منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - المناهج النّقديّة الحديثة وإشكاليّة القطيعة بين المبدع والمتلقّي العربيّ ..
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-11-13, 02:00   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
lakhdarali66
عضو متألق
 
الصورة الرمزية lakhdarali66
 

 

 
الأوسمة
مميزي الأقسام أحسن عضو لسنة 2013 
إحصائية العضو










افتراضي


على أنّنا نعتقد أنّ وراء هذه الوضعيّة المأزومة للنّاقد العربيّ عموماً، وغيابه-في الجملة-عن ساحة الفعل النّقديّ الفاعل في نصوص الكلام الحيّ فعلَه في حياة المجتمع الذي تعبّر عنه تلك النّصوص، أسباباً كثيرةً؛ ذاتيّةً وموضوعيّةً:
٢. ١. منها ما يعود إلى طبيعته هو نفسه، بما هو كائنٌ كينونته نصيّة، في الأساس، أي من حيث هو(النّاقد)كائنٌ يكون في عالم النّصوص، ويتكوَّن في عالم النّصوص.
٢. ٢. ومنها ما يعود إلى طبيعة العالم النّصيّ أو النّصوصيّ الذي يختاره الكائن النّاص/النّاقد ليكون فيه، أو ليتناصّ معه؛ فجميعنا يعلم أنّ نصوص الكلام التي يستهدفها النّاص النّاقد بفعله النّقديّ عموماً، ليست واحدةً، بل هي متعدّدةٌ ومختلفةٌ باختلاف وظائفها، وطرائق تشكّلها، أو باختلاف علائقها بمتكلّميها(مؤلّفيها) ووظائفها:
-فثمّة أوّلاً: نصوص تحكي واقع متكلّميها(ليس فقط كأفراد مفردة، بل كجماعات أو كأنوات جماعيّة) فهي تحكي قصّة سقوط متكلّميها في عالم الكلام المتكلَّم اجتماعيّاً أو تاريخيّاً، واستسلامهم لشروطه.
-وثمّة ثانياً: نصوص تحكي مفارقة المتكلّمين لواقعهم(تحكي قصّة الانسحاب والهرب عن عالم الواقع، لذلك فهي تحكي قصّتهم في عالم العزلة، حيث لا أحد إلاّ هم) ومن ثمّ، يصحّ وصف مثل هذه النّصوص بـ«نصوص- ما فوق الواقع» أو بـ«نصوص النّكوص والهرب» عن عالم الواقعس. في حين يمكن وصف الأولى بأنّها نصوص الواقع (أو نصوص البينونة/السّقوط في عالم الواقع).
-وثمّة ثالثاً: نصوص تحكي صراع المتكلّمين مع واقعهم(تحكي قصّة التّفاعل والجدل مع واقع الكلام) ويمكن وصف هذه النّصوص بأنهّا نصوص الكينونة /الجدل، أو نصوص المواجهة والصّراع.
-وثمّة رابعاً: نصوص لا تحكي ولا تحاكي، فهي صمّاء بكماء، لا تسمّي شيئاً، ولا تشير إلى شيءٍ؛ أو لا تتضمّن أيّة إحالة على أيّة مرجعيّة؛ داخليّة أو خارجيّة، لذلك فهي نصوصٌ مصمتةٌ؛ لا داخِلَ لها ولا خارجَ، وهذا يقتضي أنّها لا تسمّي شيئاً سوى وجودها الشّيئيِّ المُصْمَت هذا(iivx /ivx).
