منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - رد الشبهات عن صحابه الرسول صلي الله عليه وسلم
عرض مشاركة واحدة
قديم 2018-03-05, 04:46   رقم المشاركة : 159
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

خامسا:

ليس في آيات المعية ما يقتضي التأويل، ولا يصح أن يقال: إن ظاهرها غير مراد، بل هي على ظاهرها، وظاهرها حق لا مرية فيه.

فإن (مع) لا تقتضي في اللغة اختلاطا ولا امتزاجا ولا اتصالا، بل هي لمطلق المصاحبة والمقارنة، ألا ترى أن القمر يكون مع المسافر وغيره، وهو عال بعيد ، لا يخالط الناس ، ولا يمازجهم ؟!

والمعية : قد تفيد العلم، أيضا ، وقد تفيد النصرة، إذا كان السياق يدل على ذلك ، ويعينه .

فقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) الحديد/4، وقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [المجادلة:7] :

هذه المعية هنا : هي معية العلم، بدلالة السياق، وليس في ذلك تأويل للآيات ، ولا صرف لها عن ظاهرها ؛ فإن الله جل جلاله : مع خلقه، حقيقة ؛ وذلك لا يعني أنه مخالط لهم ، أو حال فيهم ، تعالى الله عما يظن الجاهلون ، أو يتوهم المتوهمون .

ولهذا " قال أبو طالب: سألت أبا عبد الله [أي أحمد بن حنبل] عن رجل قال: إن الله معنا ، وتلا هذه الآية: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم} ؟

قال أبو عبد الله: قد تجهم هذا، يأخذون بآخر الآية ويدعون أولها: {ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم) : العلم معهم .

وقال في (ق): (ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) فعلمه معهم" انتهى من الإبانة لابن بطة (3/159).

وقد أجمع السلف على تفسير المعية هنا بالعلم، كما حكاه ابن أبي شيبة، وابن بطة، وأبي عمرو الطلمنكي، وابن عبد البر، رحمه الله.

انظر: العرش وما روي فيه، لابن أبي شيبة، ص288، العلو، للذهبي، ص246، الأربعين في أصول الدين، له، ص66، التمهيد (7/138).

قال ابن عبد البر رحمه الله: " لأن علماء الصحابة والتابعين الذين حملت عنهم التأويل في القرآن قالوا في تأويل هذه الآية: هو على العرش وعلمه في كل مكان، وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله " انتهى

وأما قوله تعالى: (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) التوبة/40، فهذه معية التأييد والنصرة كما دل عليها السياق.

وقوله تعالى: (قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) طه/46، فيه إثبات معية السمع والبصر.

فالمعية : لمطلق المصاحبة، ثم يكون معناها بحسب السياق .

ينظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (6/22).

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن آية الحديد والمجادلة: "لا ريب أن السلف فسروا معية الله تعالى لخلقه في الآيتين بالعلم، وحكى بعض أهل العلم إجماع السلف عليه .

وهم بذلك لم يؤولوها تأويل أهل التعطيل، ولم يصرفوا الكلام عن ظاهره، وذلك من وجوه ثلاثة:

الأول: أن الله تعالى ذكرها [يعني : المعية] في سورة المجادلة بين عِلْمين، فقال في أول الآية: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) ، وقال في آخرها: (إنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ؛ فدل ذلك على أن المراد أنه يعلمهم ولا يخفى عليه شيء من أحوالهم.

الثاني: أن الله تعالى ذكرها في سورة الحديد مقرونة باستوائه على عرشه الذي هو أعلى المخلوقات، فقال: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) إلى قوله: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ) ؛ فدل على أن المراد معية الإحاطة بهم ، علما وبصرا، لا أنه معهم بذاته في كل مكان، وإلا لكان أول الآية وآخرها متناقضا.

الثالث: أن العلم من لوازم المعية، ولازم اللفظ من معناه ، فإن دلالة اللفظ على معناه من وجوه ثلاثة: دلالة مطابقة، ودلالة تضمن، ودلالة التزام ، ولهذا يمكن أن نقول: هو سبحانه معنا بالعلم، والسمع، والبصر، والتدبير والسلطان وغير ذلك من معاني ربوبيته ، كما قال تعالى لموسى وهارون: (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) ، وقال هنا في سورة الحديد: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).

فإذا كان العلم من لوازم المعية : صح أن نفسرها به ، وبغيره من اللوازم التي لا تنافي ما ثبت لله تعالى من صفات الكمال، ولا يعد ذلك خروجا بالكلام عن ظاهره" انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (1/ 247-250).

وقال رحمه الله: " المعية لا تقتضي الحلول والاختلاط، بل هي في كل موضع بحسبه، ولهذا يقال: سقاني لبنا معه ماء. ويقال: صليت مع الجماعة. ويقال: فلان معه زوجته.

ففي المثال الأول: اقتضت المزج والاختلاط، وفي الثاني اقتضت المشاركة في المكان والعمل بدون اختلاط، وفي الثالث اقتضت المصاحبة ، وإن لم يكن اشتراك في مكان أو عمل .

وإذا تبين أن معنى المعية يختلف بحسب ما تضاف إليه، فإن معية الله تعالى لخلقه تختلف عن معية المخلوقين لمثلهم ، ولا يمكن أن تقتضي المزج والاختلاط أو المشاركة في المكان؛ لأن ذلك ممتنع على الله عز وجل ، لثبوت مباينته لخلقه وعلوه عليهم .

وعلى هذا : يكون معنا، وهو على العرش فوق السماوات ، لأنه محيط بنا علما، وقدرة ، وسلطانا، وسمعا، وبصرا، وتدبيرا، وغير ذلك مما تقتضيه ربوبيته .

فإذا فسرها مفسر بالعلم : لم يخرج بها عن مقتضاها، ولم يكن متأولا ، إلا عند من يفهم من المعية المشاركة في المكان ، أو المزج والاختلاط ، على كل حال ؛ وقد سبق أن هذا ليس بمتعين في كل حال" انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (1/ 118) .

فتبين بهذا : أن السلف لم يؤلوا آيات المعية، ولم يقعوا في التناقض، بل فسروا الآيات على ظاهرها، واعتقدوا أن الظاهر حق ، لا يستلزم حلولا ، ولا اتحادا ، ولا يقتضي ولا يوهم تشبيا.

والله أعلم.









رد مع اقتباس