منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - مصطلح الحديث
الموضوع: مصطلح الحديث
عرض مشاركة واحدة
قديم 2018-06-20, 16:50   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)



المبحث الثالث: نماذجُ تطبيقيةٌ في نقد الحديث بين أهل الفقه وأهل الحديث:

بعد أن أنهيتُ مرحلة التنظير، أنتقل إلى مرحلة التنزيل والتقرير، وهي مرحلة لا بد منها في توضيح حقيقة الفرق بين طريقة كلٍّ من المحدِّثين والفقهاء؛ ولذلك أحببتُ أن أعرض نماذجَ وأمثلة من كلام المحدِّثين على بعض الأحاديث، وأخرى من كلام الفقهاء على بعض الأحاديث؛ حتى ندركَ وجه التفاوت الكبير بين أهل الحديث وأهل الفقه، ونقتنع بأن طريقة المحدِّثين أجدى وأنفعُ، وأدلُّ على المقصود من طريقة الفقهاء.

المطلب الأول: نماذج مِن الأحاديث التي نقدها أهل الحديث:

ها هنا سأعرض بعضَ الأمثلة مِن الأحاديث التي تناولها أهل الحديث بالنقد، وسأكتفي بقليل منها مما يدل على المراد، ويتضح به مِن ذلك ما يستفاد.

أولًا:

• عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل مولودٍ رهنٌ بعقيقته، تُذبَح عنه يوم سابعه ويُحلَق رأسه، ويسمَّى))؛ أخرجه أبو داود.

هذا الحديثُ ساقه الإمام عليُّ بن المَديني، وقبل أن يذكره مهَّد له بالحديث عن الحسَن البَصري، وعرَض كثيرًا من أقوال الأئمة الدالة على أن الحسَن قد سمع من سمُرة، وهي مسألة اختلف فيها علماءُ الحديث على ثلاثة أقوال، بيَّنها الصنعاني في سبل السلام أثناء كلامه عن قوله عليه الصلاة والسلام: ((على اليدِ ما أخذَتْ حتى تؤدِّيَه)) - نقلًا عن ابن حجر -

فقال: (لأن الحديثَ مِن رواية الحسن عن سمُرة، وللحافظ في سماعه منه ثلاثة مذاهب: الأول أنه سمع منه مطلقًا، وهو مذهب عليِّ بن المديني، والبخاري، والترمذي، والثاني: لا مطلقًا، وهو مذهبُ يحيى بن سعيدٍ القطان، ويحيى بن معينٍ، وابن حِبان، والثالث: لم يسمَعْ منه إلا حديثَ العقيقة، وهو مذهب النسائي، واختاره ابن عساكر، وادَّعى عبدُالحق أنه الصحيحُ)

سبل السلام للصنعاني 2/ 96.

ولأجلِ ما يمكن أن يشكَّ فيه الناطرُ في سماع الحسن من سمُرة، شرع الإمام علي بن المديني في إثبات سماع الحسَن من سمُرة، ثم بعد ذلك يأتي بالحديث المَسُوق أثناء ذلك، يقول الإمام علي بن المديني: (قال عليٌّ: سمع الحسَن مِن عثمان بن عفانٍ - وهو غلامٌ - يخطب، ومن عثمان بن أبي العاص، ومن أبي بكرة.

ولم يسمع مِن عمرانَ بن حُصينٍ شيئًا، وليس بصحيحٍ، لم يصحَّ عن الحسن عن عمرانَ سماعٌ من وجه صحيح ثابت.

قلتُ: سمع الحسن من جابرٍ؟ قال: لا.

قلت: سمِع الحسنُ مِن أبي سعيدٍ الخدري؟ قال: لا.

كان بالمدينة أيام كان ابنُ عباسٍ على البصرة، استعمله عليها عليٌّ وخرج إلى صِفِّين، وقال في حديث الحسن: خطبنا ابن عباس بالبصرة - الحديث أخرجه أبو داود - إنما هو كقول ثابتٍ: قدم علينا عمران بن الحصين، ومثل قول مجاهدٍ: خرج علينا عليٌّ، وكقول الحسن: إن سراقةَ بن مالك بن جعشمٍ حدَّثهم، وكقوله: غزا بنا مجاشع بن مسعودٍ.

