منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - التّعريف بفنّ القصّة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-11-25, 21:20   رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
زيتوني محرز
عضو مشارك
 
الأوسمة
وسام الإبداع 
إحصائية العضو










افتراضي قصة جديدة : صوت من الذاكرة

صــــوت مــن الذاكــــــــــرة

يبدأ العداد ،، دقات قلبي مضطربة ، أحس بالخوف ، تملأني المأساة ، رباط العنق يشدني إلى ذاتي شدا ، يد باردة تربت على كتفي ، التفت ، لا أعثر على أحد ، يزداد فزعي، تختلط الأصوات الآدمية و أصوات الأجراس في ذاكرتي ، تتراقص الأشباح أمام ناظري، أبصر وجوه كل الذين أعرفهم وقد كساها السواد ، تتقشر بشرتهم من فرط الألم الذي يمزق أضلعهم ،، أصرخ ، أمد يدي إلى صوت استغاثتهم، أقبض على الريح ، أبحلق في المجهول ، أجري ، أقف ،، أدور ،، أسقط ،،أنهض ،، أركض،، و تضيع كل الحركات الإرادية فأصبح كديك ينوس من شدة الألم ،، تسقط القاذورات على رأسي ، أرفع بصري إلى أعلى ، رداد الأوساخ قادم من شرفة العمارة : ألعن الزمن الدوار ، أتذكر كل هذه المساحة التي انتصبت فيها العمارات الشاهقة كانت في وقت ما أرضا زراعية تدر على مالكيها أرباحا جمّة : يوم جاء- الكولون - بكلابهم المدربة على نهش لحوم إخوانهم – الكلاب – كما كانوا يسموننا ، يوما وقف جدي ،، آه نعم جدي ، أتذكر الآن ملامح وجهه جيدا ، ضيق العينين ، دقيق الأنف ، تنزل على جبهته شعرات بيض ترقص على أنغام الريح ، كـان وجهه صلبا أو قل قاسيا و قد استمد ذلك من قسوة الأيام و غطرستها ،، نعم ، وقف جدي و معه كل أبناء القرية النائمة في حضن الجبل ، رأيته يتمرغ في التربة و يقسم أن لا يتركها لهؤلاء الغرباء ، كان موقفا مؤثرا أبكانا جميعا ، و لحق به نفر من صناديد القرية ،، آه ،، يكاد رأسي ينفجر كلما تذكرت ذلك الحادث ، أحس بالدم العاتم يغزو قلبي و يحتل مساحة وجهي معلنا غضبي و حنقي ،، كانت الكلاب تنهش لحم – محبي الأرض – ثم حملوهم إلى الثكنات في سيارات – الجيب – و لم يمض أسبوعا حتى علمنا أن أجسادهم تعانق ميــاه أحد الآبار القريبة من القرية ، أما أرواحهم فبقيت تحوم حول الأرض في انتظار من يأخذ بثأرها كفراشات تطحلبت على بتلات زهرة ربيعية تمتص رحيقها و تعلن وجودها و حياتها ،،
أمسح عن عيني القذى ،، أنظر إلى هذه العمارات و قد زينت بألوان زاهية من الأقمشة فأصبحت كصورة فقدت إطارها فاختلطت ألوانها و تناشزت ،، أبصر مئات الرؤوس المدلاة من الشرفات ، كلها تطلبا شيئا ، تبرز الآباط وتنطلق الروائح الكريهة و تنزل الأوساخ كوابل من السماء فتشكل البرك و المستنقعات في الأسفل ، تحتل أسراب - الناموس – و بعوض الأنوفيل - هذه المساحات ، أحوقل ، استغفر الله من الزمن الغدار الدوار ، أجري ، رنين السيارات يجبرني على اقتفاء الرصيف ، أحشر نفسي مع الجموع الحاشدة المتزاحمة ، أحس بوخز الأقدام المتدلاة على أعمدة – الرصيف - ، يعترضني فوج من بناء حواء ، حركاتهن سريعة مضطربة كجيش منهزم وراءه جيش – الحجاج – بنظراته السوداء و سراويله المضغوطة و شعره المتجعد المتدلي على الأكتاف العريضة التي ملّت التسكع و الراحة ، أحوقل ، أهمس مع نفسي ،،- وذلك اضعف الإيمان - ،أتذكر مسرحية كانت قد عرضت في إحدى الحفلات المدرسية و هزني الحوار الذي دار بين تلميذين ، أتذكر ذلك جيدا و موجة التصفيق التي رافقته :
-لو أصبحت غنيا ، ماذا تشتري ؟!
-آه ،، وقتها سأشتري بقرة سمينة!
-آه ، إنه يقول بقرة ، ياله من غبي ! ! ، أما أنا فإذا أصبحت غنيا سأشتري سيارة.
-آه ،، آه .
-لماذا تضحك ؟!
-آه ، آه سيكون منظرك مضحكا غريبا و أنت تحلب السيارة .
ابتسم رغما عني ’ سألت نفسي : كم من شاب سيحلب سيارته عام 2010 ؟! أركض من جديد رغم ثقل الزمن الذي ضغط على رجلي فأجبرني على –التعرج-، أتحسس العرق البارد المتصبب من جسدي ، أرتطم بالأرض يتجدد النزيف .. يعاودني الغثيان ، أرتطم على الأرض .
صوت يأتيني من بعيد ، رغما عني يدخل الأذن عنوة ، عدد من الأطفال يحيط بي ، ربما أعتبر في نظرهم مجنونا أو معتوها ، يسألني أحدهم :- ما هو أجمل شكل هندسي ؟! – تذكرت أنه سمعه من بطل إحدى المسلسلات التي عرضت سابقا ، ولا شعوريا نطقت : / الدائرة : لأن نقطة البداية هي نقطة النهاية /يقهقه الجميع ، أحس بالانقباض ، اختنق ، مازال الصوت يتردد على مسمعي رغم إعراضي عنه :/هذا قليل في الثمانين ،،ياويح اللي عاش لعام ألفين ، نأكل لحم بني آدمين و إلا الحجر و البلاتين .. / .
تهزني هذه الكلمات ، أحاول القيام ، تشدني المأساة إلى الأرض ، يساعدني أحد الشباب على القيام ، أشد على يده في قوة و إصرار ، أصرخ بكل قواي :/أنتم الأمل ،، أنتم الأمل ../ ثم أسقط أرضا ، أتلمس الدم المتفجر من أعماقي أحس بلُزُوجة طاغية ، أصرخ ثم .... أهب من فراشي فزعا ،، استغفر الله ، ثم ارفع يدي في دعاء لا ينتهــي.










رد مع اقتباس