منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الحضارة الفارسية
عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-04-26, 13:47   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
فتاة مميزة
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية فتاة مميزة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

‌ب- الجاسوسية
1- العيون
اتخذ ملوك فارس في حربهم وسلمهم، في داخل مملكتهم وعلى حدودها، عيونًا لهم لتنسم الأخبار، وجمع المعلومات لما في ذلك "من منفعة لخاصة أنفسهم وعامة رعيتهم". ولقد أسدى أحد الحكماء نصيحة لأنوشروان، إعتُبِرت من "السياسات الملوكية"، تضمَّنت :"إذكاء العيون في الثغور ليَعْلمَ ما يَتَخَوَّف منه، فيأخذ له أُهْبَتَهُ قبل هجومه"(56).

2- الأسرى
أفاد الفرس، في حروبهم واقتصادهم وعمرانهم من بعض الأسرى الذين قاموا ببناء المدن كمدينة اصطخر، وإنشاء السدود واستصلاح الأراضي في العراق وزرعها بمزروعات جديدة. ونظّم ملوك الفرس أسراهم في وحدات عسكرية أطلقوا عليها اسم "وحدات المرتزقة"، واستخدموها في حروبهم. كما أفاد الفرس من معلومات أسراهم عن بلادهم الأم وبخاصة فنونهم العسكرية إلى درجة "أن الفروق الأولى بين الفن الحربي عند الإيرانيين وعند الروم البيزنطيين قد زالت قليلاً قليلاً حتى صارت النظريات الحربية عند الأمتين واحدة تقريبًا"(57).

3- الجواسيس
إتخذ الفرس الجواسيس كعناصر قتالية لكشف خطط العدوّ ونواياه ومعرفة جواسيسه وعيونه، كما كلِّفوا معرفة معارضي الدولة في الداخل وكشف مناوئيها. ويصف تنسر نظام التجسس الذي نظَّمه الفرس الساسانيون بقوله: "إنّ الملك قد نَصَّبَ على أهل المملكة الجواسيس والمُنهين، وإنّ الناس منهم في رعب وحيرة. فاعْلَمْ أنّه لا خوف على الأبرياء والمخلصين من هذا، فإنّ عيون الملك والمنهين إليه لا يُعَيَّنون إلاّ إذا كانوا من الصالحين الأتقياء الأمناء العلماء المتديّنين الزاهدين، ليَصْدُرَ ما يعرضون على الملك عن ثبت ويقين"(58). ويبدو أن نظام الجاسوسية كان ثقيلاً ومخيفًا فجاءت تطمينات الدولة بأن المكلفين هذه المهمة من ذوي الأمانة والضمير الحيّ، يكتبون عن الناس بالحق، وقد عبّر عن ذلك تنسر بقوله: "يجب أن يَتَنَبَّه الملك فلا يستمع لمن لا يعتمد عليه ولا يوثق به"(59).

واهتم ملوك الفرس بجمع المعلومات عن إداراتهم وشرائح شعبهم في مختلف أنحاء فارس، "فكانت الحكومة المركزية ترسل المراقبين يراقبون الإدارات المحلية، وقد دعي هؤلاء عيون الملك وآذانه(60). فكان المراقبون ينظمون التقارير عن مشاهداتهم، ويرفعونها إلى الإدارة المركزية لدراستها.
وطال نشاط جواسيس الفرس بلاد الروم فقد استفاد الأكاسرة من نصارى إيران ونجحوا في إطلاق بعضهم إلى داخل بلاد الروم وجمع المعلومات عنها، وينقل كريستنسن "إن عيشوييه، الذي عيّن جاثليقًا برضى الملك، كان مُقَرَّبًا جدًا عنده وكان يؤدي إليه خدمات طيبة إذ يوقفه على حركات البيزنطيين"(61). وبالمقابل يبدو أن الروم إستفادوا كثيرًا من النصارى المنتشرين في فارس إلى حد جعل هرمز ملك الفرس يقول: "لا قِوام لملكنا ولا ثبات له، مع استفسادنا من بلادنا من النصارى وأهل سائر الملل المخالفة لنا"(62).

