منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - ندور مع هذه الأحداث كما تدور، بلا روية وبلا تفكير
عرض مشاركة واحدة
قديم 2020-11-28, 21:31   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
اسماعيل 03
مشرف منتديات الدين الإسلامي الحنيف
 
الصورة الرمزية اسماعيل 03
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










B18 ندور مع هذه الأحداث كما تدور، بلا روية وبلا تفكير

قال محمود شاكر رحمه الله في مقال " لا تنسوا "من جمهرة مقالاته (2-948) :
"إننا ننسى أن هذه الأمم المستعمِرة قد نزلت بكل مكان وكل أرض، بجيوشها تارة، وبسياستها تارة أخرى، وباقتصادها تارات أخر، وبحضارتها في كل ساعة من ساعات الحياة التي نعيشها. فإذا رأينا مثلا حوادث تتتابع وتتلاحق فجأة وفي كل مكان، فِكَرنا في كل واحدة منها هي فِكَرُنا في كل واحدة منها على حِدَة ونسينا الذي وراء الستار، نسينا الدافع الذي في يده أن يدفع، وفي يده أن يمنع. تثور إيران، ويضطرب ما بين الهند وباكستان، وتنشب معارك بين بعض البلاد وإسرائيل، وتتقابل أحزاب السودان وتتشقق، وتضطرب معاني القلق في مصر، ويقتل وزير، ويهلك منصوب على عريق من الذهب البريطاني وتقوم مشكلة دولية مفتعلة كناقلات البترول، وتدور تمثيلية المفاوضات بين انقطاع واتصال، وتظهر فجأة المادة الخامسة عشرة من الدستور، إلى ضروب أخرى من الأحداث في كل ناحية من نواحي الحياة الاقتصادية والسياسية والفكرية وتأتي كلها في وقت بعينه، ويشغلنا شيء منها عن شيء، وندور مع هذه الأحداث كما تدور، بلا روية وبلا تفكير.
ما معنى هذا كله؟ لا شيء. إن الشرق العربي والإسلامي، يحاول أو تحاول صحافته على الأقل، أن تفسر كل حدث من الأحداث على أنه أمر مستقل، يجعل عامة الناس يقنعون بأنهم عملوا شيئا، أو استطاعوا أن يعملوا شيئا، أو أنهم أرادوا مجرد إرادة -أن يعملوا شيئا يحقق وجودهم في هذه الدنيا. وقلما تجد من يحاول أن يرتاب في الباعث الذي يحرك كل هذه الأحداث مرة واحدة، ويجعلها في أعيننا متلاحقة متداركة، في أوقات متقاربة ومقرونة بضجة صاخبة طويلة عريضة كمهزلة قضايا الجيش! قل أن تجد من يحاول أن يرتاب أدنى ريبة، لأننا نسينا، وأريد بنا أن ننسى أن الاستعمار أو المستعمر موجود بين ظهرانينا، بجيوشه، وباقتصاده، وبسياسته، وبأسلوب تفكيره الذي ارتضاه لنا، وبحضارته التي بثها فينا واستعبدنا لها، وبأداة حكمه من زعماء ووزراء وأعوان لهم في كل مرفق من مرافق الحياة. وبأنظمة حكمه من دستورية واستبدادية وعرفية! فأي نكبة أبشع، وأي بلاء أفظع من أن تفقد الأرض التي اسْتعبِد أهلها من يحذر الناس ويقول لهم: لا تنسوا، وقبيح بكم أن تنسوا أن المستعمر الخبيث قد اختبأ وراء كل عمل يغركم ظاهره.
إنه ليس من المعقول أن تحدث هذه الأحداث فجأة، متوافقة في ترتيب الحدوث، بغير تدبير سابق. فإذا خفي التدبير، وعجز صاحب الرأي عن تفسير الغرض من حدوثه، فليس معنى ذلك أنه ليس تدبيرا مبيتا وأنه جاء فجأة متلاحقا لغير غرض محدود. إن صريح العقل يوجب على كل ذي عقل أن يرتاب، وأن يجعل الريبة مقرونة إلى الاستعمار وأعوان الاستعمار وأن يرى وراء هذه الأحداث شيئا واحدا، هو المستعمر نفسه. ويقتضينا صريح العقل أن ننسى الأحداث نفسها، لنذكر غاصب بلادنا، والمعتدى على حريتنا، ثم نعمل على بث الريبة في كل نفس وكل فكر، فلا نضيع أيامنا وليالينا في النزاع على أحداث لا معنى لها. إلا أن الاستعمار قد نجح في أن يشغلنا عن نفسه بأنفسنا، وفي أن يذكرنا بهذه التوافه الصاخبة، لننسى القارعة الكبرى، وهي وجوده في صور مختلفة عميقة في حياتنا بالليل والنهار."








 


رد مع اقتباس