منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - إشكال حول قول يوسف عليه السلام : اذكرني عند ربك ؟!
عرض مشاركة واحدة
قديم 2020-02-07, 17:23   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










B18



ثالثاً :

أما قول يوسف عليه السلام لصاحبه في السجن : ( اذكرني عند ربك ) ، فليس هذا من ربوبية العبادة ، بل هو من ربوبية الملك والتصرف .

قال الفيروزآبادي : " رب كل شيء : مالكه ومستحقه وصاحبه ... ولا يقال الرب مطلقا إلا لله تعالى المتكفل بمصلحة الموجودات ، وبالإضافة يقال لله تعالى ولغيره ، نحو : رب العالمين ، ورب الدار " انتهى .

"بصائر ذوي التمييز" (3/29) .

وقال الراغب الأصفهاني :

" ويقال : رب الدار ، ورب الفرس : لصاحبهما ، وعلى ذلك قول الله تعالى : ( اذكرني عند ربك ) انتهى .

المفردات في غريب القرآن (186) .

ومراد الراغب رحمه الله :

أن إطلاق الرب في الآية جائز ؛ لأنه الرب هنا مضاف إلى صاحبه ، وليس ربا على جهة الإطلاق ، فهذا لا يجوز إلا لله تعالى .

لكن يشكل عليه أنه نهي عن مثل ذلك ، كما في حديث أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ أَطْعِمْ رَبَّكَ ، وَضِّئْ رَبَّكَ ، اسْقِ رَبَّكَ ، وَلْيَقُلْ : سَيِّدِي ، مَوْلَايَ ، وَلَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ : عَبْدِي ، أَمَتِي ، وَلْيَقُلْ : فَتَايَ وَفَتَاتِي وَغُلَامِي )

رواه البخاري (2552) ، ومسلم (2249) .

قال النووي رحمه الله :

" قال العلماء : لا يطلق الرب بالألف واللام ، إلا على الله تعالى خاصة ، فأما مع الإضافة فيقال : رب المال ، ورب الدار ، وغير ذلك

ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح في ضالة الإبل : ( دعها حتى يلقاها ربها ) والحديث الصحيح ، ( حتى يهم رب المال من يقبل صدقته ) ،

وقول عمر رضي الله عنه في الصحيح : ( رب الصريمة والغنيمة ) ، ونظائره في الحديث كثيرة مشهورة .

وأما استعمال حملة الشرع ذلك ، فأمر مشهور معروف .

قال العلماء : وإنما كره للمملوك أن يقول لمالكه : ربي

لأن في لفظه مشاركة لله تعالى في الربوبية .

وأما حديث : ( حتى يلقاها ربها ) ، و ( رب الصريمة ) وما في معناهما ، فإنما استعمل لأنها غير مكلفة ، فهي كالدار والمال ، ولا شك أنه لا كراهة في قول : رب الدار ، ورب المال .

وأما قول يوسف عليه السلام : ( اذكرني عند ربك ) ، فعنه جوابان :

أحدهما : أنه خاطبه بما يعرفه ، وجاز هذا الاستعمال ؛ للضرورة ، كما قال موسى عليه السلام للسامري : ( وانظر إلى إلهك ) طه / 97 ، أي : الذي اتخذته إلها .

الجواب الثاني : أن هذا شرع من قبلنا ، وشرع من قبلنا لا يكون شرعا لنا إذا ورد شرعنا بخلافه

وهذا لا خلاف فيه .

وإنما اختلف أصحاب الأصول في شرع من قبلنا إذا لم يرد شرعنا بموافقته ولا مخالفته ، هل يكون شرعا لنا ، أم لا ؟ " انتهى .

"الأذكار للنووي" (1/363) .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" وَالسَّبَب فِي النَّهْيِ أَنَّ حَقِيقَة الرُّبُوبِيَّة لِلَّهِ تَعَالَى , لِأَنَّ الرَّبّ هُوَ الْمَالِك ، وَالْقَائِم بِالشَّيْءِ فَلا تُوجَدُ حَقِيقَةُ ذَلِكَ إِلَّا لِلَّهِ تَعَالَى .

قَالَ الْخَطَّابِيُّ :

سَبَب الْمَنْع أَنَّ الْإِنْسَان مَرْبُوبٌ مُتَعَبِّدٌ بِإِخْلَاصِ التَّوْحِيد لِلَّهِ وَتَرْك الْإِشْرَاك مَعَهُ

, فَكَرِهَ لَهُ الْمُضَاهَاة فِي الِاسْم لِئَلَّا يَدْخُل فِي مَعْنَى الشِّرْك , وَلَا فَرْق فِي ذَلِكَ بَيْن الْحُرّ وَالْعَبْد ,

فَأَمَّا مَا لَا تَعَبُّد عَلَيْهِ مِنْ سَائِر الْحَيَوَانَات وَالْجَمَادَات فَلَا يُكْرَهُ إِطْلَاق ذَلِكَ عَلَيْهِ عِنْد الْإِضَافَة كَقَوْلِهِ رَبّ الدَّار وَرَبّ الثَّوْب .

وَقَالَ اِبْن بَطَّال

: لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَال لِأَحَدٍ غَيْر اللَّه رَبّ , كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَال لَهُ إِلَهُ ا ه .

وَالَّذِي يَخْتَصُّ بِاللَّهِ تَعَالَى إِطْلَاق الرَّبّ بِلَا إِضَافَةٍ , أَمَّا مَعَ الْإِضَافَة فَيَجُوزُ إِطْلَاقُهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَنْ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام ( اُذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ )

وَقَوْله : ( اِرْجِعْ إِلَى رَبِّكَ )

وَقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي أَشْرَاط السَّاعَة : ( أَنْ تَلِدَ الْأَمَة رَبَّهَا )

فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّهْي فِي ذَلِكَ مَحْمُول عَلَى الْإِطْلَاق , وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ لِلتَّنْزِيهِ ,

وَمَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ فَلِبَيَانِ الْجَوَاز . وَقِيلَ هُوَ مَخْصُوص بِغَيْرِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَرُدّ مَا فِي الْقُرْآن , أَوْ الْمُرَاد النَّهْي عَنْ الْإِكْثَار مِنْ ذَلِكَ وَاِتِّخَاذ اِسْتِعْمَال هَذِهِ اللَّفْظَة عَادَة ,

وَلَيْسَ الْمُرَاد النَّهْي عَنْ ذِكْرهَا فِي الْجُمْلَة " انتهى .

"فتح الباري" (5/179) .

والحاصل :

أن اسم "الرب" الذي يختص به الله سبحانه وتعالى هو ما يطلق من غير قيد

وأما إن قيد برب شيء معين

خاصة إذا كان هذا الشيء لا يعقل ، ولا يكلف بعبادة : فهو جائز ؛ ومنه هذه الآية .

وقد قيل في تأويلها أيضا : إنه خاطبهم بلغتهم التي يعرفونها ، أو أن ذلك كان جائزا عندهم .

والله أعلم.

الشيخ محمد صالح المنجد









رد مع اقتباس