السؤال:
ماهي كيفية مقتل سيدنا على بن أبي طالب ؟
وهل قام سيدنا على بن أبى طالب بحرق أحد ؟
وما النزاعات التي كانت في عهده ؟
ولماذا نقل الخلافة إلى الكوفة ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في آخِر خلافَتِه ، قَدِ انْتَقَضَتْ عَلَيْهِ الْأُمُورُ، وَاضْطَرَبَتْ عَلَيْهِ الْأَحْوَالُ ، وَخَالَفَهُ جَيْشُهُ مَنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَغَيْرِهِمْ ، وَنَكَلُوا عَنِ الْقِيَامِ مَعَهُ ، وَاسْتَفْحَلَ أَمْرُ أَهْلِ الشَّامِ وَصَالُوا وَجَالُوا يَمِينًا وَشِمَالًا زَاعِمِينَ أَنَّ الْأَمْرَ لِمُعَاوِيَةَ ؛ بِمُقْتَضَى حُكْمِ الْحَكَمَيْنِ فِي خَلْعِهِمَا عَلِيًّا ، وَتَوْلِيَةِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مُعَاوِيَةَ عِنْدَ خُلُوِّ الْإِمْرَةِ عَنْ أَحَدٍ ، وَكُلَّمَا ازْدَادَ أَهْلُ الشَّامِ قُوَّةً ، ضَعُفَ جَأْشُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَوَهَنُوا، هَذَا وَأَمِيرُهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ ، فَهُوَ أَعْبَدُهُمْ وَأَزْهَدُهُمْ ، وَأَعْلَمُهُمْ وَأَخْشَاهُمْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ خَذَلُوهُ وَتَخَلَّوْا عَنْهُ ، وَقَدْ كَانَ يُعْطِيهِمُ الْعَطَاءَ الْكَثِيرَ وَالْمَالَ الْجَزِيلَ .
وقدْ ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ التَّارِيخِ وَالسِّيَرِ وَأَيَّامِ النَّاسِ ، أَنَّ ثَلَاثَةً مِنِ الْخَوَارِجِ ; وَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو الْمَعْرُوفُ بِابْنِ مُلْجَمٍ الْحِمْيَرِيُّ ، وَالْبُرَكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ ، وَعَمْرُو بْنُ بَكْرٍ التَّمِيمِيُّ ، اجْتَمَعُوا فَتَذَاكَرُوا قَتْلَ عَلِيٍّ إِخْوَانَهُمْ مِنْ أَهْلِ النَّهْرَوَانِ ، فَتَرَحَّمُوا عَلَيْهِمْ وَقَالُوا: مَاذَا نَصْنَعُ بِالْبَقَاءِ بَعْدَهُمْ ؟! كَانُوا مِنْ خَيْرِ النَّاسِ ، وَأَكْثَرَهُمْ صَلَاةً ، وَكَانُوا دُعَاةَ النَّاسِ إِلَى رَبِّهِمْ ، لَا يَخَافُونَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ ، فَلَوْ شَرَيْنَا أَنْفُسَنَا فَأَتَيْنَا أَئِمَّةَ الضَّلَالَةِ فَقَتَلْنَاهُمْ ، فَأَرَحْنَا مِنْهُمُ الْبِلَادَ ، وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ ثَأْرَ إِخْوَانِنَا.
فَقَالَ ابْنُ مُلْجَمٍ : أَنَا أَكْفِيكُمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، وَقَالَ الْبُرَكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : أَنَا أَكْفِيكُمْ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ بَكْرٍ: أَنَا أَكْفِيكُمْ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ .
فَتَعَاهَدُوا وَتَوَاثَقُوا أَنْ لَا يَنْكِصَ رَجُلٌ مِنْهُمْ عَنْ صَاحِبِهِ حَتَّى يَقْتُلَهُ أَوْ يَمُوتَ دُونَهُ ، فَأَخَذُوا أَسْيَافَهُمْ فَسَمُّوهَا، وَاتَّعَدُوا لِسَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ ، أَنْ يُبَيِّتَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ فِي بَلَدِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ .
فَأَمَّا ابْنُ مُلْجَمٍ فَسَارَ إِلَى الْكُوفَةِ فَدَخَلَهَا ، وَكَتَمَ أَمْرَهُ حَتَّى عَنْ أَصْحَابِهِ مِنَ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ هُمْ بِهَا، ثمّ ضمّ إليه رجُل مِنْ تَيْمِ الرِّبَابِ يُقَالُ لَهُ: وَرْدَانُ. لِيَكُونَ مَعَهُ رِدْءًا، وَاسْتَمَالَ رَجُلًا آخَرَ يُقَالُ لَهُ: شَبِيبُ بْنُ بَجَرَةَ الْأَشْجَعِيُّ الْحَرُورِيُّ.
فَجَاءَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ وَهُمْ مُشْتَمِلُونَ عَلَى سُيُوفِهِمْ، فَجَلَسُوا مُقَابِلَ السُّدَّةِ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا عَلِيّ ٌ، فَلَمَّا خَرَجَ جَعَلَ يُنْهِضُ النَّاسَ مِنَ النَّوْمِ إِلَى الصَّلَاةِ ، وَيَقُولُ: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ ، فَثَارَ إِلَيْهِ شَبِيبٌ بِالسَّيْفِ ، فَضَرَبَهُ فَوَقَعَ فِي الطَّاقِ ، فَضَرَبَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ بِالسَّيْفِ عَلَى قَرْنِهِ ، فَسَالَ دَمُهُ عَلَى لِحْيَتِهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وَلَمَّا ضَرَبَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ قَالَ: لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ ، لَيْسَ لَكَ يَا عَلِيُّ وَلَا لِأَصْحَابِكَ ، وَجَعَلَ يَتْلُو قَوْلُهُ تَعَالَى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) وَنَادَى عَلِيٌّ: عَلَيْكُمْ بِهِ.
وَهَرَبَ وَرْدَانُ، فَأَدْرَكَهُ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ فَقَتَلَهُ ، وَذَهَبَ شَبِيبٌ فَنَجَا بِنَفْسِهِ وَفَاتَ النَّاس َ، وَمُسِكَ ابْنُ مُلْجَمٍ ، وَقَدَّمَ عَلِيٌّ جَعْدَةَ بْنَ هُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبٍ فَصَلَّى بِالنَّاسِ صَلَاةَ الْفَجْرِ، وَحُمِلَ عَلِيٌّ إِلَى مَنْزِلِهِ ، وَحُمِلَ إِلَيْهِ ابْنُ مُلْجَمٍ، فَأُوقِفَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ مَكْتُوفٌ ، قَبَّحَهُ اللَّه ُ، فَقَالَ لَهُ: أَيْ عَدُوَّ اللَّه ِ، أَلَمْ أُحْسِنْ إِلَيْكَ؟ قَالَ: بَلَى ، قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: شَحَذْتُهُ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، وَسَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يَقْتُلَ بِهِ شَرّ خَلْقِهِ ، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ: لَا أُرَاكَ إِلَّا مَقْتُولًا بِهِ، وَلَا أُرَاكَ إِلَّا مِنْ شَرِّ خَلْقِهِ ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ مِتُّ فَاقْتُلُوهُ ، وَإِنْ عِشْتُ فَأَنَا أَعْلَمُ كَيْفَ أَصْنَعُ بِهِ.
وَلَمَّا احْتُضِرَ عَلِيٌّ جَعْلَ يُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، لَا يَنْطِقُ بِغَيْرِهَا - وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ آخِرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)
وَقَدْ أَوْصَى وَلَدَيْهِ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ ، وَغَفْرِ الذَّنْب ، وَكَظْمِ الْغَيْظِ ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَالْحِلْمِ عَنِ الْجَاهِلِ ، وَالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ ، وَالتَّثَبُّتِ فِي الْأَمْرِ، وَالتَّعَاهُدِ لِلْقُرْآن ِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَاجْتِنَابِ الْفَوَاحِشِ ، وَوَصَّاهُمَا بِأَخِيهِمَا مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ ، وَوَصَّاهُ بِمَا وَصَّاهُمَا بِهِ ، وَأَنْ يُعَظِّمَهُمَا وَلَا يَقْطَعَ أَمْرًا دُونَهُمَا، وَكَتَبَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي كِتَابِ وَصِيَّتِهِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ.
" البداية والنهاية " (11/ 5-16) .
ثانيا :
أما تحريق علي بن أبي طالب رضي الله عنه لبعض الناس ، فقد حرق بعض المرتدين ، روى البخاري (3017) ، وأبو داود (4351) - واللفظ له - عَنْ عِكْرِمَةَ : " أَنَّ عَلِيًّا رضيَ اللهُ عنْه أَحْرَقَ نَاسًا ارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: لَمْ أَكُنْ لِأُحْرِقَهُمْ بِالنَّارِ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ) ، وَكُنْتُ قَاتِلَهُمْ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَام ، فَقَالَ: وَيْحَ ابْنِ عَبَّاسٍ ".
وفي لفظ للبخاري (6922) : " أُتِيَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِزَنَادِقَةٍ فَأَحْرَقَهُمْ ... "
.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" كان لعبد الله بن سبأ أتباع يقال لهم السبائية ، يعتقدون إلهية
علي بن أبي طالب ، وقد أحرقهم علي بالنار في خلافته "
انتهى من " لسان الميزان " (3/ 290) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " فقد يرى الإمام أن يعاقب بنوع لا يرى العقوبة به غيره كتحريق علي الزنادقة بالنار؛ وقد أنكره عليه ابن عباس ، وجمهورُ الفقهاء مع ابن عباس" .
انتهى "مجموع الفتاوى" (33/97) .