منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - ملاحظات على مذكرات الأمير عبد القادر المختلقة -2-
عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-03-08, 02:45   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
الأميرة بديعة الحسني
كبار الشخصيات
 
إحصائية العضو










B10 ملاحظات على مذكرات الأمير عبد القادر المختلقة -2-

تتمة: ملاحظات على مذكرات الأمير عبد القادر المختلقة
هدية السيد جاك شوفالييه إلى المكتبة الوطنية المذكرات المزعومة
الفصل الثاني

وأيضاً أرادوا من الأمير في هذا المخطوط الاعتراف بأنه أوقف المقاومة وهذه نقطة علينا الوقوف عندها طويلاً، لأنهم جعلوا هذا المجاهد يكررها عدد من المرات لأنها عندهم الموضوع الأساسي الذي كانوا يحلمون به وهو "وقف المقاومة" وجعل الأمير وعلى لسانه القول في الصفحة 196 من المخطوط "وأصبحت الكوازيط منشورة بكل ضاحية من ضواحي ممتلكته (مملكة فرنسا) وهنا أرادوا في هذا المخطوط الذي احتفلوا به وصدق البعض ممن حققوه ما جاء فيه ولم يشك أو يساوره الشك سوى الدكتور أبو القاسم سعد الله الذي لم يصدّق اعتراف الأمير شخصياً بأن الجزائر أصبحت مملكة لفرنسا وليست أرض محتلة وجعلوه يقول في هذا المخطوط بأن فرنسا أرسلت له هدايا بواسطة الدوق دومال وهو في الميناء منها ملابس نفيسة من كل نوع ومعها أنواع الطيب وأواني فضية للشراب وساعة ذات قيمة وجعلوا الأمير يقول في هذا المخطوط أنه فرح بهذه الهدايا ويصفونه كأنه طفل صغير فرح بملابس العيد وجعلوه يقول: ((أن دار فرنسا دار ملك وأنفة وسلطنة وسياسة ورياسة ومعرفة وتجربة ونجابة وزعامة وشهامة وجزالة وسهالة وأدالة، يعرفون حق البعيد ويواسونه ويكرمونه ويحابونه. ومن قديم الدهر في كل سنة وشهر يقصدكم العاني فيبلغ أمله ويلجأ إليكم الجاني فتسدّون خلله. يمدحون الشجاع ويحبونه ويبغضون الجبان ولا يولّونه. وما ذلك إلا لرسوخكم في النبالة والشجاعة ومنتهى بلوغكم غاية الأشياء المستطاعة. ولخصالكم الحميدة ومزاياكم المستفيدة ومقاصدكم المعلومة عند الخاص والعام وتنزيلكم للناس منازلهم على قدر مناصبها بحسب الاستهام اخترنا دار مملكتكم لقضاء حاجتنا وقصدنا بيت عنايتكم لسلوك محجتنا وحجتنا لتبلغونا فيها مرادها كما قبلتم كثيراً من الملوك العظام بعد ظفركم بها على يد الذراع بالإحسان فأعطيتمونا مآثرها وودادها وها نحن من جملة المستدنين لعظيم سلطنتكم لإرادة نوال عطيتكم وحوصتكم في غير هذا من معناه وما يوفق تأسيس مبناه إلى أن سخره الله وسخر جميع أهل الدولة الفرنسية لموافقته وأصبحت الكوازيط منشورة بكل ضاحية من ضواحي مملكته ناطقة بعطفته ومسابقته مضمنها التسريح للإسكندرية تتميماً للكلمة ووفاء العهود الأحدرية)). هذا النص جاء بالحرف الواحد في الصفحة 195 من كتاب (مذكرات الأمير عبد القادر).

يلاحظ القارئ أن كلمة (تسريح) تكررت عدد من المرات في هذه الصفحات من المخطوط، أولاً: التسريح لا يقال في لغتنا العربية إلا عن الحيوانات، فيُقال (سّرح الراعي الغنم) أو يُقال أيضاً أن صاحب العمل سرّح عماله، والأمير لم يكن عاملاً عند الفرنسيين، ولا هو من الأغنام. ثانياً: هذا الرجل العظيم، المجاهد الكبير خُلق للجهاد كبقية عباد الله، لأن الجهاد عبادة، قال تعالى في سورة الذاريات ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ[1]. وقال تعالى في سور كثيرة في القرآن منها سورة النساء ﴿لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا[2]. فالجهاد فرض والأمير قبل المبايعة شارك والده وأخوته في الجهاد لمدة سنتين قبل أن يبايعه الشعب الجزائري. والجهاد قُسّم في الإسلام إلى قسمين، فرض كفاية وفرض عين. وهو أفضل العبادات لإعلاء كلمة الله. ووُصف تارك الجهاد بالمنافق إن كان مفروضاً عليه. وهنا حديث مسند عن الرسول صلى الله عليه وسلم، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بخير الناس، أي بأفضل الناس، رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله ". مع العلم أن الجهاد ليس فقط بحمل السلاح وقتال العدو، وإنما أيضاً في كل عمل يُبذل فيه الجهد في سبيل الله إن كان دفاعاً عن النفس، إن كان بالسلاح أو بالقلم أو بالعمل الصالح في سبيل الله الي يبذل فيه الإنسان المؤمن الجهد، حتى أن المؤمن إذا مات وهو يصارع الأمواج العاتية يموت شهيداً. والأمير عبد القادر يعلم قدر نفسه ومن هو، فمن غير المعقول أن يستعمل كلمة تسريح، وكان يعتبر من فقهاء عصره في الدين واللغة، وهو شاعر وأديب، درس العلوم الفقهية وعلم الأحاديث الصحيحة عن البخاري في صحيحه، قرأها مرات وهو يحاصر عين ماضي وأيضاً في حصاره لتلمسان. درس وتعلم في معاهد فاس ووهران، وحفظ القرآن عن ظهر قلب في سن الطفولة في معهد القيطنة، في هذه المزرعة التي كانت إرثاً لعائلته تعيش منها، والتي زُرع فيها جميع أنواع الأشجار المثمرة وأنواع الحنطة والخضار.

