منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - السيرة النبوية.. سؤال وجواب
عرض مشاركة واحدة
قديم 2018-02-18, 05:24   رقم المشاركة : 28
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

قال السندي رحمه الله :

" قَوْله ( فَقَالَ قَدْ جَاءَك شَيْطَانك ) أَيْ فَأَوْقَعَ عَلَيْك أَنِّي قَدْ ذَهَبْت إِلَى بَعْض أَزْوَاجِي فَأَنْتِ لِذَلِكَ مُتَحَيِّرَة مُتَفَتِّشَة عَنِّي " انتهى من "حاشية السندي على النسائي" .

إن من ينفي وقوع الغيرة بين التقيات من الضرائر ، لم يعرف طبيعة النساء ، وما جبلهن الله عليه ؛ لكن المقصد : أن الورع ، وتقوى الله ، يمنع غائلة ذلك ، ويعصمهن عن البغي والفساد.

وروى أبو داود (3931) ، وأحمد (26365) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ : " وَقَعَتْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُصْطَلِقِ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ ، أَوِ ابْنِ عَمٍّ لَهُ فَكَاتَبَتْ عَلَى نَفْسِهَا، وَكَانَتِ امْرَأَةً مُلَّاحَةً تَأْخُذُهَا الْعَيْنُ ، قَالَتْ: عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : فَجَاءَتْ تَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَابَتِهَا ، فَلَمَّا قَامَتْ عَلَى الْبَابِ ، فَرَأَيْتُهَا : كَرِهْتُ مَكَانَهَا، وَعَرَفْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيَرَى مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي رَأَيْتُ .

فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَنَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ ، وَإِنَّمَا كَانَ مِنْ أَمْرِي مَا لَا يَخْفَى عَلَيْكَ ، وَإِنِّي وَقَعْتُ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ ، وَإِنِّي كَاتَبْتُ عَلَى نَفْسِي ، فَجِئْتُكَ أَسْأَلُكَ فِي كِتَابَتِي .

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( فَهَلْ لَكِ إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ ؟ ) .

قَالَتْ: وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟

قَالَ: ( أُؤَدِّي عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَأَتَزَوَّجُكِ ) ؟

قَالَتْ: قَدْ فَعَلْتُ .

قَالَتْ: فَتَسَامَعَ - تَعْنِي النَّاسَ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَزَوَّجَ جُوَيْرِيَةَ ، فَأَرْسَلُوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ السَّبْيِ ، فَأَعْتَقُوهُمْ ، وَقَالُوا: أَصْهَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ !!

فَمَا رَأَيْنَا امْرَأَةً كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا ، أُعْتِقَ فِي سَبَبِهَا مِائَةُ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ " .
حسنه الألباني ، وكذا حسنه محققو المسند .

فمع كونها غارت منها أول ما رأتها ، وصفتها بالبركة على قومها .

ولقد كانت سياسة النبي صلى الله عليه وسلم الخاصة لنسائه ، عاملا زائدا ، من عوامل القرب بينهن ، والإلطاف لسائرهن ، فلا يبعد عن الواحدة ، حتى تأتي نوبتها ، بما يوحشها ، ويزيد الغيرة في نفسها ، بل كان يجتمع بهن جميعا ، كل ليلة :

روى مسلم (1462) عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعُ نِسْوَةٍ ، فَكَانَ إِذَا قَسَمَ بَيْنَهُنَّ، لَا يَنْتَهِي إِلَى الْمَرْأَةِ الْأُولَى إِلَّا فِي تِسْعٍ ، فَكُنَّ يَجْتَمِعْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الَّتِي يَأْتِيهَا ".

وقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها : " قَلَّ يَوْمٌ إِلَّا وَهُوَ يَطُوفُ عَلَيْنَا جَمِيعًا ، فَيَدْنُو مِنْ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ مَسِيسٍ ، حَتَّى يَبْلُغَ إِلَى الَّتِي هُوَ يَوْمُهَا فَيَبِيتَ عِنْدَهَا ".

رواه أبو داود (2135) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .

قال القرطبي رحمه الله في " المفهم " (13/90) :

" وإنما كانَ يفعَلُ ذلكَ تأنيسًا لهُنَّ ، وتطييبًا لقلوبهِنَّ ؛ حتى ينفصِلَ عنهُنَّ إلى التي هو في يومِها ، ويتركَها طيِّبةَ القلْبِ " انتهى .

قال النووي رحمه الله :

" فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من حُسْنِ الْخُلُقِ وَمُلَاطَفَةِ الْجَمِيعِ "

انتهى من " شرح النووي على مسلم " (10/ 48) .

وروى البخاري (4793) ، ومسلم (87) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: " بُنِيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ بِخُبْزٍ وَلَحْمٍ ، فَأُرْسِلْتُ عَلَى الطَّعَامِ دَاعِيًا فَيَجِيءُ قَوْمٌ فَيَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ فَيَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ ، فَدَعَوْتُ حَتَّى مَا أَجِدُ أَحَدًا أَدْعُو، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا أَجِدُ أَحَدًا أَدْعُوهُ ، قَالَ : ( ارْفَعُوا طَعَامَكُمْ ) وَبَقِيَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ يَتَحَدَّثُونَ فِي البَيْتِ ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْطَلَقَ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَقَالَ: ( السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ) ، فَقَالَتْ: وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ، كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ ؟ فَتَقَرَّى حُجَرَ نِسَائِهِ كُلِّهِنَّ، يَقُولُ لَهُنَّ كَمَا يَقُولُ لِعَائِشَةَ، وَيَقُلْنَ لَهُ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ .

