منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - مدخل إلى البنيوية التكوينية
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-01-09, 22:20   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
رشيديوس
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية رشيديوس
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي مدخل إلى البنيوية التكوينية

مدخل إلى البنيوية التكوينية
د. جميل حمداوي - المغرب
1ـ القسم النظري:
إذا كان المنهج الاجتماعي الوضعي يعقد ربطا آليا بين مضامين الأدب والمجتمع , باعتبار أن الأديب لا يعكس سوى بيئته ووسطه الاجتماعي , فإن البنيوية التكوينية تعقد تماثلا من نوع آخر ليس بين مضمون الأدب والمجتمع , بل بين الأشكال الأدبية وتطور المجتمع بطريقة غير آلية. ويتم هذا الترابط بواسطة التناظر أو التماثل بين البنى الجمالية أو الفنية والبنى الاجتماعية . ويمكن التمييز كذلك بين بنيوية تكوينية وظيفية يمثلها لوسيان كولدمان , وبنيوية شكلانية غير تكوينية يمثلها كل من جاكبسون وكلود لفي شتراوش ورولان بارت وﮔريماس وألتوسير وفوكو ولاكان .....
هذا، وإن البنيوية التكوينية عبارة عن تصور علمي حول الحياة الإنسانية ضمن بعدها الاجتماعي. وتمتح تصوراتها النفسية من آراء فرويد , ومفاهيمها الإبستيمولوجية من نظريات هيــجل وماركس وجان بياجي . أما على المستوى التاريخي والاجتماعي , فتعود تناصيا إلى آراء هيجل وماركس وكرامشي ولوكاتش والماركسية ذات الطابع اللوكاتشي .
ويستهدف لوسيان كولدمان من وراء بنيويته التكوينية رصد رؤى العالم في الأعمال الأدبية الجيدة عبر عمليتي الفهم والتفسير بعد تحديد البنى الدالة في شكل مقولات ذهنية وفلسفية . ويعد المبدع في النص الأدبي فاعلا جماعيا يعبر عن وعي طبقة اجتماعية ينتمي إليها، وهي تتصارع مع طبقة اجتماعية أخرى لها تصوراتها الخاصة للعالم. أي إن هذا الفاعل الجماعي يترجم آمال وتطلعات الطبقة الاجتماعية التي ترعرع في أحضانها , ويصيغ منظور هذه الطبقة أو رؤية العالم التي تعبر عنها بصيغة فنية وجمالية تتناظر مع معادلها الموضوعي " الواقع ".
وتنبني منهجية لوسيان ﮔولدمان السوسيولوجية على اعتبار العمل الأدبي أو الفني عملا كليا , أي دراسته كبنية دالة كلية . وهذا يستلزم تحليل النص بطريقة شمولية وذلك بتحليل بنياته الصغرى والكبرى من خلال تحليل عناصره الفونولوجية والتركيبية والدلالية والبلاغية والسردية والسيميولوجية دون أن نضيف ما لا علاقة له بالنص , إذ علينا أن نلتزم بمضامين النص دون تأويله أو التوسع فيه , وبعد ذلك نحدد البنية الدالة وهي مقولة ذهنية وفلسفية تستخلص من كلية العمل الأدبي عبر توارد تيماته المتواترة . ويشكل كل هذا عملية الفهم LA COMPREHENSION. وعندما نحدد البنية الدالة والرؤية للعالم المنبثقة عن الوعي الممكن, نقوم بتفسير تلك الرؤية خارجيا أو ما يسمى لدى ﮔولدمان EXPLICATION ، وذلك بتحديد العوامل المؤثرة في هذه البنية وكيف تشكلت من خلالها رؤية العالم . ويعني هذا أنه لابد عند إضاءة النص الأدبي وفهمه فهما كليا وحقيقيا من الانتقال إلى خطوة أساسية وهي تفسير النص خارجيا بالتركيز على العوامل التاريخية والاجتماعية والسياسية والثقافية والنفسية على الرغم من الطابع الفردي لما هو نفسي . ويعني كل هذا أن البنية الدالة ذات الطابع الفلسفي لا يمكن أن تبقى ساكنة , بل لا بد من إدراجها ضمن بنية أكثر تطورا لمعرفة مولداتها وأسباب تكوينها؛ لذلك سميت بالبنيوية التكوينية (Structuralisme génétique).
