منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - العلامة عبد الحميد بن باديس
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-04-14, 11:39   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
دكتور
عضو مبـدع
 
الصورة الرمزية دكتور
 

 

 
إحصائية العضو










Flower2 العلامة عبد الحميد بن باديس

العلامة عبد الحميد بن باديس
كانتالجزائر أول أقطار العالم العربي وقوعًا تحت براثن الاحتلال، وقُدّر أن يكونمغتصبها الفرنسي من أقسى المحتلين سلوكًا واتجاهًا، حيث استهدف طمس هوية الجزائرودمجها باعتبارها جزءًا من فرنسا، ولم يترك وسيلة تمكنه من تحقيق هذا الغرض إلااتبعها، فتعددت وسائلة، وإن جمعها هدف واحد، هو هدم عقيدة الأمة، وإماتة روح الجهادفيها، وإفساد أخلاقها، وإقامة فواصل بينها وبين هويتها وثقافتها وتراثها، بمحاربةاللغة العربية وإحلال الفرنسية محلها، لتكون لغة التعليم والثقافة والتعامل بينالناس.

غير أن الأمة لم تستسلم لهذه المخططات، فقاومت بكل ما تملك، ودافعتبما توفر لديها من إمكانات، وكانت معركة الدفاع عن الهوية واللسان العربي أشد قوةوأعظم تحديًا من معارك الحرب والقتال، وقد عبّر ابن باديس، عن إصرار أمته وتحديهالمحاولات فرنسا بقوله: "إن الأمة الجزائرية ليست هي فرنسا، ولا يمكن أن تكون فرنسا،ولا تريد أن تصير فرنسا، ولا تستطيع أن تصير فرنسا لو أرادت، بل هي أمة بعيدة عنفرنسا كل البعد، في لغتها، وفي أخلاقها وعنصرها، وفي دينها، لا تريد أن تندمج، ولهاوطن محدد معين هو الوطن الجزائري".

المولد والنشأة

ولد "عبد الحميدبن محمد المصطفى بن مكي بن باديس" المعروف بعبد الحميد بن باديس في (11 من ربيعالآخِر 1307 هـ= 5 من ديسمبر 1889م) بمدينة قسطنطينة، ونشأ في أسرة كريمة ذات عراقةوثراء، ومشهورة بالعلم والأدب، فعنيت بتعليم ابنها وتهذيبه، فحفظ القرآن وهو فيالثالثة عشرة من عمره، وتعلّم مبادئ العربية والعلوم الإسلامية على يد الشيخ "أحمدأبو حمدان الونيسي" بجامع سيدي محمد النجار، ثم سافر إلى تونس في سنة (1326هـ= 1908م) وانتسب إلى جامع الزيتونة، وتلقى العلوم الإسلامية على جماعة من أكابرعلمائه، أمثال العلّامة محمد النخلي القيرواني المتوفى سنة (1342هـ= 1924م)، والشيخمحمد الطاهر بن عاشور، الذي كان له تأثير كبير في التكوين اللغوي لعبد الحميد بنباديس، والشغف بالأدب العربي، والشيخ محمد الخضر الحسين< /a> ، الذي هاجر إلىمصر وتولى مشيخة الأزهر.

وبعد أربع سنوات قضاها ابن باديس في تحصيل العلمبكل جدّ ونشاط، تخرج في سنة (1330هـ= 1912م) حاملاً شهادة "التطويع" ثم رحل إلىالحجاز لأداء فريضة الحج، وهناك التقى بشيخه "حمدان الونيسي" الذي هاجر إلى المدينةالمنورة، متبرّمًا من الاستعمار الفرنسي وسلطته، واشتغل هناك بتدريس الحديث، كمااتصل بعدد من علماء مصر والشام، وتتلمذ على الشيخ حسين أحمد الهندي الذي نصحهبالعودة إلى الجزائر، واستثمار علمه في الإصلاح، إذ لا خير في علم ليس بعده عمل،فعاد إلى الجزائر، وفي طريق العودة مرّ بالشام ومصر واتصل بعلمائهما، واطّلع علىالأوضاع الاجتماعية والثقافية والسياسية لهما.