( تَقَرَّى حُجَرَ نِسَائِهِ كُلِّهِنَّ ) أَيْ : تَتَبَّعَ الْحُجُرَات وَاحِدَة وَاحِدَة

ولفظ مسلم : " ... فَجَعَلَ يَمُرُّ عَلَى نِسَائِهِ ، فَيُسَلِّمُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ: ( سَلَامٌ عَلَيْكُم ْ، كَيْفَ أَنْتُمْ يَا أَهْلَ الْبَيْتِ؟) فَيَقُولُونَ: بِخَيْرٍ يَا رَسُولَ اللهِ ، كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ؟ فَيَقُولُ: (بِخَيْرٍ) " .

قال القرطبي في " المفهم " (13/15) ـ ترقيم الشاملة ـ :

" فدورانُه على حُجَرِ نسائه تفَقُّدٌ لأحوالِهنَّ ، وجَبْرٌ لقلوبِهِنَّ ، واستدعاءٌ لما عندهنَّ من أحوالِ قلوبِهن ؛ لأجل تزويجِه ؛ ولذلك استلطَفْنَهُ بقولهِنَّ له : كيف وجدْتَ أهلَك يا رسول الله ؟

وصدورُ مثلِ هذا الكلامِ عنهُنَّ في حالِ ابتداءِ اختصاصِ الضَّرَّةِ الداخلةِ به ؛ يدلُّ على قوةِ عقولِهِنَّ ، وصبرهِنَّ ، وحُسن معاشرتهنَّ ، وإلاَّ فهذا موضعُ الطيشِ ، والخِفَّةِ للضرائرِ ، لكنَّهنَّ طيِّبَاتٌ لطيِّبٍ " انتهى .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم ، ربما يقع عنده الأمر من ذلك ، والبادرة من تلك البوادر ، فيذهب سورتها وحدتها ، بحكمته ، وعدله ، وقسطه ، صلى الله عليه وسلم :

روى البخاري (5225) عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِه ِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ ، فَضَرَبَتِ الَّتِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهَا يَدَ الخَادِمِ ، فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِلَقَ الصَّحْفَة ِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ ، وَيَقُولُ: (غَارَتْ أُمُّكُمْ ) ، ثُمَّ حَبَسَ الخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ المَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ ".

وكان صلى الله عليه وسلم ، ربما مزج بذلك القسط ، شيئا من اللَّطَف ، والفكاهة ، فحال الأمر إلى طيب وبشر ، بعد ما كاد يكون حِدة ، أو منافرة :

روى أبو يعلى في مسنده (4476) عن عَائِشَةَ قَالَتْ: " أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَزِيرَةٍ قَدْ طَبَخْتُهَا لَهُ ، فَقُلْتُ لِسَوْدَةَ ـ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا ـ : كُلِي، فَأَبَتْ ، فَقُلْتُ: لَتَأْكُلِنَّ أَوْ لَأُلَطِّخَنَّ وَجْهَكِ ، فَأَبَتْ ، فَوَضَعْتُ يَدِي فِي الْخَزِيرَةِ ، فَطَلَيْتُ وَجْهَهَا ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَوَضَعَ بِيَدِهِ لَهَا، وَقَالَ لَهَا: ( الْطَخِي وَجْهَهَا ) ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا ، فَمَرَّ عُمَرُ ، فَقَالَ: ( يَا عَبْدَ اللَّهِ ، يَا عَبْدَ اللَّهِ )، فَظَنَّ أَنَّهُ سَيَدْخُلُ، فَقَالَ: (قُومَا فَاغْسِلَا وُجُوهَكُمَا) " .

قال الحافظ العراقي رحمه الله في "تخريج الإحياء" (3/160) : " إسناده جيد" ، وحسنه الألباني في " الصحيحة "(3131) .

ثم إن بقي في النفوس شيء من ذلك ، شأن نفوس البشر ، فهو إن شاء الله : في محل العفو والمسامحة منهن :
وروى ابن سعد في " الطبقات " (8/ 79) ، وابن عساكر في تاريخه (69/ 152) عَنْ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ : " دَعَتْنِي أُمَّ حَبِيبَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ مَوْتِهَا ، فَقَالَتْ : قَدْ كَانَ يَكُونُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الضَّرَائِرِ، فَغَفَرَ اللَّهُ لي ولك مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ. فَقُلْتُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكِ ذَلِكَ كُلَّهُ ، وَتَجَاوَزَ ، وَحَلَّلَكِ مِنْ ذَلِكَ . فَقَالَتْ: سَرَرْتِنِي سَرَّكِ اللَّهُ . وَأَرْسَلَتْ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ ".

وحاصل ذلك كله :

أن المطلوب من المؤمن ، والمؤمنة في مثل ذلك ، وفي الأمر كله : ألا ينساق وراء طبائع النفوس ، أو أهوائها ، بل يجعل تقوى الله هو العاصم له من البغي والعدوان ، ويجعل الرباط بينه وبين عباد الله المؤمنين : الأخوة في الله ؛ والله جل جلاله لم يمدح عباده المؤمنين بالعصمة عن دواعي الهوى ، بل مدحهم بمخالفة أهوائهم ، ومجاهدة نفوسهم في ذات الله ؛ قال الله تعالى : ( فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ) النازعات/37-41 .

والله أعلم .









رد مع اقتباس