منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الدَّالَّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ
عرض مشاركة واحدة
قديم 2021-02-07, 05:33   رقم المشاركة : 173
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اخوة الاسلام

السلام عليكم ورحمة الله و بركاته

مفهوم "البرِّ" في المنهج القرآني

مفهومٌ كبير، وحقيقةٌ واسعة تسع بشموليَّتها كينونةَ الإنسان

وحقائقَ الكون، وأسرارَ الحياة، وتعاليمَ الشريعة.

إنَّ هذا المفهوم - كما سيتبيَّن لاحقًا إن شاء الله، عزَّ وجلَّ -

في المنهج القرآنيِّ، هو منهجُ حياة إنسانيَّة فاضلة

تربط الإنسان "البارَّ"

بروابطَ دقيقةٍ وعميقةٍ بكل كائنات الوجود

وأشيائه، وأحداثه، ومشاهده

ومن ثَمَّ يكون الإنسان "البارُّ"

هو وحدَه الإنسان الذي استطاع - بتوفيق من الله، عزَّ وجلَّ -

أن يرتقي بمشاعره النفسيَّة، ومداركه العقليَّة

وفاعليَّاته التطبيقيَّة إلى مستوى التكريم الإلهي

الذي أنعم به عليه يوم أَذِن له في دخول هذا الكون الفسيح

فلا جرمَ أنَّنا عندما نتحدث عن "مفهوم البِرِّ في القرآن"

فكأننا نتحدث عن مفهوم الإسلام.

ولقد يَجمُل بنا - قبل الخوض في مفهوم "البر"

في الرؤية القرآنيَّة - الحديثُ عن مفهومه في العرف اللُّغوي

وما ذاك إلاَّ لأنَّ هذا القرآن نزل بلسان العرب

ومن ثَمَّ لا جرم كان لزامًا - لأجل الفهم السديد

أو على الأقل لأجل محاولة ذلك -

العودةُ إلى لسان العرب لمعرفة مفردات القاموس القرآني.


مفهوم "البر" في العرف اللغوي:

إذا رجعنا إلى معاجم اللُّغة

ستجد أنَّ مفردة "البِرِّ" تحمل الكثير من المعاني


خلاصتُها: معنيان اثنان هما:

الأوَّل: الصدق.

الثاني: الإحسان.

والإحسان هنا لا يقتصر على إنفاق الدرهم والدينار

أي: على العطاء المادي فحسب

كما هو شائع في أذهان الكثير من الناس

وإن كان ذلك جزءًا مهمًّا في رسم حقيقته

بل هو مفهوم شامل واسع لكلِّ العَلاقات

التي تربط الإنسان بغيره من الأشخاص والأشياء والأحداث

وكذا مفهوم الصدق لا يقتصر على القول المطابق للواقع

أي: على الفعل الخارجي فحسب

وإن كان هذا مظهرًا مهمًّا في ترجمة تلك الحقيقة

بل هو مفهوم يشمل فعاليات الحقيقة الإنسانيَّة كلِّها

وهي تتفاعل مع حقائق الوجود

من أشخاص وأشياء وأحداث ومشاهد.


وإلى هنا نصل إلى النتيجة التالية:

الصدق والإحسان: هما ركنا مفهوم البر في العرف اللغوي.

وبعد هذا، دعْنَا - أكرمكم الله -

لنفهم الحقيقة العميقة التي يضمرها مفهوم "البر"

من حيث الوضعُ اللُّغوي

1- تحمل مفردة "الصدق" من وضعها اللغوي المعنيَيْن التاليَيْن:

أ) القوة في الشيء: من حيث إنَّ صاحبَه لا يخشى أحدًا

وهو يتعامل مع هذا الشيء الذي هو قويٌّ فيه.