ومن هنا يمكن القول: إنّ وضع النّاقد العربيّ عموماً يختلف باختلاف العوالم النّصيّة التي يتحوّل إليها، ليفعل فيها ومن خلالها، وباختلاف طرائق حضوره في حضرة تلك العوالم، أو بالأحرى باختلاف درجة حضوره في حضرة أيّ من تلك النّصوص المشار إليها آنفاً، وباختلاف طرائق استحضاره لأيٍّ منها؛ فإذا تحقّق له الحضور في حضرة نصّ الواقع، فقد تحقّق له الحضور في حضرة الواقع عينه الذي يحكيه ذلك النّص أو يحيل عليه كمرجعٍ مباشرٍ له. وإذا تحقّق له الحضور في حضرة نصّ التّعالي على الواقع، فقد جسّد، بحضوره في حضرة هذا النّص، غيابَه عن عالم الواقع الذي يتعالى عليه ذلك النّص. وإذا تحقّق له الحضور في حضرة نصّ الصّراع والجدل مع عالم الواقع، فقد جسّد، بحضوره في حضرة هذا النّص، حضورَه في حضرة الواقع الذي يشتبك معه. وإذا تحقّق له الحضور في حضرة نصّ الغياب، فقد جسّد غيابه المطلق والشّامل عن عالم الواقع، كما عن عالم النّصوص، فاختلف-بذلك-موقف النّاقد حديثاً عن موقفه قديماً، من حيث إنّه ظلّ يمثّل قديماً دور الوصاية/الأبوّة على النّص(بوصفه نصّ المحاكاة والتّمثيل) الذي بقي مهيمناً في السّاحة الثّقافيّة العربيّة-وربّما العالميّة-حتى مطلع عصر النّهضة الأوربيّة، وظهور تيّارات جديدة مناوئة لهيمنة ذلك النصّ، ليُقَوِّمَ(النّاقدُ القديمُ) واقعَ النّص أو الواقع النّصيّ، على ضوء واقع الحياة التي يحياها خارج النّص، أي ليصدر حكماً معياريّاً على القيم النّصيّة في ضوء القيم(الخارج نصيّة) السّائدة في الواقع الذي يحكيه عالم النّص، وهي القيم ذاتها التي ظلّت تفرض شروطها على كلّ قيمة نصيّة، فكان تحوّل النّاقد إلى العالم النّصيّ إذن، لم يكن يهدف من ورائه إلى تحقيق أيّ شيءٍ يتعلّق به هو ذاته، بمعنى: لم يكن هدفه الكشف والاكتشاف؛ الكشف عن ذاته لاكتشاف إمكاناته، إضافةّ إلى اكتشاف نظام الكشف المعرفيّ عن الذّات وعن العالم، بل ظلّ يهدف إلى فرض وصايته على النّص، وتصحيح مساره النّصيّ، بحيث يضمن له تحقيق قدر من التّناغم والانسجام في العالم النّصيّ أو النّصوصيّ السّائد في مجتمعه، وهو ما اقتضى تقويم النّصوص، أو ما اعوجّ منها؛ عن طريق إصدار حكم إدانة عليها، وأنّها قد خرجت عن معيار النصيّة السّائدة، أو عن بعض مبادئ التّنصيص السّائدة في زمن قراءتها، مقابل إصدار حكم آخر لصالح نصوص أخرى بأنهّا قد التزمت بتلك المبادئ بهذا القدر أو ذاك.
لقد كان الهدف الرّئيس للنّاقد إذن تصحيح المسار النّصيّ، وإضفاء طابع الشّرعيّة على تلك النّصوص، ودمجها في العالم النّصوصيّ لمجتمعه، لقد كان النّاقد القديم إذن يمارس دور الوصاية/الأبوّة/السّلطة، ليس فقط على نصوص الكلام التي صارت مع تقادم الزّمن، واتّساع المسافة بينها وبين مؤلّفيها، نصوصاً يتيمةً؛ كونها قد فقدت أبوّة مؤلّفيها، أو صارت بالأحرى، دون «أبٍ» يدفع عنها شرور القراءة السّيئة. بل ظلّ يمارس سلطته على كلّ منتجي النّصوص من الشّعراء والمبدعين أو الفنّانين الذين مجال إبداعهم الكلام، أو مادّة إبداعهم اللّغة؛ باعتبار أنّ النّاقد هو ناقد لكلّ الفنون القوليّة أو التّشكيليّة: شعر، موسيقى، رسم، أو نحت ...إلخ(iiivx) .
