منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - رد الشبهات عن صحابه الرسول صلي الله عليه وسلم
عرض مشاركة واحدة
قديم 2018-03-05, 04:22   رقم المشاركة : 154
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ثانياً :

ثم ننقل هنا بعض ما كتبه علماؤنا رحمهم الله في توضيح أسباب كثرة روايات أبي هريرة رضي الله عنه في كتب السنة عن غيره من الصحابة رض الله عنهم .

قال العلامة محمد رشيد رضا رحمه الله :

"لكثرة حديث أبي هريرة رضي الله عنه أسباب ، استخرجناها من عدة روايات :

أحدها : أنه قصد حفظ أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم ، وضبط أحواله ؛ لأجل أن يستفيد منها ، ويفيد الناس ، ولأجل هذا كان يلازمه ويسأله ، وكان أكثر الصحابة لا يجترئون على سؤاله إلا عند الضرورة ، وقد ثبت أنهم كانوا يُسَرُّون إذا جاء بعض الأعراب من البدو وأسلموا ؛ لأنهم كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم .

ومن الدلائل على هذا السبب ما رواه عنه البخاري قال : قلت : يا رسول الله ! من أسعد الناس بشفاعتك ؟ قال : ( لقد ظننت أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك لما رأيت من حرصك على الحديث) .

وما رواه أحمد عن أُبيّ بن كعب : أن أبا هريرة كان جريئًا على أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء لا يسأله عنها غيره .

ثانيها : أنه كان يلازم النبي صلى الله عليه وسلم ، ويتبعه حتى في زيارته لنسائه وأصحابه ليستفيد منه ، ولو في أثناء الطريق ، فكانت السنين القليلة من صحبته له كالسنين الكثيرة من صحبة كثير من الصحابة الذين لم يكونوا يَرَوْنه صلى الله عليه وسلم إلا في وقت الصلاة ، أو الاجتماع لمصلحة يدعوهم إليها ، أو حاجة يفزعون إليه فيها ، وقد صرح بذلك لمروان .

وأخرج البغويّ بسند جيد - كما قال الحافظ ابن حجر - عن ابن عمر أنه قال لأبي هريرة :

أنت كنت أَلَزَمَنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمَنا بحديثه .

وفي " الإصابة " عنه أنه قال : أبو هريرة خير مني وأعلم بما يحدث .

وعن طلحة بن عُبيد الله : لا أشك أن أبا هريرة سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم

ما لم نسمع .

ثالثها : أنه كان جيد الحفظ قوي الذاكرة ، وهذه مزية امتاز بها أفراد من الناس كانوا كثيرين في زمن البداوة ، وما يقرب منه ؛ إذ كانوا يعتمدون على حفظهم ، ومما نقله التاريخ لنا عن اليونان أن كثيرين منهم كرهوا بدعة الكتابة عندما ابتدءوا يأخذونها ، وقالوا : إن الإنسان يتكل على ما يكتب فيضعف حفظه ، وإننا نفاخر بحفاظ أمتنا جميع الأمم ، وتاريخهم ثابت محفوظ ، قال الإمام الشافعيّ : أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره ، وقال البخاري مثل ذلك ، إلا أنه قال : عصره . بدل دهره .

وأعظم من ذلك ما رواه الترمذي عن عمر رضي الله عنه أنه قال لأبي هريرة : أنت كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأحفظنا لحديثه .

رابعها : بشارة النبي صلى الله عليه وسلم له بعدم النسيان ، كما ثبت في حديث بسط الرداء المتقدم – وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي هريرة : (ابْسُطْ رِدَاءَكَ . فَبَسَطْهُ . فَغَرَفَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ : ضُمّهُ . قال أبو هريرة : فَضَمَمْتُهُ فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا بَعْدَهُ) رواه البخاري (119) - وهو مروي من طرق متعددة في الصحاح والسنن .

خامسها : دعاؤه له بذلك كما ثبت في حديث زيد بن ثابت عالم الصحابة الكبير رضي الله عنه عند النسائي ، وهو : ( أن رجلاً جاء إلى زيد بن ثابت فسأله ، فقال له زيد : عليك بأبي هريرة ، فإني بينما أنا وأبو هريرة وفلان في المسجد ، ندعو الله ونذكره ، إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس إلينا فقال : عودوا للذي كنتم فيه . قال زيد فدعوت أنا وصاحبي ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمّن على دعائنا ، ودعا أبو هريرة فقال : إني أسألك

مثل ما سأل صاحباي ، وأسألك علمًا لا يُنسى , فقال : سبقكم بها الغلام الدوسي ) – قال الحافظ ابن حجر في " الإصابة " (4/208) : إسناده جيد -.

سادسها : أنه تصدى للتحديث عن قصد ؛ لأنه كان يحفظ الحديث لأجل أن ينشره ، وأكثر الصحابة كانوا ينشرون الحديث عند الحاجة إلى ذكره في حكم أو فتوى أو استدلال ، والمتصدي للشيء يكون أشد تذكرًا له ، ويذكره بمناسبة وبغير مناسبة ؛ لأنه يقصد التعليم لذاته ، وهذا السبب لازم للسبب الأول من أسباب كثرة حديثه .

سابعها : أنه كان يحدث بما سمعه وبما رواه عن غيره من الصحابة كما تقدم ، فقد ثبت عنه أنه كان يتحرى رواية الحديث عن قدماء الصحابة ، فروى عن أبي بكر وعمر ، والفضل بن العباس وأُبيّ بن كعب ، وأسامة بن زيد وعائشة ، وأبي بصرة الغفاري ، أي : أنه صرح بالرواية عن هؤلاء، ومن المقطوع به أن بعض أحاديثه التي لم يصرح فيها باسم صحابي كانت مراسيل ؛ لأنها في وقائع كانت قبل إسلامه ، ومراسيل الصحابة حجة عند الجمهور .

فمن تدبر هذه الأسباب لم يستغرب كثرة رواية أبي هريرة ، ولم ير استنكار أفراد من أهل عصره لها موجبًا للارتياب في عدالته وصدقه ؛ إذ علم أن سبب ذلك الاستنكار عدم الوقوف على هذه الأسباب .

على أن جميع ما أخرجه البخاري في صحيحه له (446) حديثًا ، بعضها من سماعه ، وبعضها من روايته عن بعض الصحابة ، وهي لو جمعت لأمكن قراءتها في مجلس واحد ؛ لأن أكثر الأحاديث النبوية جمل مختصرة .

فهل يستكثر عاقل هذا المقدار على مثل أبي هريرة أو من هو دونه حفظًا ، وحرصًا على تحمل الرواية وأدائها؟!" انتهى باختصار.

"مجلة المنار" (19/25) .

والله أعلم .









رد مع اقتباس