منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - غضب النبي صلى الله عليه وسلم من مقتضى بشريته
عرض مشاركة واحدة
قديم 2020-02-04, 15:18   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










Flower2

دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة لمن يسبه

السؤال

ما صحة هذا الحديث : ( اللهم إنما أنا بشر فأيما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له زكاة ورحمة ) ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

إن من أعظم الصفات التي كان نبينا العظيم صلى الله عليه وسلم يتصف بها الحلم والأناة وعفة اللسان

وصفه بذلك الله الخالق عز وجل في محكم التنزيل

فقال سبحانه : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) آل عمران/159 .

وجاء وصفه بذلك في الكتب السابقة كما قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه :

" وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ ... لَيْسَ بِفَظٍّ ، وَلَا غَلِيظٍ ، وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ ، وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ "

رواه البخاري (2125) .

وعرفه الصحابة رضوان الله عليهم بذلك أيضا في سيرته العطرة

فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّابًا ، وَلَا فَحَّاشًا ، وَلَا لَعَّانًا ، كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ الْمَعْتِبَةِ – أي عند العتاب - : مَا لَهُ ! تَرِبَ جَبِينُهُ "

رواه البخاري (6031) .

حتى رفض صلى الله عليه وسلم في بعض الأحوال أن يدعو على المشركين مع استحقاقهم ذلك اللعن :

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : " قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ؟

قَالَ : (إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا ، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً) "

رواه مسلم (2599) .

ثانيا :

الحديث المذكور حديث صحيح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وقد ورد عن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم :

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اللَّهُمَّ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ قُرْبَةً إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) .

رواه البخاري (6361) واللفظ له ، ومسلم (2601)

وقد روى نحوه الإمام أحمد في " المسند " (3/33) من حديث أبي سعيد الخدري ، وفي " المسند " أيضا (5/294) من حديث أبي السوار عن خاله . فالحديث من أصح الأحاديث .

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ، وَإِنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ : أَيُّ عَبْدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سَبَبْتُهُ أَوْ شَتَمْتُهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا )
رواه مسلم (2602) .

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :

" كَانَتْ عِنْدَ أُمِّ سُلَيْمٍ يَتِيمَةٌ - وَهِيَ أُمُّ أَنَسٍ - فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَتِيمَةَ فَقَالَ : ( آنْتِ هِيَهْ ، لَقَدْ كَبِرْتِ لَا كَبِرَ سِنُّكِ ) ، فَرَجَعَتْ الْيَتِيمَةُ إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ تَبْكِي

فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ : مَا لَكِ يَا بُنَيَّةُ ! قَالَتْ الْجَارِيَةُ : دَعَا عَلَيَّ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَكْبَرَ سِنِّي

فَالْآنَ لَا يَكْبَرُ سِنِّي أَبَدًا ، فَخَرَجَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ مُسْتَعْجِلَةً تَلُوثُ خِمَارَهَا حَتَّى لَقِيَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :َ ( ما لَكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ ؟!

) ، فَقَالَتْ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ! أَدَعَوْتَ عَلَى يَتِيمَتِي ؟ ، قَالَ : ( وَمَا ذَاكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ ؟!)

قَالَتْ : زَعَمَتْ أَنَّكَ دَعَوْتَ أَنْ لَا يَكْبَرَ سِنُّهَا وَلَا يَكْبَرَ قَرْنُهَا ، قَالَ : فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : ( يَا أُمَّ سُلَيْمٍ ! أَمَا تَعْلَمِينَ أَنَّ شَرْطِي عَلَى رَبِّي أَنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي

فَقُلْتُ : إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ ، وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ ، فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِي بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبَةً يُقَرِّبُهُ بِهَا مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )

رواه مسلم (2603) .

ثالثا :

في هذا الحديث رد على أهل الغلو في حق النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد بين أنه " بشر " ، يغضب كما يغضب البشر ، وإن كان أعلم الخلق بالله

وأتقاهم لله ، وأبعدهم عن كل سوء وخطأ ، إلا أنه ليس معصوما من الخطأ في اجتهاده ، وليس معصوما من مثل ذلك الذي يصدر منه على وجه الندرة

بوصفه بشرا ؛ لكنه صلى الله عليه وسلم معصوم من أن يقر على اجتهاد أخطأ فيه ، بل ينزل عليه الوحي بتصحيح ما أخطأ فيه . ثم إن ما صدر منه في حال غضبه ، وتعلق به حق غيره من البشر

من مثل ذلك السب واللعن ، هذا الذي صدر منه : مأمون العاقبة ، إذا كان قد صدر في حق من ليس أهلا ، بما وعده الله في هذه الأحاديث ، أن يجعل ذلك له زكاة وأجرا وقربة من الله يوم القيامة .

قال الشيخ الألباني رحمه الله :

" قد يبادر بعض ذوي الأهواء أو العواطف الهوجاء إلى إنكار مثل هذا الحديث بزعم تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتنزيهه عن النطق به ! ولا مجال إلى مثل هذا الإنكار فإن الحديث صحيح

بل هو عندنا متواتر ، فقد رواه مسلم من حديث عائشة ، وأم سلمة كما ذكرنا ، ومن حديث أبي هريرة وجابر رضي الله عنهما ، وورد من حديث سلمان ، وأنس ، وسمرة

وأبي الطفيل ، وأبي سعيد وغيرهم ، انظر " كنز العمال " ( 2 / 124 )

وتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم تعظيما مشروعا إنما يكون بالإيمان بكل ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم صحيحا ثابتا ، وبذلك يجتمع الإيمان به صلى الله عليه وسلم عبدا ورسولا دون إفراط ولا تفريط

فهو صلى الله عليه وسلم بشر بشهادة الكتاب والسنة ، ولكنه سيد البشر وأفضلهم إطلاقا بنص الأحاديث الصحيحة ، وكما يدل عليه تاريخ حياته صلى الله عليه وسلم وسيرته وما حباه

الله تعالى به من الأخلاق الكريمة ، والخصال الحميدة ، التي لم تكتمل في بشر اكتمالها فيه صلى الله عليه وسلم ، وصدق الله العظيم ، إذ خاطبه بقوله الكريم : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) "

انتهى من " السلسلة الصحيحة " (رقم/84) .









رد مع اقتباس