ويمكن أن نخلص من المقتبسات السابقة إلى أن القصيدة الطويلة قديما قد وقعت موقعا عظيما في نفوس النقاد و الأدباء ، وقدموها على غيرها في غير ما موضع، واتخذ بعض النقاد نظرية الكم معيارا أساسيا للمفاضلة بين الشعراء ، فكانوا يقدمون الشاعر لكثرة قصائده الطوال ، لكن القدماء لم يتواضعوا على دلالة محددة لمفهوم القصيدة الطويلة، بل كانوا يسبغون على القصيدة صفة الطول أو الجودة دون أن يحددوا عدد الأبيات الواجب توافرها في القصيدة لتُعدّ طويلة ، غير أن نظرة إلى بعض القصائد التي عُدت عند بعض النقاد وأصحاب الاختيارت من الطوال الجياد تُظهر أن عدد الأبيات فيها كان يتراوح ما بين الخمسين و المئة، تنقص أو تزيد قليلا ، وقد استندت صفة الطول في القصائد العربية القديمة إلى جانبين :الشكل ، والمضمون ،وكان المظهر الشكلي هو الأغلب في تحديد صفة الطول ، وتبعه المضمون ،أي لم يكن المضمون وحده كافيا لتُعد القصيدة من الطوال إن لم يعاضده الشكل الخارجي، وهذا لا ينفي وجود من فضلّ القصيدة القصيرة وقدمها على الطويلة لأسباب وتعليلات-سبق بسطها في موضعها- نرى أن كثيرا منها قد يكون موضع خلاف ونظر،لا يتناسب المقام والإفاضة في بيانه.
ارتبط الحديث عن القصيدة العربية المعاصرة –قصيدة التفعيلة – وظروف نشأتها بالحديث عن أثر القصيدة الغربية فيها، ولا نحتاج إلى كثير استشهاد لبيان مدى افتنان كوكبة من رواد الشعر العربي المعاصر -و على الأخص شعراء التفعيلة- بالأعمال الشعرية الغربية وأعلامها بصورة عامة، بل إن كثيرا منهم قد عبّر بوضوح عن إعجابه الشديد بها ،نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الشاعر بدر شاكر السياب الذي يقول:" درست شكسبير وملتون والشعراء الفكتوريين ثم الرومانتيكيين، وفي سنتيَّ الأخيرتين في دار المعلمين العالية تعرفت لأول مرة بالشاعر الإنجليزي ت.س.إليوت ، وكان إعجابي بالشاعر الإنجليزي جون كيتس لا يقل عن إعجابي بإليوت" (1)،ويضيف الدكتور إحسان عباس في السياق ذاته:" والحقيقة أن السياب في بحثه عن منبع شعري يتلاءم وطبيعته ومنهجه وقع تحت تأثير كل من لوركا وأيديث ستيويل " (2)،ويقول في موضع آخر:"أما الشاعرة الإنجليزية – يعني ستيويل – فإن علاقته بها أقوى و أعمق ، وربما كان من الغريب أن تحتل أيديث ستيويل كل هذه المكانة في نفسه ، ...، وتحدث دائما عنها في إجلال بالغ ، وذهب يعلن في شيء من المباهاة أنه تأثر طريقتها في الشعر ، وقرنها دائما بإليوت ؛ليقول إن الشعر الإنجليزي الحديث عرف شاعرين عظيمين لا واحدا" (3)،أما القصائد الطويلة الغربية التي نود الإشارة إلى تأثيرها في شعرائنا الرواد فهي عديدة، لعل أهمها وأشهرها: الأرض اليباب ، والرجال الجوف لإليوت ، وأم ترثي طفلها لأيديث ستيويل، وملكة الجان لسبنسر، وعذابات شمشمون لملتون ، والبحيرة ل لامارتين إلى جانب قصائد لشيلي، وسان جون بيرس ، وكيتس، وغيرهم .
(1)عباس ،إحسان : بدر شاكر السياب:دراسة في حياته وشعره ، ط4، دار الثقافة،بيروت،1987 ، ص123.
(2)المصدر نفسه ، ص 251 .
(3)المصدر نفسه ، ص 254-255 .