منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - التعويض في القانون الدولي الانساني
عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-12-28, 11:01   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
adoula 41
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 الفصل الثاني

الفصل الثاني : التعويض من خلال العمل الدولي
بعد تطرقنا في الفصل الأول من هذا البحث للجانب القانوني لمسألة التعويض ، وهذا من خلال اعتمادنا بالخصوص على آراء الفقهاء وكذا المواثيق الإنسانية الدولية، فإننا سنتطرق في الفصل الثاني لمسألة التعويض من جانبها العملي، وهذا من خلال دراسة تعويضات الحربين العالميتين الأولى والثانية، وكذا تعويضات حرب الخليج الثانية (حرب العراق-الكويت)، حيث سنحاول هنا فهم ميكانيزمات التعويض المعتمدة في كل مرحلة.



















المبحث الأول: تعويضات الحربين العالميتين الأولى والثانية
تشكل معاهدات السلام التي تم إبرامها عقب نهاية الحربين العالميتين أساسا مهما لدراسة التعويضات، حيث انطوت على عديد من المبادئ التي تحكم هذا الموضوع.
وفي هذا الصدد نلاحظ أن معاهدات السلام هذه قد استخدمت مصطلح "Reparation"، والذي يفيد معنى إصلاح الضرر الناجم عن الحرب، وبالتالي تخليها عن المصطلحات التي كانت تستخدم من قبل، "Contributions"، والتي كانت تفيد معنى الغرامة وطابع العقوبة والجزاء أكثر مما تفيد التعويض. وفي سبيل دراسة موضوعنا هذا آثرنا تقسيم مبحثنا إلى مطلبين، ندرس في الأول مسألة التعويض بعد الحرب العالمية الأولى، وندرس في الثاني مسألة التعويض بعد الحرب العالمية الثانية.
المطلب الأول: تعويضات الحرب العالمية الأولى
لقد كانت الحرب العالمية الأولى نتيجة الصراعات الأوروبية على المستعمرات، حيث بدأت نيرانها تشتعل في 28 جويلية 1914 وهذا بإعلان النمسا الحرب ضد الصرب، ثم أخذت الدول الأخرى تدخل الحرب الواحدة تلو الأخرى.
وبعد انتصار الحلفاء وهزيمة ألمانيا، وقَّعت هذه الأخيرة اتفاقية الهدنة في 11 نوفمبر 1918، والتي تضمنت المادةXIX، التي جاءت تحت عنوان "الشروط المالية"، حيث كان نصها كالآتي:" تحت تحفظ على أية مطالبة أو احتجاج لاحق من طرف الحلفاء والولايات المتحدة يتعلق بالتعويض عن الأضرار.
خلال فترة الهدنة، فإن أي إغفال من طرف عدو القيم العامة يعطي للحلفاء استخدام الرهن من أجل تحصيل التعويضات.
الرد الفوري لمال صندوق البنك البلجيكي، وعلى العموم التسليم الفوري لكل الوثائق، النقود، القيم (المنقولات والأوراق المالية مع آلات الإصدار) الماسة بالمصلحة العامة والخاصة في الدول المحتلة.
رد الذهب الروسي والروماني المستولى عليه من طرف الألمان أو المسلم لهم.
سيتم التكفل بهذا الذهب من طرف الحلفاء حتى توقيع اتفاقية السلام."
إن تضمين اتفاقية هدنة شرطا حول تعويضات الأضرار يعتبر شيئا غير مألوف في القانون الدولي العام.
بعد ذلك تم النص على الإلتزام بالتعويض المفروض على ألمانيا في اتفاقية فرساي الموقع عليها في 28 جوان 1919، والتي دخلت حيز النفاذ في 10 جانفي 1920، حيث احتوت على 440مادة إلى جانب عدة ملاحق، وبهذا تكون قد شكلت أطول معاهدة في ذلك الوقت.
و في هذا الصدد فقد تم تخصيص الجزء الثامن من المعاهدة لمسألة التعويضات، وقد كانت الشروط المتعلقة بهذه المسألة أهم ما ورد في هذا القسم، حيث دارت بشأنها مداولات طويلة بين الخبراء وبين رؤساء الحكومات. وفي هذا الإطار نسجل قيام وزير الخارجية الأمريكي بتوجيه مذكرة إلى الحكومة الألمانية سنة 1918 تضمنت وجوب التعويض عن جميع الأضرار التي لحقت بالمواطنين المدنيين للأمم الحليفة وبممتلكاتهم بفعل القوات العسكرية الألمانية.
أما بالنسبة لسند الالتزام بالتعويض في اتفاقية فرساي فهو نص المادة 231، والتي نصت على ما يلي: "تصرح حكومات الحلفاء والشركاء وتعترف ألمانيا بأنها وحلفاءها مسؤولون عن جميع الخسائر والأضرار التي لحقت بالحكومات الحليفة والشريكة و بمواطنيها..."
ولاقتناع الحلفاء بعدم قدرة ألمانيا المادية لتعويض كل الأضرار، فقد تم النص في المادة 232 من معاهدة فرساي على حصر وجوب التعويض في الأضرار التي أصابت الأفراد المدنيين لكل دولة من الدول الحليفة والشريكة، وكذا ممتلكاتهم، وهذا خلال الفترة التي تكون فيها الدولة في حالة حرب مع ألمانيا.
إلى جانب هذين النصين توجد نصوص أخرى في المعاهدة تتعلق بموضوع التعويضات، منها المادة 257 والتي أشارت إلى حجز الممتلكات الخاصة للألمان المقيمين في الدول الحليفة، وقد استهدف هذا الإجراء تأمين التعويض عن الممتلكات الخاصة التي حجزت في ألمانيا خلال الحرب.
لكن وبالرجوع للنصوص المتضمنة مسألة التعويض نجدها لم تحدد بصورة واضحة مضمون الأضرار التي سوف يتم الالتزام بتعويضها ومقدار هذا الأخير، وكذا آلية الدفع، وكيفية توزيعه بين الدول المتضررة.
الفرع الأول: الأضرار المُعوَّض عنها
لقد اختلفت دول الحلفاء حول تحديد الأضرار التي يتعين على ألمانيا الالتزام بتعويضها، واكتفت بإلزام ألمانيا وحلفائها على إصلاح الأضرار التي أصابت الدول ورعاياها.
وفي هذا الإطار وبما أن الأراضي الفرنسية قد تعرضت للتخريب، وبالتالي تضرر الممتلكات الموجودة عليها، بالإضافة إلى قيام ألمانيا بالاستيلاء على معاملها في الشمال والشرق، وعلى مخزونها من المواد الأولية والآلات، إلى جانب ذلك فإن فرنسا قد تكبدت أكبر الخسائر في الأرواح نسبة إلى عدد سكانها. لذلك فإن الرأي العام الفرنسي قد اعتبر مسألة الالتزام بالتعويض بديهة أخلاقية.
أما بالنسبة لبريطانيا فهي لم تتضرر إلا في جزء من أسطولها التجاري، حيث لم تتعرض أقاليمها للتخريب خلال فترة الحرب، لكنها رتبت على نفسها دينا خارجيا ثقيلا، لذلك رأت أن تشمل التعويضات خسائر الأفراد، وذلك بإلزام ألمانيا دفع مجموع قيمة المعاشات والمساعدات التي ستمنح لضحايا الحرب ولعائلات المجندين.
أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد رأت بادئ الأمر أن من واجب ألمانيا التعويض عن الخسائر التي أصابت القطاع العام، بحيث تلتزم بدفع كلفة إعادة بناء المناطق التي اكتسحتها، لكن بعد ذلك عادت ورضخت للضغوط البريطانية والفرنسية، وهذا من حيث شمول التعويض لمعاشات الحرب.
أما إيطاليا فقد طالبت بجزء من التعويضات الألمانية، وهذا بسبب ما لحقها من أضرار غير مباشرة، حيث أن انهيار الإمبراطورية النمساوية-الهنغارية قد جعل إيطاليا في مواجهة مدين واحد هو الجمهورية النمساوية العاجزة عن الدفع.
