الدنيا وخراب العالم .

ولسان حال أكثرهم يقول :

" خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به ".

فساعد التوفيق الإلهي مَن علم أنه يصلح لمواقع فضله ، فأمده بقوة إيمان وبصيرة ، رأى في ضوئها حقيقة الآخرة ودوامها ، وما أعد الله فيها لأهل طاعته وأهل معصيته

ورأى حقيقة الدنيا وسرعة انقضائها ، وقله وفائها ، وظلم شركائها ، وأنها كما وصفها الله سبحانه : لعب ولهو ، وتفاخر بين أهلها وتكاثر في الأموال والأولاد

وأنها كغيث ( أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما ).

فنشأنا في هذه الدار ونحن منها وبنوها ، لا نألف غيرها ، وحكمت العادات ، وقهر سلطان الهوى ، وساعده داعي النفوس ، وتقاضاه موجب الطباع ، وغلب الحس على العقل ، وكانت الدولة له ، والناس على دين الملك .

ولا ريب أن الذي يخرق هذه الحجب ، ويقطع هذه العلائق ، ويخالف العوائد ، ولا يستجيب لدواعي الطبع ويعصي سلطان الهوى لا يكون إلا الأقل" .

انتهى من " شفاء العليل " (265-266)

وأما قولك في آخر السؤال :

" الأمر الذي أذهلني ، كيف يحرم الزنا ثم يبيح للرجل معاشرة الإماء والسراري دون زواج ، وبأي عدد ، ولو كن متزوجات "

فنطمئنك أن الإسلام لم يبح للسيد معاشرة إمائه المتزوجات ، هذا حرام باتفاق العلماء

كما جاء في " الموسوعة الفقهية الكويتية " (11/298)

– في شروط إباحة التسري - : " ألا تكون زوجة غيره ". ولم ينقلوا في ذلك أي اختلاف .

ثم اعلمي ، يا أمة الله :

" أن العقلاء قاطبة متفقون على : أن الفاعل إذا فعل أفعالا ، ظهرت فيها حكمته ، ووقعت على أتم الوجوه وأوفقها للمصالح المقصودة بها

ثم إذا رأوا أفعاله قد تكررت كذلك ؛ ثم جاءهم من أفعاله ما لا يعلمون وجه حكمته فيه لم يسعهم غير التسليم ؛ لما عرفوا من حكمته ، واستقر في عقولهم منها . وردوا منها ما جهلوه ، إلى محكم ما علموه ...

فهلا سلكوا هذا السبيل مع ربهم وخالقهم ، الذي بهرت حكمته العقول ، وكان نسبتها إلى حكمته أولى من نسبة عين الخفاش ، إلى جِرم الشمس ؟!

ولو أن العالم الفاضل المبرِّز في علوم كثيرة ، اعترض على من لا يشاركه في صنعته ، ولا هو من أهلها ، وقدح في أوضاعها لخرج عن موجب العقل والعلم

وعُد ذلك نقصا وسفها؛ فكيف بأحكم الحاكمين ، وأعلم العالمين ، وأقدر القادرين " ؟! .

انتهى من "شفاء العليل" لابن القيم (218) .

نسأل الله أن يشرح صدرك ، ويهدي قلبك ، ويزيدك إيمانا ، ويقينا ، وهدى .

والله أعلم


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









رد مع اقتباس