خامسا: لم تخرج الاستدلالات العلماء الذين تمّ ذكرهم من أحدى أمور ثلاث:
أولا: أنها بدعة حسنة
ثانيا: الاحتفال دليل المحبة وتعظيم جناب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثالثا: الاستدلال بتخفيف العذاب على أبي لهب لفرحه بولادة خير البشر
الرد على الاستدلال الأول:
لا وجود في دين الله لبدعة حسنة، حتى وإن قُبل بهذه التسمية فهي تدخل لازاما ضمن قول الحبيب صلى الله عليه وسلم: كل بدعة ضلالة.
ولهذا قال الإمام مالك رحمه الله : من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم ، خان الرسالة ؛ لأن الله يقول: " اليوم أكملت لكم دينكم" فما لم يكن يومئذ دينا فلن يكون اليوم دينا.
ولن أطيل في هذه المسألة ومن يريد التوسع فعليه بهذه الروابط فهي شافي كافية بإذن الله:
الرد على الاستدلال الثاني:
إنّ محبته صلى الله عليه وسلم تقتضي إحياء سنته ، والعض عليها بالنواجذ ، ومجانبة ما خالفها من الأقوال والأفعال ، ولا شك أن كل ما خالف سنته فهو بدعة مذمومة ومعصية ظاهرة ، ومن ذلك الاحتفال بذكرى مولده وغيره من البدع ، وحسن النية لا يبيح الابتداع في الدين ، فإن الدين مبني على أصلين : الإخلاص والمتابعة ، قال تعالى : ( بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) البقرة / 112 ، فإسلام الوجه لله الإخلاص لله ، والإحسان هو التابعة للرسول وإصابة السنة (الشيخ صالح الفوزان) .
والردّ على هذه الشبهة قد أشبعت بحثا في مقالات الأختين أم عدنان والماسة الزرقاء، فليراجعا.
الرد على الاستدلال الثالث:
يقول الشيخ أبو بكر الجزائري ردّا حول هذه الشبهة:
" في الأثر التاريخ (1) وهو ما روي من أن أبا لهب الخاسر رؤي في المنام ، فسئل فقال : إنه يعذب في النار ، إلا أنه يخفف عنه كل ليلة اثنين ، ويمص من بين أصبعيه ماء بقدر هذا وأشار إلى رأس أصبعه ، وأن ذلك كان له بسبب إعتاقه جاريته ثويبة لما بشرته بولادة محمد صلى الله عليه وسلم لأخيه عبد الله بن عبد المطلب ، وبإرضاعها له صلى الله عليه وسلم وَرَدُّ هذه الشبهة وإبطالها من أوجه :
1- إن أهل الإسلام مجمعون أن الشرع لا يثبت برؤى الناس المنامية مهما كان ذو الرؤيا في إيمانه وعلمه وتقواه ، إلا أن يكون نبي الله فإن رؤيا الأنبياء وحي والوحي حق .
2- إن صاحب هذه الرؤيا هو العباس بن عبد المطلب والذي رواها عنه بالواسطة فالحديث إذا مرسل ، والمرسل لا يحتج به ولا تثبت به عقيدة ولا عبادة ، مع احتمال أن الرؤيا رآها العباس قبل إسلامه ورؤيا الكافر حال كفره لا يحتج بها إجماعا .
3- أكثر أهل العلم من السلف والخلف على أن الكافر لا يثاب على عمل صالح عمله إذا مات على كفره ، وهو الحق لقول الله تعالى ، { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا } وقوله عز وجل :
{ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا }« وقول الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد سألته عائشة رضي الله عنها عن عبد الله بن جدعان الذي كان يذبح كل موسم حج ألف بعير ، ويكسو ألف حلة ، ودعا إلى حلف الفضول في بيته : هل ينفعه ذلك يا رسول الله ؟ فقال : " لا ، لأنه لم يقل يوما من الدهر : رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين » وبهذا يتأكد عدم صحة هذه الرؤيا ، ولم تصبح شاهدا ولا شبهة أبدا .
4- إن الفرح الذي فرحه أبو لهب بمولود لأخيه فرح طبيعي لا تعبدي ، إذ كل إنسان يفرح بمولود يولد له ، أو لأحد إخوته أو أقاربه ، والفرح إن لم يكن لله لا يثاب عليه فاعله ، وهذا يضعف هذه الرواية ويبطلها . مع أن فرح المؤمن بنبيه معنى قائم بنفسه لا يفارقه أبدا لأنه لازم حبه ، فكيف نحدث له ذكرى سنوية نستجلبه بها ، اللهم إن هذا معنى باطل ، وشبهة ساقطة باطلة لا قيمة لها ولا وزن فكيف يثبت بها إذًا شرع لم يشرعه الله لا عن عجز ولا عن نسيان ولكن رحمة بعباده المؤمنين ، فله الحمد وله المنة . ( الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإجحاف 51-53)
فالأخير، استسمح فضيلة الشيخ عبد الرحمن إن احتوى تعليقي أي كلامي على ما يُخلّ بالإحترام المتوجب في حقكم.
أخوكم أبو جابر الجزائري