وتعتمد البنيوية من التكوينية على مصطلحات إجرائــية لا بد التسلح بها لتحليل النص الأدبي تحليلا سوسيولوجيا للأشكال الأدبية ويمكن حصر هذه المصطلحات فيما يلي :
1 ـ الفهم والتفسير: La compréhension et l’éxplixation
إذا كان الفهم هو التركيز على النص ككل دون أن نضيف إليه شيئا من تأويلنا أو شرحنا, فإن التفسير هو الذي يسمح بفهم البنية بطريقة أكثر انسجاما مع مجموع النص المدروس. ويستلزم التفسير استحضار العوامل الخارجية لإضاءة البنية الدالة1 .
2 ـ الرؤيــة للعالم: La vision du monde:
هي" مجموعة من الأفكار والمعتقدات والتطلعات والمشاعر التي تربط أعضاء جماعة إنسانية (جماعة تتضمن، في معظم الحالات, وجود طبقة اجتماعية) وتضعهم في موقع التعارض في مجموعــات إنسانية أخرى"2. ويعني هذا أن الرؤية للعالم هي تلك الأحلام والتطلعات الممكنة والمستقبلية والأفكار المثالية التي يحلم بتحقيقها مجموعة أفراد مجموعة اجتماعية معينة.
إنها باختصار تلك الفلسفة التي تنظر بها طبقة اجتماعية إلى العالم والوجود والإنسان والقيم . وتكون مخالفة بالطبع لفلسفة أو رؤية طبقة اجتماعية أخرى . فمثلا رؤية الطبقة البرجوازية للعالم تختلف عن رؤية الطبقة البروليتارية ، ورؤية شعراء التيار الإسلامي مختلفة جذريا عن رؤية شعراء التيار الاشتراكي في أدبنا العربي المعاصر .
3ـ التماثــــل Homologie:
إن العلاقة بين الأدب والمجتمع ليست علاقة آلية أو انعكاسية أو علاقة سببية دائما، بل على العكس , فإنها علاقة ذات تفاعل متبادل بين المجتمع والأدب , وبتعبير آخر إن الأشكال الأدبية - وليست محتويات الأدب- تتماثل مع تطور البنيات الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية , ويعني هذا أن هناك تناظرا بين البنية الجمالية والبنية الاجتماعية بطريقة غير مباشرة ولا شعورية ، وأي قول بالانعكاس بينهما يجعل الأدب محاكاة واستنساخا وتصويرا جافا للواقع , ويعدم في الأدب روح الإبداع والتخييل والاسطيطيقا الفنية . إذاً، " هناك تناظر دائم في كل عمل إبداعي... بين واقعه وموضوعه، بين بنية شكلية ظاهرة، وبنية موضوعية عميقة, بين اللحظة التاريخية والاجتماعية واللحظة الإبداعية, بين سياقية الجدل الروائي، وسياقية الجدل الاجتماعي ".3
4 ـ الوعي القائم والوعي الممكن:La conscience réelle e t la conscience possible
الوعي القائم هو الوعي الواقعي الموجود لدى الشخصية في الحاضر. وهو الوعي الموجود تجريبيا على مستوى السلب . ويعني هذا أن الوعي القائم هو " وعي آني لحظي وفعلي , من الممكن أن يعي مشاكله التي يعيشها , لكنه لا يملك لنفسه حلولا في مواجهتها والعمل على تجاوزها ".4 أي إنه وعي ظرفي, فكل مجموعة اجتماعية تحاول فهم الواقع وتفسيره انطلاقا من ظروفها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية والدينية والتربوية, دون أن يكون لها تصور مستقبلي وإيديولوجيا لاقتراح بديل إيجابي ومثالي لحياتها المعيشية. وإذا كان الوعي القائم هو وعي الحاضر والآني والمرحلي, فإن الوعي الممكن هو وعي إيديولوجي مستقبلي يتجاوز جدلا الوعي القائم والوعي الزائف المغلوط. وإذا كان الوعي القائم هو وعي التكيف والمحافظة على الواقع, فإن الوعي الممكن هو وعي التغيير والتطوير, ويصبح الوعي الممكن في كلية العمل الأدبي المنسجم رؤية للعالم وتصورا فلسفيا وإيديولوجيا للطبقة الاجتماعية.
" وإذا كان الوعي الفعلي يرتبط بالمشكلات التي تعانيها الطبقة أو المجموعة الاجتماعية , من حيث علاقاتها المتعارضة ببقية الطبقات أو المجموعات , فإن هذا الوعي الممكن يرتبط بالحلول الجذرية التي تطرحها الطبقة لتنفي مشكلاتها, وتصل إلى درجة من التوازن في العلاقات مع غيرها من الطبقات أو المجموعات "5 .