ابن باديس معلمًاومربيًا

آمن ابن باديس بأن العمل الأول لمقاومة الاحتلال الفرنسي هوالتعليم، وهي الدعوة التي حمل لواءها الشيخ محمد عبده ، في مطلع القرن الرابع عشرالهجري، وأذاعها في تونس والجزائر خلال زيارته لهما سنة (1321هـ= 1903م)، فعمل ابنباديس على نشر التعليم، والعودة بالإسلام إلى منابعه الأولى، ومقاومة الزيفوالخرافات، ومحاربة الفرق الصوفية الضالة التي عاونت المستعمر.

وقد بدأ ابنباديس جهوده الإصلاحية بعد عودته من الحج، بإلقاء دروس في تفسير القرآن بالجامعالأخضر بقسطنطينة، فاستمع إليه المئات، وجذبهم حديثة العذب، وفكره الجديد، ودعوتهإلى تطهير العقائد من الأوهام والأباطيل التي علقت بها، وظل ابن باديس يلقي دروسهفي تفسير القرآن حتى انتهى منه بعد خمسة وعشرين عامًا، فاحتفلت الجزائر بختمه في (13 من ربيع الآخر 1357هـ= 12 من يونيو 1938م).

ويُعدّ الجانب التعليميوالتربوي من أبرز مساهمات ابن باديس التي لم تقتصر على الكبار، بل شملت الصغارأيضًا، وتطرقت إلى إصلاح التعليم تطوير ومناهجه، وكانت المساجد هي الميادين التييلقي فيها دروسه، مثل الجامع الأخضر، ومسجد سيدي قموش، والجامع الكبير بقسطنطينة،وكان التعليم في هذه المساجد لا يشمل إلا الكبار، في حين اقتصرت الكتاتيب على تحفيظالقرآن للصغار، فعمد ابن باديس إلى تعليم هؤلاء الصغار بعد خروجهم منكتاتيبهم.

ثم بعد بضع سنوات أسس جماعة من أصحابه مكتبًا للتعليم الابتدائيفي مسجد سيد بومعزة، ثم انتقل إلى مبنى الجمعية الخيرية الإسلامية التي تأسست سنة (1336هـ= 1917م)، ثم تطوّر المكتب إلى مدرسة جمعية التربية والتعليم الإسلامية التيأنشئت في (رمضان 1349 هـ= 1931م) وتكونت هذه الجمعية من عشرة أعضاء برئاسة الشيخعبد الحميد بن باديس.

وقد هدفت الجمعية إلى نشر الأخلاق الفاضلة، والمعارفالدينية والعربية، والصنائع اليدوية بين أبناء المسلمين وبناتهم، ويجدر بالذكر أنقانون الجمعية نصّ على أن يدفع القادرون من البنين مصروفات التعليم، في حين يتعلمالبنات كلهن مجانًا.

وكوّن ابن باديس لجنة للطلبة من أعضاء جمعية التربيةوالتعليم الإسلامية، للعناية بالطلبة ومراقبة سيرهم، والإشراف على الصندوق الماليالمخصص لإعانتهم،ودعا المسلمين الجزائريين إلى تأسيس مثل هذه الجمعية، أو تأسيسفروع لها في أنحاء الجزائر، لأنه لا بقاء لهم إلا بالإسلام، ولا بقاء للإسلام إلابالتربية والتعليم.

وحثّ ابن باديس الجزائريين على تعليم المرأة، وإنقاذهامما هي فيه من الجهل، وتكوينها على أساسٍ من العفة وحسن التدبير، والشفقة علىالأولاد، وحمّل مسئولية جهل المرأة الجزائرية أولياءها، والعلماء الذين يجب عليهمأن يعلّموا الأمة، رجالها ونساءها، وقرر أنهم آثمون إثمًا كبيرًا إذا فرطوا في هذاالواجب.

