منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - رد الشبهات عن صحابه الرسول صلي الله عليه وسلم
عرض مشاركة واحدة
قديم 2018-03-03, 03:23   رقم المشاركة : 131
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

نسخ التلاوة في القرآن الكريم

السؤال

أعرف أن آيات من القرآن قد نسخت بآيات أخرى ، بعض الآيات نسخت نسخ تلاوة ، كآية الرجم مثلا ، أريد أن أعرف كم آية في القرآن نسخت نسخ تلاوة ؟ قرأت حديثا ورد في صحيح مسلم ، أن سورا كاملة نسخت نسخ تلاوة ، كانت تلك السور طويلة ، ربما في طول سورة التوبة . ( رجاء النظر في صحيح مسلم : كتاب الزكاة ، باب لو كان لابن آدم وادٍ من ذهب أحب أن يكون له واديا آخر ) . أريد أيضا أن أعرف هل تحدي الكفار في أن يأتوا بمثل القرآن متضمن للآيات المنسوخة ؟ أسأل لأن الآية المذكورة في حديث صحيح مسلم لا تبدو لي كآية من القرآن إطلاقا !

الجواب

الحمد لله

أعرف أن آيات من القرآن قد نسخت بآيات أخرى ، بعض الآيات نسخت نسخ تلاوة ، كآية الرجم مثلا ، أريد أن أعرف كم آية في القرآن نسخت نسخ تلاوة ؟ قرأت حديثا ورد في صحيح مسلم ، أن سورا كاملة نسخت نسخ تلاوة ، كانت تلك السور طويلة ، ربما في طول سورة التوبة . ( رجاء النظر في صحيح مسلم : كتاب الزكاة ، باب لو كان لابن آدم وادٍ من ذهب أحب أن يكون له واديا آخر ) . أريد أيضا أن أعرف هل تحدي الكفار في أن يأتوا بمثل القرآن متضمن للآيات المنسوخة ؟ أسأل لأن الآية المذكورة في حديث صحيح مسلم لا تبدو لي كآية من القرآن إطلاقا !


2- نسخ تلاوة آية : ( لا ترغبوا عن آبائكم ، فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ) .

دليله قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه – في تكملة الحديث السابق - : ( ثُمَّ إِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ فِيمَا نَقْرَأُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ : " أَنْ لاَ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ ، فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ ، أَوْ إِنَّ كُفْرًا بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ " ) رواه البخاري (6830) ومسلم (1691) .

يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" قوله : ( ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله ) أي : مما نسخت تلاوته ، قوله : ( لا ترغبوا عن آبائكم ) ، أي : لا تنتسبوا إلى غيرهم " انتهى.

"فتح الباري" (12/148) .

3- نسخ تلاوة آية : ( ألا بلغوا عنا قومنا بأنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ) .

دليله ما رواه قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه : ( أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أَتَاهُ رِعْلٌ وَذَكْوَانُ وَعُصَيَّةُ وَبَنُو لِحْيَانَ ، فَزَعَمُوا أَنَّهُمْ قَدْ أَسْلَمُوا ، وَاسْتَمَدُّوهُ عَلَى قَوْمِهِمْ ، فَأَمَدَّهُمُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بِسَبْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ . قَالَ أَنَسٌ : كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ ، يَحْطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ ، فَانْطَلَقُوا بِهِمْ حَتَّى بَلَغُوا بِئْرَ مَعُونَةَ غَدَرُوا بِهِمْ وَقَتَلُوهُمْ ، فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِى لِحْيَانَ .

قَالَ قَتَادَةُ : وَحَدَّثَنَا أَنَسٌ أَنَّهُمْ قَرَءُوا بِهِمْ قُرْآنًا : " أَلاَ بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا بِأَنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِىَ عَنَّا وَأَرْضَانَا " ، ثُمَّ رُفِعَ ذَلِكَ بَعْدُ ) انتهى.

رواه البخاري (3064) .

4- نسخ تلاوة سورة طويلة ، ذُكر أن مِن آياتها : ( لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا ) .