بعد هذا الجدل الذي دار حول الأضرار الواجب تعويضها، تم الاتفاق على أن يشمل التعويض إلى جانب جملة من التعويضات الأخرى، ما أصاب السكان المدنيين من ضرر، سواء كان هذا الضرر قد مس شخصهم أو أموالهم، وهذا بغض النظر عن مكان وقوعه، سواءً في البر أو البحر أو الجو.
الفرع الثاني: توزيع قيمة التعويض على الدول المتضررة
نتيجة اختلاف وجهات نظر الدول المتحالفة حول كيفية توزيع قيمة التعويض، فقد تم الاتفاق على تشكيل لجنة خاصة عرفت بلجنة التعويضات، وهذا بموجب المادة 233 من معاهدة فرساي.
إن مهمة اللجنة تتمثل في تحديد المبلغ الدقيق للأضرار التي سيتم إصلاحها من طرف ألمانيا، وكذلك القروض البلجيكية التي سترد، إلى جانب تحديد إجمالي التزامات التعويض، وعلى اللجنة إنشاء أشكال تبرئة دين ألمانيا خلال فترة ثلاثين سنة.وعند تحضيرها لقراراتها فاللجنة غير مقيدة بأي تشريع أو قانون خاص، لكنها موجهة فقط بقواعد العدل والإنصاف، وكذا حسن النية .
لقد عقدت لجنة التعويضات اجتماعها الأول في مدينة Spa في الفترة ما بين 5 إلى 16 تموز من سنة 1920، حيث أقرت فيه توزيع التعويضات على الدول المتضررة بالنسب التالية:
فرنسا 54.45%، يوغوسلافيا 5.00%، بريطانيا 23.05%، البرتغال 0.75%، إيطاليا 10%، رومانيا 1.10%، بلجيكا 4.50%، اليونان 0.40%، اليابان 4.50%.
أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد رفض مجلس شيوخها الموافقة على معاهدة فرساي، لذا لم تدخل في مفاوضات الحلفاء لتوزيع الحصص، ثم قامت بعقد صلح منفرد مع ألمانيا بموجب معاهدة برلين لسنة 1921، والتي قررت لها نفس الحق في التعويضات كبقية الحلفاء.
أما بالنسبة لدفع مبالغ التعويض، فقد تم منح بلجيكا امتياز قبض مبلغ مليوني فرنك من أول دفعة ألمانية، وعندما طالبت فرنسا بامتياز مماثل قوبل طلبها بالرفض، وفي هذا الإطار فإن الوفد البريطاني قد استنكر تعويض ثمن مداخن المصانع الفرنسية قبل تعويض الخسائر في الأرواح البشرية البريطانية.
الفرع الثالث: المبلغ الواجب دفعه كتعويض
لقد اختلف المنتصرون حول تحديد المبلغ الذي يتعين على ألمانيا أن تدفعه تعويضا عن الأضرار التي سببتها، وكان الاعتقاد السائد آنذاك أنه ليس بالإمكان إلزام ألمانيا دفع كل ما عليها، وبالتالي يتعين إلزامها بتقديم كل ما تستطيع دفعه، أي تم الأخذ بعين الاعتبار عند تقدير الأضرار إمكانية الدفع، ومدى القدرة المالية للدولة المهزومة.
لقد كان الخبراء يرون بأن إمكانية ألمانيا في الدفع لا يستهان بها، وهذا لعدم تضرر وسائل إنتاجها، حيث كانت التقديرات الأولية ضخمة، ففي هذا الإطار أكد البريطانيون قدرتها على دفع 480 مليار مارك ذهبي خلال خمسين عاما ورأى الفرنسيون أنها قادرة على دفع 800مليار، لكن الخبراء الأمريكيين لم تتجاوز تقديراتهم 120 مليار مارك تدفع خلال خمس وثلاثين عاما.
بعد ذلك تم حسم الأمر في اجتماع عقدته لجنة التعويضات سنة 1921، حيث تم الاتفاق على مبلغ تعويضات قدره 132مليار مارك ذهبي.
أما الحكومة الألمانية فقد حاولت التهرب من دفع هذا المبلغ بحجة أنها ليست المعتدية على الدول الأخرى، ثم أرادت التخفيف من قيمة التعويضات متذرعة بوضعها المالي والاقتصادي الذي لا يسمح لها بدفع كل هذا المبلغ، وفي هذا الصدد تساءل أستاذ القانون الدولي الفقيه الألماني –walter Shucking- عن مدى منطقية أن يعهد بتقرير قدرة ألمانيا على الدفع إلى لجنة لا تمثل فيها ألمانيا. لهذا فقد اقترحت ألمانيا تخفيض المبلغ إلى 30 مليار مارك ذهبي، وبعد تهديد الحلفاء لها باحتلال منطقة الرور، تراجعت ورضخت لتقديرات لجنة التعويضات، على أن تدفع سنويا ملياري مارك من الماركات الذهبية بالإضافة إلى ربع قيمة الصادرات الألمانية.
لقد بدأت ألمانيا بالفعل بدفع التعويضات كما أقرتها لجنة التعويضات، حيث قامت بدفع مبلغ مليار مارك ذهبي كدفعة أولى من تعويضات عام 1921، لكنها توقفت عن الدفع بعد ذلك بحجة ضعف وضعها المالي، خاصة وأن الجزء الغني بالمواد الأولية من سيليزيا العليا قد ضم إلى بولونيا. وخلال فترة دفع التعويضات، تم توقيع اتفاقية بين فرنسا وألمانيا عام 1922وتم الاتفاق فيها على دفع حصة فرنسا من التعويضات في شكل عيني، أي سلعا ومواد أولية عوضا عن الماركات الذهبية، لكن وبعد فترة توقفت ألمانيا عن تنفيذ هذا الاتفاق، مما دفع بالقوات الفرنسية والبلجيكية لاحتلال حوض الرور في 11جانفي1923، حيث بقيت هناك إلى غاية أوت 1925.وقد تم تبرير هذا التصرف بحجة ضمان دفع التعويضات عن طريق الحجز لجزء من الإنتاج المنجمي والصناعي الألماني .
بعد كل الجهد المبذول من طرف الحلفاء لإلزام ألمانيا بالتعويض عن أضرار الحرب العالمية الأولى، جاءت الأزمة الاقتصادية العالمية سنة 1929(1348هـ) ، والتي بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية وانتقلت منها إلى جميع دول العالم ومن بينها ألمانيا، حيث توقفت أغلب مصانعها وزاد عدد العاطلين عن العمل عن ستة ملايين عامل. ونتيجة لذلك فقد تم حسم مسألة التعويضات بصورة نهائية بموجب مقررات مؤتمر لوزان المنعقد عام 1932، حيث اتفق المجتمعون على أن تدفع ألمانيا ثلاثة مليارات مارك ذهبي إلى بنك تسوية الديون الدولية ليستعملها في المشاريع الإعمارية الأوروبية بشكل عام، إضافة إلى تقديم مواد أولية للمشاريع الإعمارية الفرنسية بما قيمته 82مليون مارك، وذلك مقابل تعهد الدول صاحبة الشأن بالتخلي نهائيا عن التعويضات.
وتجب الملاحظة في هذا الشأن أن تقديرات المبالغ المدفوعة، والمقدمة من طرف ألمانيا تارة ومن طرف دائنيها تارة أخرى جدُّ متباعدة، فبالنسبة إلى 132مليار مارك ذهبي أُلزمت بها ألمانيا في أفريل 1921بعنوان تنفيذ أحكام اتفاقية فرساي، كان مجموع الذي تم دفعه من وجهة النظر الألمانية هو67.673مليار مارك ذهبي، أي حوالي 53% من مجمل الدين. أما لجنة التعويضات وكذا بنك التسويات الدولية فقدرا المبلغ المدفوع بحوالي 21.807 مليار مارك ذهبي، أي حوالي 17% من قيمة الدين .
إذن ومما سبق ذكره، وبالرغم من إنهاء الأزمة المالية الاقتصادية العالمية لمسألة التعويضات، فإنه قد تم إرساء عدة قواعد قانونية تجاوزت ما كان سائدا من قبل، وهذا عن طريق تحديد الأضرار المستحقة للتعويض، وكذا مراعاة المقدرة المالية للملتزم بالدفع، مع إمكانية التنازل عن قيمة التعويض أو تخفيضه فيما بعد.