وهو ما يعني أنّ النّاقد القديم لم يعد ينظر إلى النّص كغاية في ذاته، بل فيما يؤدّي إليه من نتائج على مستوى السّلوك الإنسانيّ، فما هو مهمّ(بالنّسبة للنّاقد) هو السّلوك الإنسانيّ(النّاجم عن الخطاب الأدبيّ)، وليس الخطاب الأدبيّ نفسه(xix)، أي أنّ مركز الفعاليّة النقديّة القديمة لم يكن النّص أو الخطاب في ذاته، بل ما يترتّب عليه أو ما يحدثه النّص أو الخطاب من أثر سلبيّ في الجمهور المتلقّي.
وإذا كان هذا حال النّاقد قديماً، فإنّ حال النّاقد حديثاً قد اختلف، على الأقلّ، من حيث إنّ النّص قد بات هو الذي يشغل مركز الفعاليّة النّقديّة المعاصرة، فلا تنصبّ عناية النّاقد الرّئيسة على ما يبديه الجمهور من سلوك إزاء النّص، بل على(دلالة النّص) نفسه التي تشي بها لغته، ولا تكمن فاعليّة النّاقد المركزيّة في سنّ معايير للمضمون الأخلاقيّ للأعمال الأدبيّة، أو في تقديم نصائح للمؤلّفين الذين يرومون إنتاج عمل جديد، بل في تأويل النّص نفسه، والكشف عن دلالاته الممكنة (xx).
وعلى الرّغم من أنّ وصف خبرة النّاقد المعاصر قد أخذ يتغيّر مع كلّ عمليّة قراءة للنّص، وعلى الرّغم ممّا يقال من أنّ النّص قد بات يستنفد نفسه أو يتوارى، وأنّ القارئ المعاصر قد بات يكتب نصّه الخاصّ، فإنّ النّاقد لا يزال يمتثل لتقليد في القراءة يتّخذ من النّص المفرد الواحد وحدة معياريّة للتّأويل، وقد يكون للنّص مجرّد ظلّ، إلاّ أنّه ما يزال يفسح عن طريق المواضع، الفضاء الذي بضمنه يؤدّي ناقد دوره(ixx) لذلك فقد بقي هذا النّاقد يعاني-في الأعمّ الأغلب-حالة من الانكفاء والعزلة أو من حالة الصّمت الرّهيب الذي بات يلفّ حياته، تماماً كما يلفّ حياة المبدع العربيّ عموماً، على نحو أدّى إلى غيابه عن ساحة الفعل النّقديّ الفاعل في السّاحة الثّقافيّة العربيّة، وانزوائه في عتمة النّص المغلق(عن وعي القارئ العربيّ العاديّ على الأقلّ)، ما أدّى إلى عزلته عن أفق التّناصّ الحقيقيّ مع نصوص الواقع الحيّ بكافّة أشكالها وتجلّياتها، أو مع نصوص المجتمع الذي ينتمي إليه، ويفترض أنّه يعبّر عن وعيه الممكن أو الطّليعيّ.