5 ـ البنية الدالــــة أو الدلاليةStructure signifiante:
البنية الدالة هي عبارة عن مقولة ذهنية أو تصور فلسفي يتحكم في مجموع العمل الأدبي. وتتحدد من خلال التواتر الدلالي وتكرار بنيات ملحة على نسيج النص الإبداعي, وهي التي تشكل لحمته ومنظوره ونسقه الفكري. وتحمل بنى العالم الإبداعي دلالات وظيفية تعبر عن انسجام هذا العالم وتماسكه دلاليا وتصوريا في التعبير عن الطموحات الاجتماعية والسياسية والإيديولوجية للجماعة. ويحدد ﮔولدمان الدور المزدوج للبنية الدالة باعتباره مفهوما إجرائيا بالأساس . فهو" من جهة الأداة الأساسية التي تمكننا من فهم طبيعة الأعمال الإبداعية ودلالاتها , ومن جهة أخرى , فهو المعيار الذي يسمح لنا بأن نحكم على قيمتها الفلسفية والأدبية أو الجمالية , فالعمل الإبداعي يكون ذا صلاحية فلسفية أو أدبية أو جمالية بمقدار ما يعبر عن رؤية منسجمة عن العالم إما على مستوى المفاهيم وإما على مستوى الصور الكلامية أو الحسية وإننا لنتمكن من فهم تلك الأعمال وتفسيرها تفسيرا موضوعيا بمقدار ما نستطيع أن نبرز الرؤية التي تعبر عنها ".6 إذاً، فالبنية الدالة هي التي تسعفنا في إضاءة النص الأدبي وفهمه, كما تساعدنا فلسفيا وذهنيا على تحديد رؤية المبدع للعالم ضمن تصور جماعي ومقولاتي.
6ـ البطل الإشكاليLe héro problématique :
ورد هذا المفهوم عند جورج لوكاتش في نظرية الرواية ، وهذا البطل ليس سلبيا ولا إيجابيا , فهو بطل متردد بين عالمي الذات والواقع ، يعيش تمزقا في عالم فض. إذ يحمل البطل قيما أصيلة يفشل في تثبيتها في عالم منحط يطبعه التشيؤ والاستلاب والتبادل الكمي . لذلك يصبح بحثه منحطا بدوره لا جدوى منه . ويصبح هذا البطل مثاليا عندما يكون الواقع أكبر من الذات كرواية دون كيشوط لسيرفانتيس ، كما يكون البطل رومانسيا عندما تكون الذات أكبر من الواقع وخاصة في الروايات الرومانسية ، ويكون كذلك بطلا متصالحا مع الواقع عندما تتكيف الذات مع الواقع ولاسيما في الروايات التعليمية . وهذا التصنيف أساس نظرية الرواية لجورج لوكاتش ، وقد استفاد منه ﮔولدمان كثيرا وخاصة في كتابه الإبداع الثقافي في المجتمع الحديث) الذي يقول فيه عن هذا البطل:" يتمتع هذا الشكل - رواية البطل الإشكالي ـ بوضع خاص في تاريخ الإبداع الثقافي : إنها حكاية البحث المتدهور لبطل لا يعي القيم التي يبحث عنها داخل مجتمع يجهل القيم ويكاد أن ينسى ذكراها تقريبا . فالرواية، ربما, كانت الأولى بين الأشكال الأدبية الكبيرة المسيطرة في نظام اجتماعي, التي حملت، جوهريا طبيعة نقدية...".7 ويضيف أيضا " من خلال بحثه المضطرب ينتهي البطل إلى وعي استحالة الوصول وإعطاء معنى للحياة ".8
إذاً، فالبطل الإشكالي ليس بطلا إيجابيا مثل البطل الملحمي الذي نجده في الإلياذة أو الأوديسا لدى هوميروس حيث تتحقق الوحدة الكلية بين الذات والموضوع ، بل هو بطل يعيش اضطرابا مأساويا، ومأزقا يجعله يتردد بين الذات والموضوع وبين الفرد والجماعة ، ويفشل في تحقيق أهدافه وقيمه الأصيلة في مجتمع لا يعترف بالقيم الكيفية ولا يؤمن سوى بقيم التبادل والسلع والمعايير المادية .









 


رد مع اقتباس