لكن وبالرغم من ذلك فإنه لم يتم التعاطي مع مسألة التعويضات بشكل كامل من الحياد والقانونية، حيث لاحظنا أن سلطة المنتصرين في تقدير التعويضات كانت مطلقة وبدون قيود، ولم يكن أمام الدول المهزومة إلا القبول.
المطب الثاني: تعويضات الحرب العالمية الثانية:
لقد ذهب البعض للقول بأن التعويضات التي تم فرضها على ألمانيا بموجب معاهدة أو اتفاقية فرساي، في أعقاب الحرب العالمية الأولى هي السبب الرئيسي لاندلاع الحرب العالمية الثانية . هذه الأخيرة استمرت ستة سنوات وانتهت كذلك بهزيمة دول المحور بزعامة ألمانيا،لتثار من جديد مسألة التعويضات. وفي هذا الإطار تجب الإشارة إلى أن مسألة الالتزام بالتعويض لا تتعلق بألمانيا وحدها، وإنما تشمل أيضا الدول الأخرى التي اشتركت في تلك الحرب إلى جانبها.و من أجل إلزام دول المحور على دفع التعويضات، فقد تم تضمين معاهدات الصلح التي أبرمت مع تلك الدول في باريس بتاريخ 10 شباط عام 1947 العديد من النصوص المتعلقة بموضوع التعويض، وهذا ما تم مع إيطاليا، رومانيا، بلغاريا، المجر، فنلندا،...، أما بالنسبة لليابان فقد تضمن القسم الثالث من معاهدة الصلح التي أبرمت معها إثر مؤتمر سان فرانسيسكو، نصوصا خاصة تتعلق بالتعويضات، تضمنت اعتراف اليابان بموجبها التعويض عن الأضرار والآلام التي سببتها الحرب. لكنها أضافت إلى ذلك بندا نص على أن اليابان إذا أرادت أن تحافظ على اقتصادها، لا تملك في الوقت الحالي موارد كافية لتؤمن تعويضا كاملا لجميع الأضرار، كما تمت إضافة بند ينص على وجوب إجراء مفاوضات حول التعويضات مع أصحاب العلاقة، لكن تم في نفس الوقت إعطاء الحلفاء الحق في وضع اليد على الأموال اليابانية الموجودة تحت سلطانها، وذلك ابتداء من تاريخ وضع المعاهدة موضع التنفيذ.
لكن الشيء الملاحظ هو عدم تنفيذ النصوص المتعلقة بالتعويضات، حيث تم التنازل عنها وتجاوزها بسرعة –ماعدا التزامات فنلندا- وهو حال رومانيا وبلغاريا والمجر، وهذا بسبب خضوعها للنفوذ السوفياتي، أما بالنسبة لإيطاليا فكان السبب هو إدماجها في المعسكر الغربي، وهو ما تم تكريسه من خلال انضمامها إلى الحلف الأطلسي، حيث تلقت بعد ذلك المساعدات بموجب مشروع مارشال، بعد أن كانت هي الملزمة بدفع التعويضات.
أما بالنسبة لليابان فإن التحفظات المنصوص عليها في القسم الثالث من معاهدة الصلح لسنة 1951، كانت تعني عمليا استثناءها من الوفاء بالتعويضات، والتي قدرت آنذاك بمائة مليار دولار.
أما بالنسبة لألمانيا، فقد أكد الحلفاء في مؤتمر يالطا -و الذي جمع رؤساء الاتحاد السوفياتي، الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا في 4نوفمبر1945- على مسؤوليتها عن الوفاء بالتعويض عن الأضرار ، حيث جاء في البلاغ الرسمي الصادر عن هذا المؤتمر أنه تم مناقشة مسألة الأضرار التي أوقعتها ألمانيا في هذه الحرب بالبلاد المتحالفة، وتقرر أنه من العدل إلزامها بالتعويض العيني بأقصى حد مستطاع...
إن نفس هذا الأمر قد تم تأكيده في مؤتمر بوتسدام الذي جمع الدول الثلاث الكبرى سنة 1945، حيث أشار في بيانه الختامي إلى قرار مؤتمر القرم –يالطا- الذي يقضي بأنه يجب إلزام ألمانيا بالتعويض بأكبر قدر مستطاع عن الضرر والآلام التي سببتها للأمم المتحالفة والتي لا يمكن أن يتحلل الشعب الألماني من مسؤوليته عنها.
لقد عقدت الدول المتحالفة العديد من المؤتمرات بغرض تنظيم المطالبة بالتعويض عن الأضرار المسببة من طرف ألمانيا، ولعل أبرزها مؤتمر يالطا، مؤتمر بوتسدام، ومؤتمر باريس للتعويضات والمنعقد في نوفمبر من سنة 1945، والذي انتهى بتوقيع اتفاقية باريس للتعويضات التي أصبحت نافذة المفعول اعتبارا من 14جانفي 1946. وقد تم الاتفاق في هذه المؤتمرات على تحديد مضمون الأضرار التي ينبغي الإلتزام بتعويضها، وكذا كيفية سداد قيمة التعويضات، وتوزيع الحصص بين الدول المضرورة، كما اتفق على إنشاء وكالة تعويضات الدول المتحالفة، وهذا من أجل تنظيم المطالبة بالتعويض.


الفرع الأول: مضمون الأضرار التي ينبغي الإلتزام بتعويضها
رغم تقرير مبدأ التعويض عن الأضرار في مؤتمر يالطا، فإنه لم يتم الاتفاق بصورة تفصيلية على تحديد مضمون الأضرار التي ينبغي أن تلتزم ألمانيا بتعويضها، لذلك فقد تم عقد مؤتمر باريس بتاريخ 09/11/1945، وقد كانت الخطة الطبيعية التي انتهجها المؤتمر في بحث طلبات الدول، هو إيضاح القواعد التي تبين الأضرار التي تعوض وكيفية تقديرها، ولأجل هذا الأمر فقد تم تشكيل لجنة من الدول -أمريكا، إنجلترا، فرنسا- وعهد إليها فحص طلبات الدول، ومعرفة أساس تقديرها، وقد تم تقسيم الأضرار إلى فئتين:
أولا/الفئة الأولى: الأضرار المقومة بالمال
1-أضرار الممتلكات: وقد تم التمييز هنا بين الأضرار المباشرة و غير المباشرة، والناجمة عن الاستهلاك غير العادي.
بالنسبة للأضرار المباشرة فقد رأى المؤتمر بالإجماع أن تعطى أهمية خاصة لهذه الأضرار، والتي لحقت بالممتلكات داخل الدولة أو في البحار، وقد أصدر المؤتمر قرارا بالإجماع ينص على أن تعامل كل دولة الأجانب من حيث التعويض معاملة لا تقل عن معاملة المواطنين.
أما بالنسبة للأضرار غير المباشرة والناجمة عن عدم الصيانة والاستهلاك غير العادي، فقد أجاز المؤتمر لكل دولة أن تقدم تقديراتها على أن لا تعتبر عنصرا قاطعا في تقدير الأضرار، وإنما يتم اللجوء إليها بصفة تبعية، ولا يكون لها إلا أهمية قليلة في تقدير حصة التعويض.
2-نفقات الاحتلال: ويقصد بها الأموال والخدمات التي حصل عليها العدو أثناء الاحتلال بدون مقابل أو بمقابل زهيد، وقد قرر المؤتمر أن تكون عنصرا من عناصر التقدير بالنسبة للدول التي احتلها الألمان.
3- المعاشات: لم تعطى لها أهمية كبيرة، وهذا لأن أرقام الدول يصعب مقارنة بعضها ببعض، وقد اكتفى المؤتمر بمقارنة الوفيات في الدول المختلفة .

ثانيا/ الفئة الثانية: الأضرار التي لم تُقوَّم بالمال
وهي تضم إلى جانب أضرار لا تشكل خرقا لأحكام القانون الدولي الإنساني، الأشخاص الذين رحلوا عن بلادهم ومن حشرتهم ألمانيا للعمل الجبري لفائدتها، وأخيرا عدد الوفيات والإصابات بين المدنيين. وبالرجوع إلى نص المادة 8من اتفاقية باريس للتعويضات، والتي دخلت حيز التنفيذ في 14 جانفي 1946، نجدها قد نصت على منح تعويضات لضحايا النازية والذين لا يمكن إعادتهم إلى أوطانهم.