وإذا صحّ القول، عن الكائن النّاقد قديماً: إنّه قد بقي-في الأغلب الأعم- في أسر نصّ الثّقافة/ القراءة النقديّة السّابق في الوجود على وجوده القارئ-بوصفه النّص الذي ظلّ يفرض سلطته على كلّ قارئ ومقروء لاحق- فإنّه يصحّ القول عن الكائن النّاقد حديثاً: إنّه وإنْ تعدّدت أكوانه النّصيّة القرائيّة والمقروءة على نحو غير مسبوق، إلاّ أنّه قد بقي هو الآخر أيضاً- في الأغلب الأعمّ-في أسر نصّ القراءة النقديّة المنهجيّة الجاهز، بوصفه النّص الذي بات يفرض شروطه على كلّ مقروء وقارئ؛ سابق أو لاحق، وهذا يقتضي أنّ هذا الكائن قد بات متحقّق الكينونة أو كائنَها في نصّ الاستلاب، أو في نصّ القراءة المنهجيّة المبرمجة، أي الخاضعة لشروط المنهج النقديّ المحدّد الذي يلتزم به النّاقد، بآليّاته وأبعاده المحدّدة. ما يعني أنّه(الكائن النّاقد) قد بقي حديثاً، كما كان قديماً، كائناً متحقّقَ الكينونةِ في نصّ البرمجة السّابق في الوجود على وجوده النّقديّ المبرمج، وقلّما رأيناه كائناً متحقّق الكينونة في نصّ الوجود النّصيّ الكلّي المفتوح على الواقع وما يعلو عليه أو يحقق مسعى تجاوزه، وهو ما عمّق من الأزمة القائمة بين المبدع والقارئ العربيّ.
هوامش البحث:
i (ينظر في هذا: صمّود(حمّادي): من تجليّات الخطاب الأدبي، دار قرطاج للنشر والتوزيع، ط اولى ١٩٩٩م:106وما بعدها.
ii (ينظر: نفسه:108).
iii (ينظر: نفسه).
vi (ينظر: نفسه).
v (نفسه:109).
iv (ينظر: أيو زيد(نصر حامد): النّص، سلطة الحقيقة، المركز الثّقافيّ العربيّ، بيروت، ط٢، 1997م: 63، 64).
iiiv (ينظر: تجليّات الخطاب الأدبيّ، مرجع سابق:123، 124).
xi (نفسه:124).
x ينظر: عبد المطّلب(محمّد):في حوار أجرته معه قناة التّنوير المصريّة حول قصيدة النّثر في الخامس عشر من فبراير:2003م.
ix يجب الإشارة هنا إلى أنه قد ظهر أخيرا بعض القنوات الفضائية التي بدأت تلعب مثل هذا الدور الغائب، على الأقل بالنسبة لفن الشعر.
iiix (فن بدون نقاد ونقاد بدون قراء، ما هو النقد؟ بول هيرنادي، تر/ سلافة حجاوي، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، ط١، 1989م: 187).
vix ينظر: نفسه: 188.
vx (ينظر:نفسه:189)
ivx والأوّل هو نصّ الكلام الواقعيّ(الكلاسيّ) الذي طغى قديماً حتى مطلع عصر النّهضة، والثّاني هو نصّ الكلام المفارق للواقع أو الـ«فوق واقعيّ» (الرّومانسيّ) الذي ظهر في بداية عصر النّهضة، كردّ فعل على هيمنة النّص الأوّل الكلاسيّ، والثّالث هو نصّ الاشتباك المباشر مع الواقع القائم، في حضوره العينيّ المباشر(ويتمثّل في نصّ الكلام الحداثيّ) الذي جاء كردّ فعلٍ طبيعيٍّ على هيمنة نصّ التّعالي الرّومانسيّ، أمّا الرّابع فهو نصّ اللاّنص، أي أنّه النّص الذي لا ينصص أيّ شيءٍ سوى ذاته، أو غياب النّص الذي بدء في الظّهور مع ظهور تيّار ما بعد الحداثة، كردّ فعلٍ طبيعيٍّ على تيّار الخطابيّة والنّصيّة الذي طغى مؤخّراً.
iiivxينظر: تومبكنز (جين.ب): نقد استجابة القارئ، من الشّكلانيّة إلى ما بعد البنيويّة، تر: حسن ناظم وآخرون، المجلس الأعلى للثّقافة، القاهرة، ط١، 1999م: 345.
xix (نفسه:344).
xx (نفسه).
ixx (نفسه).










رد مع اقتباس