روحيَّةُ الكلامِ المكتُوبِ يا صَديقي هيَ وَحدها الّتي تجعلُ الكتابَ عالماً منْ العوالم ، يحملُ دُنيا مُستقلةً وإن كانَ هوَ يُحمَلُ في اليدِّ ،
ولن يستطيعَ مؤلفٌ أن يخلقَ في كتابهِ هذهِ الرُّوحيَّة، بَلْ يبثُّها القارئُ فيها ، يقرأُ من ذاتِ صدرهِ أو ذاتِ نفسِهِ :
فلا بدَّ للمؤلِّفِ النَّاجحِ من ثلاثٍ: نوعُ الكتّابةِ، ونوعُ الأُسلوبِ، ونوعُ القراءةِ ؛
ومتّى أَصابَ هذهِ الثَّلاث التأمَ قليلهُ بالكثيرِ ، واجتمعتْ فصولهُ بالحوادث ؛
وتلبَّستْ كلماتُهُ بالأعمالِ ، ووجدَ من قرّائهِ تفسيراً لكلِّ ما يقولُ ؛ فإذا هوَ قدْ ارتفعتْ بهِ الحالُ ،
فلم يعد كاتباً ينتظرُ قرّاءَهُ بَلْ نبيّاً ينتظرُ المُؤمنينَ بهِ ؛
لأنّهُ خارجٌ من إِحدى نواحي القُلوب، وراجعٌ إِلى القُلوب مِنْ ناحيةٍ أُخرى .
_الرّافعي [ أوراق الورد
]