ب) الإخلاص في التزام الشيء: من حيث إنَّ صاحبه

لا تخالطه أدنى شائبة من الشوائب المفسدة

وهو يمارس مظاهر الالتزام بهذا الشيء

وهذان المعنيان متلازمان

بمعنى أنَّ أحدَهما يُنتِج الآخر ضرورةً

وهما: المعنى الذي تسمعه من أنَّ الصدق ضدُّ الكذب


2- أما مفردة "الإحسان" فتحمل في وضعها اللغوي

كذلك معنيين اثنين:


أ) الإتقان: من حيث إنَّ صاحبه يمارس الفعل بصورة مُحكَمة

ولا يدع أيَّ ثغرة في ممارسته لهذا الفعل لشدَّة حَذْقِه في ذلك.

ب) الجمال: من حيث إنَّ صاحبه يمارس الفعل بصورة جميلة

بكلِّ خصائصها ومقوِّماتها

أي: إنَّه يرتقي في ممارسة الفعل إلى مستوى الكمال

لأنَّ مفردة الجمال تحمل معنى الجمع والضم

ومعنى الحسن والبهاء، وذلك هو معنى الكمال

وهذان المعنيان متلازمان كذلك ضرورة

بمعنى أنَّ أحدهما ينتج الآخر.


إذن فهذه المعاني الأربعة -

القوَّة، الإخلاص، الإتقان، الجمال -

هي الحقائق الكبيرة التي تكتنِزُها مفردة "البر"

في مفهومها العميق وتحليلها الأخير في وضعها اللغوي.

وهي – ولا شك - معاني لها دلالاتها المعبِّرة

وإشاراتها الموحيَة

من حيث علاقتُها بمفردة "البر" الموضوعة

في سياق النصوص القرآنيَّة.


وإلى هنا نستخرج النتيجة التالية:

القوَّة، الإخلاص، الإتقان، الجمال:

هي أعمدة مفهوم البر في اللسان العربي.

ولكم- أكرمكم الله - أن تُحلِّل هذه المفردات الأربعة

عسى أن تستنبط حقائق أُخَر لها عَلاقةٌ بمفهوم "البر"

ووشيجةُ ما بِبِنْيَتِه النفسيَّة والعقليَّة والحضاريَّة.


على أنِّي أودُّ أن أُنبِّهكم - أيُّها الأخوة الافاضل

- إلى معنى آخر، تلك هي القواسم المشتركة بين مفردة "البر"

في اللغة من حيث حركاتُها اللغويَّة

أعني مفردة "البِرِّ" بالكسر، وهي ما نتحدث عنه

وهي تفيد معنى الاستقامة النفسيَّة

ومفردة "البَرِّ" بالفتح، وهي الأرض

وتفيد معنى الثبات والاستقرار

ومفردة " البُرِّ" وهي المادة المأكولة -

أي: القمح - وهي المفيدة معنى النمو والارتقاء

فانظروا - أرشدكم الله - كيف أن حقائق: الاستقامة

الثبات والاستقرار، النمو والارتقاء تشترك بينها جميعًا

من حيث إن الإنسان البارَّ مستقيمٌ في مشاعره النفسيَّة

ومداركِه العقليَّة، وفاعليَّته التاريخيَّة

ثابتٌ على حقائق المنهج الرَّباني لا يزيغ مع جواذب الانحراف

وهواتف الجاهليَّة؛ لتكون النتيجة الدائمة هي النموَّ والارتقاء الدائم

سواء في مشاعره الباطنية، أم في تأملاته المعرفيَّة

أم في ممارساته في عالم الواقع

فهو في نمو وارتقاء أبدًا نحو الحقائق العليا، والآفاق الفسيحة

والعوالم المجهولة، فاعْجب - إنْ كنتم تعجبوا - لهذه اللغة البديعة.

ويبدو لي أنَّ تلك المعاني

الاستقامة، الثبات، الارتقاء هي حقيقة الكينونة الإنسانيَّة

كما فطرها الخالق - جلَّ وعزَّ -

وكما يرضى بها الله - جلَّ جلاله - والله أعلم.

وهكذا تكون الخلاصة العامة لمعاني هذه المفردة الكبيرة

هي: القوَّة، الإخلاص، الإتقان

الجمال، الاستقامة، الثبات، الارتقاء.



اخوة الاسلام

و لنا عودة ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

من اجل استكمال الموضوع