وشارك ابن باديس في محاولة إصلاح التعليم في جامع الزيتونة بتونس،وبعث بمقترحاته إلى لجنة وضع مناهج الإصلاح التي شكّلها حاكم تونس سنة (1350هـ=1931م)، وتضمن اقتراحه خلاصة آرائه في التربية والتعليم، فشمل المواد التي يجبأن يدرسها الملتحق بالجامع، من اللغة والأدب، والعقيدة، والفقه وأصوله، والتفسير،والحديث، والأخلاق، والتاريخ، والجغرافيا، ومبادئ الطبيعة والفلك، والهندسة، وجعلالدراسة في الزيتونة تتم على مرحلتين: الأولى تسمى قسم المشاركة، وتستغرق الدراسةفيه ثماني سنوات، وقسم التخصص ومدته سنتان، ويضم ثلاثة أفرع: فرع للقضاء والفتوى،وفرع للخطاب والوعظ، وفرع لتخريج الأساتذة.

ابن باديس وجمعية العلماءالمسلمين الجزائريين

من اليسار إلى اليمين: الأستاذ الإبراهيمي، الأستاذ ابنباديس، الأستاذ العقبي
احتفلت فرنسا بالعيد المئوي لاحتلال الجزائر في سنة (1349هـ= 1930م) فشحذ هذا الاحتفال البغيض همّة علماء المسلمين في الجزائر وحماسهموغيرتهم على دينهم ووطنهم، فتنادوا إلى إنشاء جمعية تناهض أهداف المستعمر الفرنسي،وجعلوا لها شعارًا يعبر عن اتجاههم ومقاصدهم هو: "الإسلام ديننا، والعربية لغتنا،والجزائر وطننا"، وانتخبوا ابن باديس رئيسًا لها.< /span>

اقرأ حولالجمعية ودورها في حماية الثقافة العربية الإسلامية.
وقد نجحت الجمعية في توحيدالصفوف لمحاربة المستعمر الفرنسي وحشد الأمة الجزائرية ضدها، وبعث الروح الإسلاميةفي النفوس، ونشر العلم بين الناس، وكان إنشاء المدارس في المساجد هو أهم وسائلها فيتحقيق أهدافها، بالإضافة إلى الوعّاظ الذين كانوا يجوبون المدن والقرى، لتعبئةالناس ضد المستعمر، ونشر الوعي بينهم.

وانتبهت فرنسا إلى خطر هذه التعبئة،وخشيت من انتشار الوعي الإسلامي؛ فعطّلت المدارس، وزجّت بالمدرسين في السجون، وأصدرالمسئول الفرنسي عن الأمن في الجزائر، في عام (1352هـ= 1933م) تعليمات مشددةبمراقبة العلماء مراقبة دقيقة، وحرّم على غير المصرح لهم من قبل الإدارة الفرنسيةباعتلاء منابر المساجد، ولكي يشرف على تنفيذ هذه الأوامر، عيّن نفسه رئيسًا للمجلسالأعلى للشئون الإسلامية.

ولكي ندرك أهمية ما قام به ابن باديس ورفاقه منالعلماء الغيورين، يجب أن نعلم أن فرنسا منذ أن وطأت قدماها الجزائر سنة (1246 هـ= 1830م) عملت على القضاء على منابع الثقافة الإسلامية بها، فأغلقت نحوا من ألف مدرسةابتدائية وثانوية وعالية، كانت تضم مائة وخمسين ألف طالب أو يزيدون، ووضعت قيودًامهنية على فتح المدارس، التي قصرتها على حفظ القرآن لا غير، مع عدم التعرض لتفسيرآيات القرآن، وبخاصة الآيات التي تدعو إلى التحرر، وتنادي بمقاومة الظلموالاستبداد، وعدم دراسة تاريخ الجزائر، والتاريخ العربي الإسلامي، والأدب العربي،وتحريم دراسة المواد العلمية والرياضية.