الفرع الثاني: تسديد قيمة التعويض وتوزيع الحصص بين الدول المتضررة
بالنسبة لكيفية سداد قيمة التعويضات


















































، فقد اقترحت روسيا في مؤتمر يالطا أن يدفع على ثلاثة أشكال:
أولا:الاستيلاء على 80% من الصناعات الثقيلة الألمانية بما قيمته 10بليون دولار.
ثانيا: أن تقدم ألمانيا منتجات زراعية أو صناعية بما قيمته بليون دولار لمدة عشر سنوات.
ثالثا: أن يكون لدول الحلفاء حق استخدام الأيدي العاملة الألمانية، وهذا من أجل إعادة إعمار المناطق المخربة .
بعد ذلك اتفق الحلفاء على أن تؤدي ألمانيا التعويضات في صورة عينية، أي في شكل سلع ومنتجات بدلا من سياسة التعويض نقدا والتي أتبعت في أعقاب الحرب العالمية الأولى والتي ثبت فشلها، حيث من شأن الدفع النقدي أن يوقع الاضطراب الاقتصادي في كل من الدولة الدائنة والدولة المدينة، وهذا ما أكدته الأزمة الاقتصادية العالمية التي ظهرت سنة 1929 واستمرت إلى غاية 1939، وقد كانت سياسة التعويضات المالية أحد أبرز أسبابها.
أما فيما يخص مسألة توزيع الحصص بين الدول المتضررة، فقد تم الاتفاق في مؤتمر يالطا على جملة من الشروط يتم احترامها عند تقدير نصيب كل دولة من التعويضات، وقد تمثلت في شرطين اثنين سنذكر واحد منهما فقط لتعلقه بخرق قواعد القانون الدولي الإنساني، وهو مدى الخسائر التي تحملتها كل دولة .
بعد الأخذ في الاعتبار لشروط مؤتمر يالطا، تم توزيع النسب بصورة أكثر تحديدا، وذلك بمقتضى قرارات مؤتمر بوتسدام، حيث تم الاتفاق على أن يشمل نصيب الاتحاد السوفياتي من التعويضات على:
1- المعدات الموجودة بالإقليم الألماني الذي تم احتلاله من طرف الاتحاد السوفياتي.
2- ما يعادل نسبة 25% من المعدات الموجودة بالأقاليم الألمانية الثلاث المحتلة (الأمريكية، الفرنسية، الإنجليزية)، على أن يتكفل السوفيات بالتعويضات المستحقة لبولندا.
3- أخذ السوفيات لثلث الأسطول التجاري الألماني.
4- تملك السوفيات لكل الأموال الخارجية الألمانية الموجودة في بلغاريا وفنلندا، هنغاريا، رومانيا، شرق النمسا.
أما بالنسبة لبقية الدول المتضررة، فقد تم الاتفاق على أن يكون نصيبها من التعويضات على الشكل الآتي:
1- فائض المعدات في المناطق الغربية الثلاث.
2- ما يقدمه الاتحاد السوفياتي، وهو يعادل 60% من قيمة المعدات الصناعية الألمانية، والتي تسلمها من المناطق الغربية، وهو ما يعرف بالتسليمات المتبادلة.
3- ثلثا الأسطول التجاري الألماني تركا تحت تصرف كل من أمريكا وإنجلترا.
4- بقية الأموال الخارجية الألمانية والموجودة بالبلدان الأخرى التي لم تختص بها روسيا.
لقد اتفقت الدول الثماني عشرة أعضاء مؤتمر باريس للتعويضات، والذين أصبحوا أطراف اتفاقية باريس للتعويضات على النسب المئوية التي خصصت لهم من التعويضات الألمانية.
الفرع الثالث:وكالة تعويضات الدول المتحالفة
من أجل توزيع التعويضات على الدول المضرورة، فقد تم بموجب اتفاقية باريس إنشاء "وكالة تعويضات الدول المتحالفة"، حيث أوكل لها اتفاق باريس تنفيذ الأعمال الخاصة بالتعويضات، ووضع المبادئ التي نص عليها هذا الاتفاق موضع التنفيذ.
فيما يخص الوظيفة الأساسية لهذه الوكالة فهي توزيع التعويضات الألمانية على الدول الموقعة، ولهذا الغرض تمد الوكالة الحكومات الموقعة بالبيانات الخاصة بالعناصر المشكلة للتعويضات، كما تقوم بتلقي طلباتها في هذا الصدد، إلى جانب ذلك فهي تختص بجميع المسائل المتعلقة بطلبات الحكومات الموقعة لاسترداد الأموال الموجودة في أحد مناطق ألمانيا، وذلك دون المساس بتسوية هذه المسائل ما بين الحكومات الموقعة سواء بطريق الاتفاق أو بطريق التحكيم.
تتشكل هيئات الوكالة من الجمعية العمومية والأمانة العامة، حيث تتكون الجمعية العمومية من مندوبي الدول الثماني عشرة الموقعة على اتفاق باريس للتعويضات، وهي تختص بتوزيع التعويضات بين الحكومات الموقعة طبقا لنصوص الاتفاق والاتفاقات الأخرى التي قد تعقد بينها، كما تعتمد ميزانية الوكالة وتقوم بالوظائف الأخرى التي تتلاءم ونصوص هذا الاتفاق.
أما بالنسبة للأمانة العامة فهي تختص بتحضير برامج توزيع التعويضات الألمانية وعرضها على الجمعية، وكذا إمساك حسابات مفصلة للأموال المعدة للتوزيع كتعويض والأموال التي وزعت بالفعل، إلى جانب ذلك فهي تختص بتحضير ميزانية الوكالة وعرضها على الجمعية العامة، هذا بالإضافة إلى القيام بالوظائف الإدارية الأخرى الضرورية.
أما بالنسبة لمقرها الرئيسي فقد كان مدينة بروكسل البلجيكية، حيث بدأت عملها في 28فيفري1946، وقد استمرت بإصدار تقارير سنوية عن نشاطها حتى عام 1961.
بناء على ما سبق ذكره، يمكن القول بأن تسويات الحرب العالمية الثانية قد نجحت بالفعل في وضع قواعد عامة بشأن التعويضات، من حيث تحديد مضمون الأضرار الواجبة التعويض، والمبدأ الذي ينبغي أن يحكم توزيع التعويض بين الدول المضرورة، وهو ما كان بإنشاء "وكالة تعويضات الدول المتحالفة".
لكن لا يجب إغفال أن ما ساعد على تنظيم مسألة التعويضات في الحرب العالمية الثانية هو انتصار الحلفاء، حيث فرضوا على المهزوم كل ما أرادوا تحقيقه، وبالتالي فلو كانت ألمانيا وحلفائها هم المنتصرون لكان هناك أمر آخر.














المبحث الثاني: تعويضات حرب الخليج الثانية (حرب العراق-الكويت)
إن الشيء الملاحظ هو أن سجل الأمم المتحدة في مجال الإلزام بالتعويض، وكذا تنظيم المطالبة به هو سجل محدود جدا، ولا يعود هذا الأمر إلى ندرة خرق قواعد القانون الدولي الإنساني، بل بالعكس إذ يشير الواقع الدولي إلى ارتكاب الكثير من الدول للعديد من أعمال الانتهاك، والتي مرَّت دون حساب ولا عقاب، ولا إلزام بتعويض الضرر.
وبالرغم من أن محكمة العدل الدولية تتمتع باختصاص تحديد نوع ومقدار التعويض المترتب على خرق النظام الدولي، وهو ما يمكن أن يعطيها دورا في تحديد نوع ومقدار التعويض المترتب على خرق أحكام القانون الدولي الإنساني، إلا أن النظام الأساسي للمحكمة قد جعل صلاحيتها غير ملزمة إلا بقدر موافقة الأطراف على هذه الصلاحية وقبولهم اختصاصها في هذا المجال وهو ما لا يتحقق في معظم الأحيان.