‌ج- الإستطلاع
قام الفرس بعمليات الإستطلاع والإستعلام، وأرسلوا السرايا الإستطلاعية، ليس بهدف القتال فحسب، وإنما بهدف جمع أخبار العدو ومعرفة ما عزم عليه. وكانت مهمة الإستطلاع توكل إلى مقدمة الجيش وطلائعه، وفي هذا السياق يشير الطبري في روايته لمعركة القادسية الى أن رستم قائد الفرس "أمر الجالنوس قائد مقدمته بالتقدم الى الحيرة، وأمره أن يصيب له رجلاً من العرب. فخرج هو والآزاذمرد سرية في مئة حتى انتهيا الى القادسية، فأصابا رجلاً... فأختطفاه(63).
وكان القائد الفارسي يقوم بمهمة الإستطلاع بنفسه في أحيان كثيرة، ويذكر الطبري أن سابور في لقائه بجيش الروم بقيادة لليانوس قرر إستطلاع مقدمة لليانوس بنفسه بعد "أن اختلفت أقاويل العيون في ما أتوه من الأخبار عن لليانوس وجنده، فتنكّر سابور وسار مع ناس من ثقاته ليعاين عسكرهم فوجّه رهطًا ممن كان معه ليتحسسوا الأخبار ويأتوه بها على حقيقتها"(64).

‌د- نظام الدِّفاع عند الفرس
1- نظام الثغور
قسّم الفرس بلادهم إداريًا وفق مباديء تخدم نظامهم الحربي. وفي هذا الإطار يشير المسعودي إلى توزيع مسؤولية الإدارة "وتدبير الملك" بين أربعة أصبهبذين "الأول بخراسان والثاني بالغرب والثالث ببلاد الجنوب والرابع ببلاد الشمال"(65). ومما لا شك فيه أنّ الطابع الجغرافي لتقسيمات المسعودي أوجد في كتاب تنسر ما يفسّره من الناحية العسكرية حين يذكر صراحة أهمية الثغور التي تعيش إشتباكات دائمة مع الأعداء ويحدِّدها "ألان وناحية المغرب وخوارزم وكابل"(66) كما يشير إلى رفعة مكانة أصحابها ومكافأتهم بمنحهم لقب ملك.

2- نظام النقاط الحصينة
إهتم الفرس بإقامة الحصون، وبناء القلاع، وترتيب المقاتلة في الثغور، وفق خطة مدروسة تؤمن لهم الدفاع عن الحدود ورد العدوّ في حال اجتياحه البلاد.
وتشير المصادر التاريخية إلى أن شبكة من القلاع والحصون كانت تلفّ حدود فارس، "وكان كل واحد بينه وبلد العدو درب وعقبة"(67). ومن الحصون القوية، تحصينات "دربند أَجَلّ موانيء بحر قزوين"(68). ويصف قدامة، سور دربند وأهميته العسكرية بقوله :"واقام أنوشروان لبناء الحائط فبناه وجعله من قبل البحر... إلى أن ألْحَقَهُ بالجبال. فلما فرغ من بنائه علَّق على المدخل أبواب حديد ووكّل بها مئة فارس يحرسون الموضع بعد أن كان محتاجًا إلى خمسين الفًا من الجند وجعل عليه دبابة"(69). ويشير قدامة إلى حصن قزوين ويسمى بالفارسية كشوين. و"بينه والديلم جبل ولم تزل فيه للفرس مقاتلة من الأسوارية يرابطون فيه ويدفعون الديلم(70)".
وأقام الفرس حصونًا في البحرين، ويذكر الطبري في هذا السياق "المشقَّر وهو حصن حياله حصن يقال له الصّفا، وكان الذي بني المشقر رجلاً من أساورة كسرى"(71).