إسهامات ابن باديسالسياسية

لم يكن ابن باديس مصلحًا فحسب، بل كان مجاهدًا سياسيًا، مجاهرًابعدم شرعية الاحتلال الفرنسي، وأنه حكم استبدادي غير إنساني، يتناقض مع ما تزعمه منأن الجزائر فرنسية، وأحيا فكرة الوطن الجزائري بعد أن ظنّ كثيرون أن فرنسا نجحت فيجعل الجزائر مقاطعة فرنسية، ودخل في معركة مع الحاكم الفرنسي سنة (1352هـ= 1933م) واتهمه بالتدخل في الشئون الدينية للجزائر على نحو مخالف للدين والقانون الفرنسي،وأفشل فكرة اندماج الجزائر في فرنسا التي خُدع بها كثير من الجزائريين سنة (1353هـ= 1936م).

ودعا نواب الأمة الجزائريين إلى قطع حبال الأمل في الاتفاق معالاستعمار، وضرورة الثقة بالنفس، وخاطبهم بقوله: "حرام على عزتنا القومية وشرفناالإسلامي أن نبقى نترامى على أبواب أمة ترى –أو ترى أكثريتها- ذلك كثيرا علينا…! ويسمعنا كثير منها في شخصيتنا الإسلامية ما يمس كرامتنا"، وأعلن رفضه مساعدة فرنسافي الحرب العالمية الثانية.

وكانت الصحف التي يصدرها أو يشارك في الكتابةبها من أهم وسائله في نشر أفكاره الإصلاحية، فأصدر جريدة "المنتقد" سنة (1345 هـ= 1926م) وتولى رئاستها بنفسه، لكن المحتل عطّلها؛ فأصدر جريدة "الشهاب" واستمرت فيالصدور حتى سنة (1358هـ= 1939م) واشترك في تحرير الصحف التي كانت تصدرها جمعيةالعلماء المسلمين الجزائريين، مثل "السنة" و"الصراط" و"البصائر".

وظل هذاالمصلح -رغم مشاركته في السياسة- يواصل رسالته الأولى التي لم تشغله عنها صوارفالحياة، أو مكائد خصومه من بعض الصوفية أذيال المستعمر، أو مؤامرات فرنسا وحربهالرسالته، وبقي تعليم الأمة هو غايته الحقيقية، وإحياء الروح الإسلامية هو هدفهالسامق، وبث الأخلاق الإسلامية هو شغله الشاغل، وقد أتت دعوته ثمارها، فتحررتالجزائر من براثن الاحتلال الفرنسي، وإن ظلت تعاني من آثاره.

وقد جمع "عمارالطالبي" آثار ابن باديس، ونشرها في أربعة مجلدات، ونشرها في الجزائر سنة (1388هـ= 1968م).

وتوفي ابن باديس في (8 من ربيع الأول 1359 هـ= 16 من إبريل 1940م).

هوامش ومصادر:

*
عمار الطالبي ـ ابن باديس حياته وآثاره ـالجزائر ـ 1388 هـ= 1968م.
*
محمود قاسم ـ الإمام عبد الحميد بن باديس: الزعيمالروحي لحرب التحرير الجزائرية ـ دار المعارف ـ القاهرة ـ 1979م.
*
محمد فتحيعثمان ـ عبد الحميد بن باديس: رائد الحركة الإسلامية في الجزائر المعاصرة ـ دارالقلم ـ الكويت ـ 1407هـ= 1987م.
*
أنور الجندي ـ الفكر والثقافة المعاصرة فيشمال إفريقيا ـ الدار القومية للطباعة والنشر ـ القاهرة ـ 1385هـ= 1965م.









 


رد مع اقتباس