والملاحظ في معظم الحالات التي أثيرت فيها مسألة التعويض، أن الأطراف المتنازعة كانت إما تتفق على تقديم مساعدات للتعويض عن الأضرار، ولكن دون أن تتخذ هذه التسمية حتى لا يعني هذا اعتراف من قبل الدولة بخرق أحكام القانون الدولي الإنساني، وهو ما حدث على سبيل المثال بموجب اتفاقية باريس لإنهاء المشكلة الفيتنامية في 27 يناير1973، إذ تعهدت الولايات المتحدة الأمريكية بموجب المادة 21 من هذه الاتفاقية بالتعويض عما نتج من أضرار لحقت بالفيتنام الشمالية ودول الهند الصينية التي تأثرت بالحرب التي ارتكبتها، وقد تم تقديم هذه التعويضات تحت مسمى مساعدات من الولايات المتحدة الأمريكية لتضميد الجراح ودعم عمليات البناء في هذه الدول.
وإما يتم الاتفاق بين الأطراف المتنازعة على تشكيل لجان مشتركة لبحث المطالبات المتبادلة بين الدول، وهذا ما تم مثلا بين مصر وإسرائيل، بمقتضى المادة الثامنة من معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية لسنة 1979، حيث نصت على اتفاق الطرفين على إنشاء لجنة تعويضات للتسوية المتبادلة لكافة المطالبات، وهو ما أشارت إليه كذلك المادة 24 من معاهدة السلام الأردنية-الإسرائيلية لعام 1994، حيث تم الاتفاق على إقامة لجنة المطالبات لحل كافة المطالبات المالية على أساس متبادل.
إن مسألة التعويضات لم تثر بصورة جدية طوال سنوات، وهذا على الرغم من ارتكاب وتكرار العديد من أفعال الخرق، حيث أن البيئة الدولية لم تكن مهيأة لفتح مثل هذه الملفات بسبب ظروف الحرب الباردة التي عرقلت كثيرا من قدرة الأمم المتحدة في هذا المجال.
إذن فمسألة التعويضات كانت لا تثار على الرغم من ثبوت فعل الانتهاك لقواعد القانون الدولي الإنساني، وهذا لأن مرتكب الخرق هو دولة عظمى (الولايات المتحدة الأمريكية أو الإتحاد السوفياتي)، أو دولة محسوبة على دولة عظمى (إسرائيل مثلا).
لكن وبدخول القوات العراقية للكويت في 2أوت من عام 1990، والمبرر من طرف القيادة العراقية بتآمر الكويت على العراق ومحاربتها له اقتصاديا بتخفيض أسعار النفط، وسرقتها له من حقول العراق الحدودية مع الكويت، بالإضافة إلى الدعاوى التاريخية بأن الكويت جزء من العراق، كانت ملامح المجتمع الدولي قد بدأت تتغير، وهذا بانتهاء الحرب الباردة وبداية انهيار الاتحاد السوفياتي، وهو ما مهد كله لتطبيق العديد من النصوص التي كانت معطلة ومجمدة بالنسبة لخرق قواعد القانون الدولي الإنساني، حيث تم فتح ملف التعويضات، وتطبيق مسؤولية الدول المدنية.
المطلب الأول: لجنة الأمم المتحدة لتعويضات حرب الخليج
بعد احتلال العراق للكويت في 2أوت 1990، أصدر مجلس الأمن الدولي العديد من القرارات التي تهدف إلى إلزام العراق بدفع التعويض عن كل الأضرار، ومن ذلك القرار رقم 674والصادر بتاريخ 29/10/1990، حيث نصت الفقرة الثامنة منه على ما يلي: "إن مجلس الأمن يذكر العراق بمسؤوليته بموجب القانون الدولي عن أي خسائر أو أضرار أو إصابات تنشأ فيما يتعلق بالكويت و الدول الأخرى ورعاياها وشركائها نتيجة لغزو العراق واحتلاله غير المشروع للكويت".
إن الملاحظ هنا، ومن خلال هذه المادة هو اعتماد معيار تعويض مبني على الخسارة الناشئة كنتيجة مباشرة لغزو العراق واحتلاله للكويت، لكن وعلى الرغم من عدم ذكر ذلك صراحة، فإنه يعني الخسائر الناتجة عن انتهاك العراق لقانون الحرب إلى جانب ذلك فقد نصت الفقرة التاسعة من نفس القرار السابق على ما يلي:"إن مجلس الأمن يدعو الدول إلى جمع المعلومات ذات الصلة بمطالباتها ومطالبات رعاياها وشركائها للعراق بجبر الضرر أو التعويض المالي بغية وضع ما قد يتقرر من ترتيبات وفقا للقانون الدولي"
بعد ذلك أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 686 والصادر بتاريخ 2 مارس1991، حيث تقررت بموجبه شروط وقف الأعمال الحربية، وقد كان من بين الشروط ما تضمنته المادة الثانية الفقرة (ب)، والتي ألزمت العراق بأن يقبل من حيث المبدأ مسؤوليته عن أية خسارة أو ضرر أو أضرار ناجمة فيما يتصل بالكويت ودول ثالثة ورعاياها وشركائها نتيجة لغزو العراق للكويت واحتلاله غير الشرعي لها.
وبعد قبول العراق لمضمون القرار رقم 686 تم إصدار القرار رقم 687 بتاريخ 5أفريل 1991، والذي تضمن الوقف الدائم لإطلاق النار، وقد تضمن هذا القرار العديد من المواد المتعلقة بمسألة التعويضات، إذ تم التأكيد مجددا وبموجب الفقرة 16 على أن العراق مسؤول بمقتضى القانون الدولي عن أية خسائر مباشرة أو ضرر مباشر بما في ذلك الضرر اللاحق بالبيئة واستنزاف الموارد الطبيعية أو الإضرار بحكومات أو رعايا أو مؤسسات أجنبية كنتيجة للغزو والاحتلال العراقي غير الشرعي للكويت.
ومن أجل المطالبة بالتعويض، فقد تقرر إنشاء صندوق لدفع التعويضات عن الدعاوى التي تدخل ضمن الفقرة 16، مع إنشاء لجنة لإدارته .
وبعد تقديم الأمين العام للأمم المتحدة تقريره بشأن تعويض الأضرار إلى مجلس الأمن الدولي بتاريخ 2ماي 1991 ، أصدر هذا الأخير قراره رقم 692 بتاريخ 20ماي 1991، والذي تضمن إنشاء الصندوق واللجنة المشار إليهما في الفقرة 18 من القرار رقم 687.
إذن وبموجب هذا القرار فقد أوجد مجلس الأمن الدولي سابقة دولية في مجال نشاطه بتشكيل صندوق للتعويض عن الأضرار وإنشاء لجنة التعويضات التابعة للأمم المتحدة، والتي يُشار إليها اختصارا ب: U.N.C.C.
وفي هذا الإطار فإن لجنة التعويضات تتكون من ثلاثة أجهزة، وهي: مجلس الإدارة، السكرتارية، ولجان المفوضين .
أولا/ مجلس الإدارة: يرأس لجنة الأمم المتحدة مجلس إدارة يضم الدول التي تكون أعضاء بمجلس الأمن في نفس الفترة، وهو يختص بما يلي:
1- بحث موارد الصندوق وتقويمها.
2- وضع معايير للمطالبات التي تختص بفحصها والتعويض عنها لجنة التعويضات.
3- حصر الخسائر والأضرار.
وتجب الملاحظة أن قرارات مجلس الإدارة بشأن التعويضات تكون نهائية، وهو يملك سلطة إقرار أو تغيير (زيادة أو تخفيض) ما يرد بتوصيات المفوضين بشأن التعويضات أو دفع نسب من التعويضات المقررة حسب الموارد المتاحة أو إعادة المطالبات للمفوضين لمراجعتها.
و في هذه الإطار يمكننا القول بأن مجلس الإدارة هو الذي وضع الإطار الإداري و المؤسسي و القانوني الذي يمكن اللجنة ككل من أداء وظائفها، و يعكس ذلك حقيقة أن مجلس الإدارة يجمع بين وظائف سياسية و إدارية و قضائية بغرض العمل على تحقيق أهداف اللجنة و البرنامج الذي تمثله .
ثانيا/السكرتارية: يرأسها مدير تنفذي، و هي تختص إلى جانب تقديم الدعم القانوني لمجلس الإدارة و لجان الموظفين بما يلي:
1- توفير الخدمات و التسهيلات اللازمة لكل من اللجنة و المفوضين.