دليله عن أبي الأسود رحمه الله قال : ( بَعَثَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ إِلَى قُرَّاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ ثَلَاثُ مِائَةِ رَجُلٍ قَدْ قَرَءُوا الْقُرْآنَ ، فَقَالَ :

أَنْتُمْ خِيَارُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَقُرَّاؤُهُمْ ، فَاتْلُوهُ ، وَلَا يَطُولَنَّ عَلَيْكُمْ الْأَمَدُ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ كَمَا قَسَتْ قُلُوبُ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، وَإِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً كُنَّا نُشَبِّهُهَا فِي الطُّولِ وَالشِّدَّةِ بِبَرَاءَةَ فَأُنْسِيتُهَا ، غَيْرَ أَنِّي قَدْ حَفِظْتُ مِنْهَا : " لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا ، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ " ، وَكُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً كُنَّا نُشَبِّهُهَا بِإِحْدَى الْمُسَبِّحَاتِ فَأُنْسِيتُهَا ، غَيْرَ أَنِّي حَفِظْتُ مِنْهَا :

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ) فَتُكْتَبُ شَهَادَةً فِي أَعْنَاقِكُمْ فَتُسْأَلُونَ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) رواه مسلم (1050) ، يقول الحافظ ابن حجر في معرض الحديث عن إحدى الروايات التي تذكر هذه الآية ( لو كان لابن آدم...) : " وهذا يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أخبر به عن الله تعالى على أنه من القرآن، ويحتمل أن يكون من الأحاديث القدسية، والله أعلم ، وعلى الأول فهو مما نسخت تلاوته جزما ، وإن كان حكمه مستمرا . ويؤيد هذا الاحتمال ما أخرج أبو عبيد في "فضائل القرآن" من حديث أبي موسى قال : " قرأت سورة نحو براءة فغبت وحفظت منها : ولو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى واديا ثالثا" الحديث ، ومن حديث جابر : " كنا نقرأ لو أن لابن آدم ملء واد مالا لأحب إليه مثله "

انتهى. "فتح الباري" (11/258) .

يقول أبو العباس القرطبي رحمه الله :

" قوله : ( كنا نقرأ سورة نشبهها في الطول والشدّة ببراءة فأنسيتها ) وهذا ضرب من النسخ ، فإن النسخ على مانقله علماؤنا على ثلاثة أضرب : أحدها : نسخ الحكم وبقاء التلاوة . والثاني : عكسه ، وهو نسخ التلاوة وبقاء الحكم .
والثالث : نسخ الحكم والتلاوة ، وهو كرفع هاتين السورتين اللتين ذكرهما أبو موسى ، فإنهما رُفِعَ حُكْمَهُما وتلاوتُهما . وهذا النسخ هو الذي ذكر الله تعالى حيث قال : ( مَا نَنْسخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا ) ، على قراءة من قرأها بضم النون ، وكسر السين ، وكذلك قوله تعالى : ( سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى إلا ما شاء الله )

وهاتان السورتان مما شاء الله تعالى أن يُنْسِيَه بعد أن أنزله ، وهذا لأن الله تعالى فعال لما يريد ، قادر على ما يشاء ؛ إذ كل ذلك ممكن .

ولا يتوهم متوهم من هذا وشبهه أن القرآن قد ضاع منه شيء ، فإن ذلك باطل ؛ بدليل قوله تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزْلَنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ، وبأن إجماع الصحابة ومن بعدهم انعقد على أن القرآن الذي تعبدنا بتلاوته وبأحكامه هو ما ثبت بين دفتي المصحف ، من غير زيادة ولا نقصان ، كما قررناه في أصول الفقه " انتهى.

"المفهم" (3/93-94)

ويقول السيوطي رحمه الله :

" هذا من المنسوخ تلاوة الذي أشير إليه بقوله تعالى : ( ما ننسخ من آية أو ننسها ) ، فكان الله ينسيه الناس بعد أن حفظوه ، ويمحوه من قلوبهم ، وذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، إذ لا نسخ بعده " انتهى.

"الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج" (3/129)

5- وأشياء آخرى متفرقة :

يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" ثبت عن جماعة من الصحابة من ذكر أشياء نزلت من القرآن فنسخت تلاوتها وبقي حكمها أو لم يبق ، مثل ...حديث أبي بن كعب : ( كانت الأحزاب قدر البقرة ) ، وحديث حذيفة : (ما يقرءون ربعها) يعني براءة ، وكلها أحاديث صحيحة .
وقد أخرج ابن الضريس من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه " كان يكره أن يقول الرجل قرأت القرآن كله ، ويقول : إن منه قرآنا قد رفع " .