وذُكر في الصفحة 196 من هذا المخطوط عن لسان الأمير النص الآتي: (( ثم جاءنا بإذنه من عند ولده دومال، والي الجزائر من الكسوة النفيسة من كل نوع، وما معها من أنواع الطيب مع حرج شراب من خالص الفضة، وساعة ذات قيمة كبيرة تُعرف بها الأوقات ذهباً، وحين وصلتنا الكسوة بعث لنا على لسان المكلفين بنا من عندهم أن نترك لباسها ولا نفسدها باللباس حتى يكون سراحنا، نلبسها قبالة من نخرج لبلادهم ليعلموا كرم الفرنسيس وخصالهم الحميدة وأفعالهم الفاخرة بالفخر والافتخار، وفرحنا بذلك كثيراً)). هنا صوّروا الأمير وكأنه إنسان غبي يظن أن سكان عكا أو إسكندرية من العرب المسلمين إذا رأوه ينزل من الباخرة في ملابسه الفرنسية وبلاده محتلة من الفرنسيين يعجبون به ويحترمونه كثيراً!!!

مع العلم أن الأمير وصحبه جاؤوا من بلادهم المحتلة من هؤلاء الفرنسيين، مهاجرين لم يجروا صلحاً ولا هدنة معهم والمقاومة مستمرة لم يوقفها الأمير، فكيف يمكنهم ارتداء الألبسة الفرنسية؟ ليظهروا كرم فرنسا؟ فأي كرم هذا؟ أهو باحتلال بلادهم الآمنة بالقوة وإرهاب سكانه وسرقة خيراته وقتل أبناءه الذي ما زال مستمراً في تلك الساعات؟

مما يلفت نظر القارئ الذي يعرف من هو الأمير عبد القادر لايصدق ما جاء في هذا القسم من المخطوط وكل ما كتبوه عن لسان الأمير. وربما يعتقد (القارئ) أن من كان حاضراً أو من قدم هذه الهدايا من الفرنسيين، شعر بالخجل والغضب الشديد، والإهانة أيضاً لعدم قبول الأمير هذه الهدايا ومنع استعمالها. وأمر طبيعي أن يرفضها الأمير لأنها ملابس إفرنسية ولديه ما يكفيه من ملابس جزائرية طاهرة، ملابس الجهاد التي يريد أن يُستقبل بها حين نزوله من الباخرة في عكا أو غيرها من بلاد المسلمين، وكذلك من كان برفقته لأنهم مسلمون مجاهدون يقرؤون في صلاتهم الآية ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ بالإضافة إلى الوضوء بالماء الطاهر. والأمير كان رئيس دولة ينتسب إلى عائلة ثريّة بالمال والعلم لم يأتِ من عامة الشعب، وعُرفت عائلته في الجزائر ببني هاشم، أعرق القبائل العربية، ونسبه يعود إلى الأدارسة ملوك المغرب الذين شيّدوا مدينة فاس وغيرها، وأجداده معروفين تكلم عنهم كبار المؤرخين مثل ابن خلدون، ولكن فرنسا أرادت أن تجعله منافقاً عديم الكرامة جاهل حتى بدينه، وجعلته ذليلاً إلى أبعد حالات الذل انتقاماً منه على انتصاراته عليها لمدة سبعة عشر عاماً، وهي أقوى دولة في العالم، وهذا سبب حقدها عليه. ولم يكن بحاجة إلى الطيب الفرنسي ولا إلى أواني فضية المكروه استعمالها في الشريعة الإسلامية للشراب والطعام، لذلك رفض هذه الهدايا، فكتب العميل الفرنسي هذا السيناريو ليشفي غليله وحقده على الأمير والجزائريين بشكل عام، وجعل الأمير جلّ تفكيره محصور بتعظيم فرنسا وكيل المديح لها لدرجة وكأنها بلاده التي يحرص على حُسن سمعتها ومصالحها في هذا المخطوط. وهذه كلها رسائل موجهة إلى الشعب الجزائري، وربما أيضاً إلى الشعوب العربية.


[1]- سورة الذاريات، الآية 56

[2]- سورة النساء، آية 95








 


رد مع اقتباس