2-إثبات و قيد جميع المعاملات التي تدخل في الحساب الخاص للجنة .
3-إعداد استمارات المطالبات ذات الفئات المختلفة.
4-ترتيب و تصنيف المطالبات المقدمة لها، و فحصها و التأكد من استكمال كافة بنودها، ثم تسجيلها و إعداد دراسة أولية و إبداء ملاحظتها على هذه المطالبات.
5-تحويل المطالبات إلى المفوضين.
6- إعداد تقارير بصفة دورية للدول المعنية تتضمن تقويم مبدئي للمطالبات الواردة إلى اللجنة بحيث يتعين على الحكومات الرد على هذه التقارير و التعليق عليها .
ثالثا/ المفوضين: يتعين على الأمين العام أن يعد سجلا بأسماء الخبراء في مجالات التمويل و القانون و التأمين و المحاسبة،وتقييم الخسائر البيئية و الاقتصادية ليختار من تلك الخبرات لجان المفوضين بالتشاور مع أعضاء مجلس الإدارة، و في هذا الإطار فإن لجان المفوضين تختص في ما يلي:
1-التأكد من وجود أضرار أو خسائر مباشرة مع ضمان المعاملة المتساوية للمطالبات المتماثلة .
2-دراسة مدى مصداقية و صحة المستندات والأدلة المقدمة، و تحديد مدى أهميتها بالنسبة للمطالبة.
3-تقرير مدى واقعية و صحة المطالبات و مدى المبالغة فيها.
4-عقد جلسات حقيقية لسماع الدفاع و التعليقات و المداخلات أو للمطالبة بتقديم معلومات أخرى إضافية
5-القيام بمهمة نقد أراء، وحجج وأدلة المطالبين.
6-إصدار التوصيات بالتعويضات المستحقة، بعد فحص المطالبات و ما يدعمها من مستندات.
و خلال دراسة المطالبات المقدمة يتعين على لجان المفوضين تطبيق قرار مجلس الأمن رقم687،و كذا قراراته الأخرى ذات الصلة، و المعايير الموضوعة من قبل مجلس الإدارة بالنسبة لفئات معينة من المطالبات، و أية قرارات ذات صلة بالموضوع والصادرة عن مجلس الإدارة، كما يطبق المفوضون عند الاقتضاء قواعد القانون الدولي الأخرى ذات الصلة بهذا الموضوع.
المطلب الثاني: تحديد نطاق الأضرار
إن خرق قواعد القانون الدولي الإنساني يترتب عنها عادة العديد من الأضرار والخسائر المتعددة والمتلاحقة والمتشعبة والتي يصعب حصرها بدقة، ولأجل ذلك فإن المهمة الرئيسية التي كان على مجلس إدارة صندوق التعويضات حسمها هي تحديد مضمون الأضرار التي سيلتزم العراق بتعويضها، ولأجل ذلك أيضا فقد أصدر المجلس الحاكم (مجلس الإدارة) للجنة الأمم المتحدة للتعويضات، القرار رقم (1) في أغسطس/آب 1991، الذي بنى مسؤولية العراق على خمسة أسباب بعينها بشأن الخسارة وهي:
أ- عملية عسكرية أو تهديد باستخدام العمل العسكري من جانب أي من الطرفين خلال الفترة من 2أوت 1990 إلى 2مارس 1991.
ب- الرحيل عن العراق أو الكويت أو عدم القدرة على مغادرتهما (أو قرار بعدم العودة) خلال تلك الفترة.
ج- الأعمال التي يقوم بها المسئوولون أو الموظفون أو الهيئات التابعة لحكومة العراق، أي الكيانات التي تسيطر عليها خلال تلك الفترة فيما يتعلق بالغزو أو الاحتلال.
د- انهيار النظام المدني في الكويت أو العراق خلال تلك الفترة.
هـ- أخذ الرهائن أو غير ذلك من أشكال الاحتجاز غير القانوني.
إن لجنة الأمم المتحدة للتعويضات لا تنظر فيما إذا كانت الخسارة ناتجة عن انتهاك القانون الدولي الإنساني، ومع ذلك وبمعرفة ظروف الغزو والاحتلال، ربما كانت كثير من الدعاوى التي أسفرت عن منح تعويضات بسبب الوفاة، التعذيب، الأذى الشخصي، الألم الذهني، الكرب، أخذ الرهائن، فقدان الممتلكات الفعلية والشخصية أو الإضرار بها،...ترتكز بالفعل على انتهاكات القانون الدولي الإنساني .
بالإضافة إلى ما سبق ذكره، فقد أشارت الفقرة السادسة من القرار رقم (7) الصادر عن مجلس إدارة صندوق التعويضات إلى أن التعويض سيشمل أيضا الأضرار البيئية المباشرة، وكذلك استنفاذ الموارد الطبيعية نتيجة لغزو العراق واحتلاله غير المشروع لدولة الكويت.
وفي هذا الصدد نشير إلى أن اتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949، لم تعالج صراحة الاعتداء على البيئة، ولهذا فقد جاءت أحكام البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف محققة لهذا الغرض، فالمادة 35/3 تحظر استخدام أساليب ووسائل القتال التي يمكن أن تسبب إصابات مفرطة أو معاناة لا مبرر لها أو "تلحق بالبيئة أضرار بالغة وواسعة الانتشار وطويلة الأمد".
وفي نفس السياق تنص المادة 55 من نفس البروتوكول على حظر استخدام أساليب قتال إذا كان من شأنها الإضرار بالبيئة بشكل يضر بصحة أو حياة السكان، كما تحظر الإجراءات الانتقامية ضد البيئة.
والواضح أن المادة 35 تحمي البيئة الطبيعية في حد ذاتها من كافة أعمال الحرب التي تحدث بها أضرارا جسيمة واسعة الانتشار وطويلة الأمد، في حين أن المادة 55 تهدف إلى حماية السكان المدنيين من آثار استخدام البيئة كوسيلة قتال .
ومن أجل التعويض عما أصاب البيئة من أضرار فقد قررت الفقرة السادسة من القرار رقم (7)، أن المدفوعات تشمل الخسائر أو النفقات الناجمة عن:
أ- تخفيف ومنع الضرر البيئي بما في ذلك النفقات المتصلة مباشرة بمكافحة حرائق النفط ووقف تدفق النفط في المياه الساحلية والدولية.
ب- التدابير المعقولة التي اتخذت بالفعل لتنفيذ وإصلاح البيئة أو التدابير المقبلة التي يمكن توثيقها باعتبارها لازمة بشكل معقول لتنقية وإصلاح البيئة.
ج- الرصد والتقديران المعقولان للضرر البيئي لأغراض تقييم وتخفيف حدة الضرر وإصلاح البيئة.
د- الرصد المعقول للصحة العامة وأداء الفحوص لأغراض تحري و مكافحة المخاطر الصحية المتزايدة نتيجة للضرر البيئي.
هـ- استنفاذ الموارد الطبيعية أو الإضرار بها.
ومن أجل تبسيط إجراءات تقديم المطالبات، فقد صنفت لجنة التعويضات مطالبات التعويضات إلى ستة فئات رئيسية، وهي على النحو التالي :
الفئة الأولى (أ): وهي تشمل مطالبات المبالغ الثابتة تعويضا عن مغادرة الكويت أو العراق ويستحق الفرد بموجبها مبلغ 2.500دولار (4000دولار للأسرة) كتعويض مؤقت، حيث يمكنه المطالبة بتعويض إضافي في ظل فئات أخرى من المطالبات. وقد وافق مجلس الإدارة، على إمكانية المطالبة بتعويض قدره 4000دولار للفرد و8000للأسرة وذلك إذا وافق على عدم التقدم بمطالبات في فئات أخرى، وكل ما يحتاجه الفرد في الفئة(أ) هو إثبات المغادرة دون إثبات الخسارة .
الفئة الثانية (ب): وهي تشمل مطالبات المبالغ الثابتة المتعلقة بالتعويضات عن الإصابة البالغة الشخصية لطالبي التعويضات أو وفاة فرد في عائلة طالبي التعويضات، وقد حدد المبلغ بـ 2500دولار للطلب، بحيث لا يتجاوز الإجمالي 10.000دولار للعائلة الواحدة.