وليس في شيء من ذلك ما يعارض حديث الباب ؛ لأن جميع ذلك مما نسخت تلاوته في حياة النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى.

"فتح الباري" (9/65)

ثانيا :

يجب الإيمان بأن لله الحكمة البالغة في هذا الشأن ، فهو سبحانه منزه عن العبث ، وله في خلقه وأمره حكم عالية رفيعة ، قد نعلمها ، وقد لا نعلمها ، ولكن العلماء يحاولون دائما تلمس الحكم وتأملها استجابة لأمر الله سبحانه بالتفكر والتدبر في آياته عز وجل .

يقول الزرقاني رحمه الله

– في معرض الجواب عن الشبه التي يذكرها بعضهم في نسخ التلاوة دون الحكم - :
" يقولون : إن الآية دليل على الحكم ، فلو نسخت دونه لأشعر نسخها بارتفاع الحكم ، وفي ذلك ما فيه من التلبيس على المكلف والتوريط له في اعتقاد فاسد .

وندفع هذه الشبهة بان تلك اللوازم الباطلة ، تحصل لو لم ينصب الشارع دليلا على نسخ التلاوة وعلى إبقاء الحكم ، أما وقد نصب الدليل على نسخ التلاوة وحدها ، وعلى إبقاء الحكم وتقرير استمراره ، كما في رجم الزناة المحصنين ، فلا تلبيس من الشارع على عبده ولا توريط .

يقولون : إن نسخ التلاوة مع بقاء الحكم عبث لا يليق بالشارع الحكيم ؛ لأنه من التصرفات التي لا تعقل لها فائدة ؟
وندفع هذه الشبهة بجوابين :

أحدهما : أن نسخ الآية مع بقاء الحكم ليس مجردا من الحكمة ، ولا خاليا من الفائدة حتى يكون عبثا ، بل فيه فائدة أي فائدة ، وهي حصر القرآن في دائرة محدودة تيسر على الأمة حفظه واستظهاره ، وتسهل على سواد الأمة التحقق فيه وعرفانه ، وذلك سور محكم وسياج منيع يحمي القرآن من أيدي المتلاعبين فيه بالزيادة أو النقص ؛ لأن الكلام إذا شاع وذاع وملأ البقاع ثم حاول أحد تحريفه سرعان ما يعرف ، وشد ما يقابل بالإنكار ، وبذلك يبقى الأصل سليما من التغيير والتبديل ، مصداقا لقوله سبحانه : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) والخلاصة أن حكمة الله قضت أن تنزل بعض الآيات في أحكام شرعية عملية ، حتى إذا اشتهرت تلك الأحكام نسخ سبحانه هذه الآيات في تلاوتها فقط ، رجوعا بالقرآن إلى سيرته من الإجمال ، وطردا لعادته في عرض فروع الأحكام من الإقلال ، تيسيرا لحفظه ، وضمانا لصونه ، والله يعلم وأنتم لا تعلمون .

ثانيهما : أنه على فرض عدم علمنا بحكمة ولا فائدة في هذا النوع من النسخ ، فإن عدم العلم بالشيء لا يصلح حجة على العلم بعدم ذلك الشيء ، وإلا فمتى كان الجهل طريقا من طرق العلم ، ثم إن الشأن في كل ما يصدر عن العليم الحكيم الرحمن الرحيم أن يصدر لحكمة أو لفائدة نؤمن بها ، وإن كنا لا نعلمها على التعيين ، وكم في الإسلام من أمور تعبدية استأثر الله بعلم حكمتها ، أو أطلع عليها بعض خاصته من المقربين منه ، والمحبوبين لديه ، وفوق كل ذي علم عليم ، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا .

ولا بدع في هذا ، فرب البيت قد يأمر أطفاله بما لا يدركون فائدته لنقص عقولهم ، على حين أنه في الواقع مفيد ، وهم يأتمرون بأمره ، وإن كانوا لا يدركون فائدته ، والرئيس قد يأمر مرؤوسيه بما يعجزون عن إدراك سره وحكمته ، على حين أن له في الواقع سرا وحكمة وهم ينفذون أمره ، وإن كانوا لا يفهمون سره وحكمته .

كذلك شأن الله مع خلقه فيما خفي عليهم من أسرار تشريعه ، وفيما لم يدركوا من فائدة نسخ التلاوة دون الحكم ، ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم " انتهى.

"مناهل العرفان" (2/156-158)

والله أعلم .











رد مع اقتباس