وكان ملوك الفرس يشحنون هذه الحصون بالمقاتلة، فانتشرت الحاميات العسكرية في هذه النقاط الحصينة من الحدود. ويبدو أنَّ نظام خدمتهم كان قاسيًا لارتباطه بحالة الحرب والتوترات الدائمة مع الدول المجاورة لفارس ما أبعدهم عن عائلاتهم مدة طويلة، وهذا ما خلق حركات تململ واضطراب في صفوفهم أضرَّت بالجيش وتماسكه، وعبّر عن هذه الحالة الملك أبرويز في رسالته القاسية إلى أبيه كسرى التي تضمَّنت مضبطة اتهام له شملت إساءته في تدبيره الملك ومنها "تجميره من جُمِّر في ثغور الروم وغيرهم من الجنود، وتفريقه بينهم وبين عائلاتهم"(72).

3- نظام الدولة الجاهزة
يتَّفق المؤرخون العرب على قيام إمارة عربية، في الحيرة وراء نهر الفرات، تبعت نهائيًا للدولة الساسانية بعد فترة عداء عنيف لقبائل العرب في عهد ملك الفرس "سابور ذي الأكتاف" الذي "أفشى فيهم القتل وسفك فيهم من الدماء سفكًا"(73). وانتهز العرب فرصة للإنتقام منه، بمساندة ملك الروم عليه، "فاجتمع في عسكر لليانوس من العرب مائة ألف وسبعون ألف مقاتل"(74).
ويبدو أنَّ قوة العرب العسكرية كانت حاجة لدولة الفرس وعنصرًا أساسيًا في تنظيم خططهم الدفاعية، فرأى ملوكهم استثمارها لمصلحتهم بحيث تصبح "حصن الملك حيال العرب الرحّل"(75). وقد أسدت هذه الإمارة خدمات عسكرية للفرس في حروبهم مع الروم، فكانت كتائبها "الدوسر" و"الشهباء" و"الوضائع" و"الصنائع" "والرهائن" تعمل ضمن سياسة الفرس الحربية، وإستغل أمير الحيرة هذه السياسة "فكان يغزو بها بلاد الشام ومن لم يَدِنْ له من العرب"(76). ولعل ما يشير إلى أهمية هذه الإمارة العسكرية في سياسة الفرس الحربية، أن الأكاسرة حافظوا لأمراء الحيرة على لقب ملك أسوة بأصحاب الثغور وحكام ولايات أطراف الدولة وفق ما جاء في كتاب تنسر: "وكل من يجيء إلينا مقدمًا فروض الطاعة لن نخلع عنه لقب ملك ما دام يمضي مستقيمًا على طريق الخضوع"(77).

‌هـ- نظام حصار الحصون
عرف الفرس فن حصار الحصون وفتحها، وينقل ابن قتيبة عن كتابهم المعروف "بالآيين"، أن أول مبادئ الحصار كان القيام بعمل استخباراتي مرفقًا بحرب نفسية "لاستمالة من يقدر على استمالته من أهل الحصن ليظفر منهم بخصلتين إحداهمـا اسـتنباط أسرارهم والأخرى إخافتهم وإفزاعهم بهم، وأنْ يدُسَّ بينهم من يُصغِّر شأنهم ويُويَئِّسهم من المدد"(78). واستخدم الأكاسرة في عملية الحصار جميع صنوف المقاتلين ووسائل الحصار، وينقل كريستنسن وصفًا حيًا لحصار آمد وسقوطها بيد الفرس فيقول: حوصرت المدينة بخمسة صفوف من الجند الدارعين،... وانتشر الفرسان ذوو الدروع وكان مع هؤلاء صفوف من الفيلة"(79). واستخدم الفرس وسائل هندسية خاصة للحصار منها "سلالم لتسلُّق الأسوار ومواضع ينصب المنجنيق عليها ومواضع تُهيَّأ العرّادات لها ومواضع تُنقبُ نقبًا"(80).










رد مع اقتباس