الفئة الثالثة (ج): تشمل التعويض عن خسائر فعلية حتى مبلغ 100.000دولار، وهي تخص التعويض عن خسائر ناجمة عن الغزو والاحتلال. وهي تشمل تكاليف المغادرة وعدم القدرة على العودة ومصاريف العلاج أو الوفاة أو الإصابة الشخصية،إذا كانت الأضرار تزيد عما تلقاه المضرور في الفئتين الأولى والثانية، كما تشمل خسائر الممتلكات الشخصية (فقدان أدوات مالية أو حسابات مصرفية وفقدان الدخل أو الثروة وأضرار العقارات وخسائر الأعمال الخاصة). وفي هذا الإطار فقد تم وضع حدود عليا للمبالغ الخاصة بفئات تعويضات الضرر العقلي والصدمات النفسية والتي يمكن المطالبة بها تحت الفئة الثالثة (ج).
الفئة الرابعة (د): تشمل الخسائر الفعلية التي تزيد قيمة كل منها عن 100.000دولار لكل مطالبة.
إن هذه الفئة تغطي نفس ما تغطيه الفئة (ج)، ولكنها تشمل من زادت خسائرهم عن 100.000دولار ولهؤلاء حق التقدم بمطالباتهم بالنسبة للمائة ألف الأولى من الخسائر في ظل الفئة (ج)، والمطالبة بالباقي من خلال الفئة الرابعة (د)، أو تقديم الطلب ككل في إطار الفئة (د).
الفئة الخامسة (هـ): وهي تشمل خسائر الشركات والمؤسسات العامة والخاصة والأعمال الأخرى التي لها وجود قانوني مستقل، وتغطي هذه الفئة أنواع مختلفة من الخسائر.
الفئة السادسة (و): وهي الخاصة بتعويضات الحكومات والمنظمات الدولية، وهي تشمل ما تكبدته هذه الاطراف من تكاليف نقل وإغاثة للفارين من المنطقة، أو ما دفعته من تعويضات فعلية لأفراد ومؤسسات تضرروا من الغزو والاحتلال، هذا بالإضافة إلى ما تعرضت له منشآت تابعة لها في البلدين من خسائر، وأخيرا الخسائر البيئية المباشرة والإضرار بالموارد الطبيعية.
وفي هذا الصدد تشير إحصائيات لجنة التعويضات إلى أنه لغاية يوم 26/01/2004، بلغت قيمة المطالبة بالتعويضات المقدمة إلى اللجنة بأكثر من 264 مليار دولار، دفعت اللجنة منها لحد الآن أكثر من 18 مليار دولار من أموال العراق .
المطلب الثالث: تنظيم عمل اللجنة
الفرع الأول: الموارد المالية الخاصة بالتعويض
لقد أشارت الفقرة 19 من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 687إلى اعتماد صندوق التعويضات بصورة رئيسية في تأمين موارده على ما سيتم اقتطاعه من صادرات النفط العراقية ، وقد تم تكليف الأمين العام لتحديد النسبة المئوية التي سيتم اقتطاعها مع الأخذ في الاعتبار متطلبات شعب العراق، وقدرة العراق على الدفع كما تقيمها المؤسسات المالية آخذة في الاعتبار خدمة الدين الخارجي واحتياجات الاقتصاد العراقي وترتيبات ضمان أن يكون السداد للصندوق.
وهكذا تعين على الأمين العام أن يحسم مسألتين بهدف تأمين الموارد المالية اللازمة للصندوق، أولاهما نسبة ما سيتم اقتطاعه من صادرات النفط العراقية، وثانيهما ضمانات دفع العراق للصندوق.
فبالنسبة لتحديد ما سيتم اقتطاعه من صادرات النفط العراقية فقد اقترح الأمين العام للأمم المتحدة في الفقرة 7 من مذكرته الموجهة إلى مجلس الأمن بتاريخ 30 ماي 1991 تخصيص 30% من عائدات النفط العراقية إلى صندوق التعويضات، وهو ما وافق عليه مجلس الأمن بموجب الفقرة الثانية من قراره رقم 705 الصادر في 15أوت 1991. وتجب الإشارة في هذا الصدد إلى أن مجلس الأمن الدولي قد خفض هذه النسبة بموجب قرار اتخذه في 28 سبتمبر2000من 30% إلى25%، على أن يتم استخدام نسبة الخمسة بالمائة المخفضة من أجل تلبية الاحتياجات الإنسانية الخاصة بالمدنيين العراقيين. ومنذ العام 2003 خصصت نسبة تبلغ 5% من عائدات النفط العراقية لهذه المدفوعات بدل 25% وهذا بموجب قرار مجلس الأمن 1483 بعد الاحتلال الأمريكي للعراق .
أما بالنسبة لتحديد ضمانات دفع العراق للصندوق فقد أشار الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره المقدم بتاريخ 2ماي1991 إلى وجود عدة اختيارات تتمثل فيما يلي:
أ- دفع العراق للصندوق النسبة المتفق عليها من القيمة السوقية لمنتجات البترول، وبحيث تحسب القيمة السوقية يوم التصدير، على أن يكون الدفع بالدولار الأمريكي، وأن يتم خلال 30 يوما من تاريخ التصدير من العراق.
ب- فتح حساب تحويلي يقوم العراق بإيداع مدفوعات مقدمة إجمالية تعادل المبلغ المتوقع لإسهامه خلال ربع أو نصف سنة، على أن يكون هذا الحساب خاضعا لعملية تقويم سنوية.
ج- أخذ وبيع حصة عينية من الصادرات وبيعها في السوق لحساب الصندوق.
د-تعيين الصندوق إما كمنتفع وحيد في بوالص الشحن أو أية مستندات ملكية أخرى، وأية خطابات ضمان يتم إصدارها، وفي المقابل له أن يحتفظ بحصته وأن يحول الباقي إلى العراق.
ه- فتح حساب تحويلي يتمتع بالمزايا المناسبة والحصانات في بنك مركزي أو مؤسسة دولية مناسبة يتم تحديدها كمنتفع بسندات الشحن أو أية مستندات ملكية أخرى أو أي خطابات ضمان يتم إصدارها، على أن يقوم الوكيل التحويلي بدفع المبلغ المحدد للصندوق، والذي سيستخدم لتغطية المطالبات، والباقي يتم تحويله للعراق.
بعد ذلك حسم مجلس الإدارة اختياره، ونص على أن عقود بيع وشراء النفط والمنتجات النفطية العراقية ستقرر بواسطة المؤسسة الحكومية العراقية لتسويق النفط والمشترين المعنيين، وبحيث يتم تحويل المدفوعات مباشرة إلى الحساب الخاص للأمم المتحدة على أن يقدم المشترين خطاب ضمان لكل معاملة.
وفي هذا الإطار طالبت حكومة العراق بمنحها مهلة لمدة خمس سنوات على الأقل لتنفيذ الفقرتين 18 و19من قرار مجلس الأمن 687، والمتعلقتين بالتعويضات، وهو ما رفضه مجلس الأمن الدولي، حيث أرغم العراق على قبول اقتطاع نسبته 30% من قيمة صادراته النفطية، وذلك بموجب صفقة النفط مقابل الغذاء. وبهذه الطريقة تم توفير الموارد المالية اللازمة للجنة الأمم المتحدة للتعويضات كي تقوم بتسديد التعويضات المستحقة .
الفرع الثاني: التقدم بالمطالبات
لقد حدد مجلس إدارة لجنة الأمم المتحدة للتعويضات الجهات التي يمكنها المطالبة بالتعويض، وهي تتمثل فيما يلــــي:
أ- الحكومات: سواء تقدمت بهذه المطالبات باسمها الشخصي أو باسم رعاياها، أو أي أشخاص مقيمين في إقليمها أو باسم الشركات والكيانات الأخرى التي كانت مسجلة أو منظمة وفقا لقانونها، وفي حالة الحكومات المنبثقة عن دولة اتحادية سابقة، يجوز لأي من هذه الحكومات أن تقدم مطالبات باسم رعايا حكومة أخرى من هذه الحكومات، أو شركات أو كيانات أخرى تنتمي إليها إذا ما اتفقت الحكومات على ذلك، وهو حال الاتحاد السوفياتي سابقا، حيث تم الاتفاق على أن تقوم روسيا بتقديم المطالبات نيابة عن بقية الجمهوريات السوفياتية. أما بالنسبة ليوغسلافيا فإن الأمر يختلف، وهذا نتيجة النزاع الذي تفجر بين الجمهوريات المتفككة، لذا فإن كل الجمهورية قدمت مطالباتها و مطالبات مواطنيها و مؤسساتها على حدا.
ب- المنظمات الدولية: لا يجوز لها أن تتقدم بمطالبات إلا باسمها الخاص فحسب.
ج- الأشخاص المعنوية أو الهيئات المناسبة: يمكن لمن يعينهم مجلس الإدارة من أشخاص أو هيئات القيام بمطالبات باسم الأشخاص الذين لا يسمح لهم وضعهم بأن تقدم حكومة ما مطالباتهم.وقد كان المقصود بذلك بصورة أساسية الفلسطينيين، حيث قرر مجلس الإدارة أن تقوم وكالة غوث اللاجئين (الأونروا) بتقديم المطالبات نيابة عنهم في سوريا ومصر ولبنان، بالإضافة إلى المتواجدين في الأردن ولا يحملون جوازات سفر أردنية.
أما بالنسبة للفلسطينيين المقيمين بالأراضي الفلسطينية المحتلة فإن برنامج الأمم المتحدة للتنمية يتولى هذه المهمة، فيما تتولى المفوضية السامية للاجئين واللجنة الدولية للصليب الأحمر تنظيم مطالبات بقية اللاجئين .
د- الشركات والمشروعات المشتركة: إذا رفضت دولة ما تنظيم وتسجيل هذه الشركات وتبني مطالباتها، فإن لها أن تقدم بنفسها هذه المطالبات إلى اللجنة في غضون ثلاثة أشهر بعد انتهاء الفترة الزمنية التي وضعها مجلس الإدارة للتقدم بالمطالبات، مع تقديم تفسير لعدم تقديم الحكومة لهذه المطالبات.
هـ- أفراد القوات المسلحة لدول التحالف: لقد أثارت هذه الفئة اعتراض العراق، لكون الظاهرة غير مسبوقة، وهو ما دعا بعض الدول الأعضاء في مجلس الإدارة إلى المطالبة بتقييد هذه المطالبات بشكل كبير، لذلك فقد نص مجلس الإدارة في قراره رقم (11) على قصر الأمر على فئات محددة من أفراد القوات المتحالفة، وهم أسرى الحرب، والذين عانوا ضررا نتيجة إساءة معاملتهم بصورة مخالفة لقواعد القانون الدولي الإنساني.
وقد تبنت اللجنة آلية تقوم على إعطاء دور هام للحكومات، سواء في استلام وتوزيع استمارات المطالبات أو إعادة جمعها وتسليمها للجنة، أو استلام التعويضات وتسليمها للمطالبين، على أن تحدد كل حكومة إجراءات تسليم وتوزيع مبالغ التعويض.
وفي إطار تقديم التعويض، فقد تم إعطاء لجان المفوضين دورا كبيرا في فحص المطالبات المقدمة ، وتقييم مدى مصداقيتها و استيفائها للشروط المطلوبة، ثم الإيصاء بالمبلغ المستحق للتعويض على أن تخضع المبالغ التي توصي بها لجان المفوضين لموافقة مجلس الإدارة، الذي يتمتع بسلطة زيادة هذه المبالغ أو الإنقاص منها إذا رأى أن الظروف تقتضي ذلك، كما له أن يطلب من لجان المفوضين إعادة دراسة مطالبة معينة أو مجموعة معينة من المطالبات.وفي مجمل الأحوال فإن القرارات الصادرة عن مجلس الإدارة تكون نهائية، حيث أنها لا تستأنف ولا تراجع لأية أسباب موضوعية أو إجرائية.
وتجب الإشارة إلى أن لجنة التعويضات ليست المرجع الوحيد للمطالبة بالتعويض، حيث للمضرور التقدم بمطالبته أمام جهات أخرى، مثل اللجوء للمحاكم الوطنية .
لكن عدم منح اللجنة حق استئثاري من شأنه أن يثير مشكلة ازدواج التعويض، ولتجنب هذا الإشكال أصدر مجلس الإدارة قراره رقم 13، الذي طالب الحكومات بإخطار اللجنة حول أية مطالبات تعويض ضد العراق أمام المحاكم الوطنية، إلى جانب ذلك فقد تم إلزام المطالبين بذكر أي تعويض كانوا قد حصلوا عليه بالفعل من مصادر أخرى، وكذا المطالبات المقدمة لدى جهات أخرى.وعند عدم الامتثال لهذا الأمر فإن النظر في المطالبة يتأجل حتى الانتهاء من بحث كافة المطالبات الأخرى.
وفي الأخير تجب الإشارة إلى أن لجنة الأمم المتحدة لتعويضات حرب الخليج قد تعرضت لعدة انتقادات، وهو ما أثاره العراق منذ بداية تشكيل اللجنة، إذا أعلن أن مجلس الأمن قد تجاوز صلاحياته وصلاحيات محكمة العدل الدولية.وفي وثيقة موجهة إلى رئيس مجلس الأمن أشار العراق بأن المجلس قد أنشأ جهازا سياسيا للبث في مسائل قضائية، وأن مسؤولية العراق يجب أن تتم بموجب القواعد والإجراءات التي يقرها القانون الدولي وليس وفقا للسياسة العامة التي يضعها مجلس إدارة صندوق التعويضات.
وفي هذا السياق فإن الفقرة الثالثة من المادة 33 من الميثاق توجب على مجلس الأمن مراعاة عرض أطراف المنازعات القانونية منازعاتهم تلك على محكمة العدل الدولية وفقا لأحكام النظام الأساسي لهذه المحكمة.أما الفقرة الثانية من المادة 36 من نفس النظام فهي تنص على أن نوع التعويض المترتب على خرق التزام دولي، وكذا مداه يعد من المنازعات القانونية. أما بالنسبة للجنة التعويضات فإن قراراتها خرجت عن مفهوم الضرر أو الخسارة المباشرة التي حددها قرار مجلس الأمن رقم 674، ومثال ذلك العقود التي كان العراق طرفا فيها وأصبحت غير ممكنة التنفيذ بسبب فرض الحصار عليه.إلى جانب ذلك فقد وافقت اللجنة في حالات معينة على مبالغ للتعويض تفوق ما هو مذكور في المطالبة، كما دفعت لبعض الدول أموالا لا تستحقها بلغت على مدى سنوات 77 مليون دولار .إذن فمن الواضح أن الإطار القانوني للتعويضات المفروضة على العراق يختلف عن القواعد التي أقرها القانون الدولي الإنساني،وينأى في كثير من جوانبه عن قواعد المسؤولية الدولية التقليدية.وفي هذا الصدد ومن المبادئ الثابتة للقانون الدولي الإنساني قاعدة المساواة في المعاملة وهي تشمل أيضا المساواة في التعويض عن خرق الأحكام الدولية ذات الصلة أيا كان الطرف الذي تنتمي إليه الضحية ومهما كان مصير المعارك،إذ أن الانتهاكات قد ترتكب من قبل طرفي النزاع على حد سواء.
بعدما انتهينا من هذا الفصل الثاني، فإنه يمكن القول بأن السوابق الدولية في مجال التعويض عن الأضرار قد أرست عدة قواعد فيما يخص هذه المسألة، وهذا عن طريق وضع الفكرة النظرية للتعويض موضع التنفيذ، وهذا ما تجلى خاصة من خلال إنشاء لجان تختص بتحديد الأضرار المعوض عنها، مع تقدير قيمة التعويضات وتوزيعها على المضرورين...
لكن ورغم هذه الإيجابية المتمثلة في وضع فكرة التعويض موضع التنفيذ، إلاَّ أن العيب الكبير والذي كان يبرز في كل مرة هو السلطة المطلقة للمنتصرين في تقدير التعويضات، حيث لم يكن أمام الدول المهزومة إلاَّ القبول، بالإضافة لعدم الأخذ بعين الاعتبار الأضرار التي تصيب الدول المهزومة، ومثال ذلك تعرض مدينتي هيروشيما وناكازاكي إلى القصف النووي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ، وكذا ملجأ العامرية للقصف الجوي الأمريكي...










رد مع اقتباس