الحسن لم يسمع من ابن عباسٍ، وما رآه قط، كان ابن عباسٍ بالبصرة.

ومِن عبدالله بن مغفَّلٍ، ومن معقِل بن يسارٍ، ومِن أنس بن مالكٍ، ومِن سمُرة بن جندبٍ، قال: وقال حبيب بن الشهيد: أمرني ابن سِيرين أن أسأل الحسَن ممَّن سمع حديثه في العقيقة؟ قال: فسألتُه، فقال: سمعته من سمُرة، قال: قال سمرة: كل مولودٍ رهنٌ بعقيقته، تُذبَح عنه يوم سابعه)

العلل لابن المديني 1/ 51.

أخرجه البخاري في العقيقة.

وفي هذا النموذجِ الذي سقتُه عن هذا الإمام يمكن أن نستشفَّ الفرقَ الواضح بين علماء الحديث والفقهاء، فلو عُرض هذا الحديث على فقيهٍ لمَا تناوله بطريقة هذا الإمام، بل سيقول فيه: إنه مقبول أو مردود، وقد يزيد فيقول: الحسن سمع من سمرة، لكن علي بن المديني أتى بأمثلة ونماذجَ متعددة، بيَّن من خلالها أرجحية القول بأن الحسن سمع من سمُرة بن جندب رضي الله عنه.

ثانيًا:

قال الإمام الترمذي في كتابه السنن: (حدثنا محمد بن بشارٍ، ومحمد بن المثنى، قالا: حدثنا وهب بن جريرٍ، قال: حدثنا أبي، عن محمد بن إسحاق، عن أبان بن صالحٍ، عن مجاهدٍ، عن جابر بن عبدالله، قال: نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القِبلة ببولٍ، فرأيتُه قبل أن يقبض بعامٍ يستقبلها.

وفي الباب عن أبي قتادة، وعائشة، وعمارٍ.

حديث جابرٍ في هذا الباب حديثٌ حسنٌ غريبٌ.

وقد روى هذا الحديث ابنُ لَهيعة، عن أبي الزبير، عن جابرٍ، عن أبي قتادة: أنه رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يبول مستقبِلَ القِبلة، أخبرنا بذلك قتيبة، قال: أخبرنا ابن لَهيعة.

وحديث جابرٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم أصحُّ مِن حديث ابن لَهيعة.

وابن لَهيعة ضعيفٌ عند أهل الحديث؛ ضعَّفه يحيى بن سعيدٍ القطانُ، وغيره).

وفي هذا النموذج الذي عرضتُه، تظهر طريقةُ الإمام الترمذي في بيان ضعف الحديث؛ فقد أتى بجميع طرق الحديث، وتحدَّث عن سياقاتها كلها؛ ففي السند الأول ساقه من حديث جابر مرفوعًا، ثم ذكر أن الحديث لم يروِه فقط جابر، بل رواه صحابة آخرون، حتى يعلم أنه ليس من الأفراد، ثم ذكر حُكم حديث جابر معبِّرًا عن ذلك بقوله: (حسن غريب)، ثم ذكر واسطةً بين جابر والنبي صلى الله عليه وسلم، لكنها من رواية عبدالله بن لَهيعة، وبيَّن الترمذي أن ابن لَهيعة ضعيف.

وهذه طريقةُ أهل الحديث في حكمهم على الأحاديث صحةً وضعفًا، وسأكتفي بهذينِ المثالين في بيان طريقة المحدِّثين وشروطهم في تصحيح الأحاديث أو تحسينها.

المطلب الثاني: نماذج مِن الأحاديث التي نقَدها الفقهاءُ:

في هذا المطلَب سأعرض بعضَ النماذج من كلام الفقهاء أثناء استدلالهم ببعض الأحاديث؛ حتى يمكنَ التفريقُ بين شروطهم وشروط المحدِّثين.

• قال ابن رُشد الحفيد في بداية المجتهد - مستدلًّا على مسألة فقهية متعلِّقة بقراءة القرآنِ أثناء الركوع والسجود -: (حديث عليٍّ في ذلك قال: ((نهاني جبريل صلى الله عليه وسلم أن أقرأ القرآنَ راكعًا وساجدًا))، قال الطبري: وهو حديثٌ صحيحٌ، وبه أخَذ فقهاء الأمصار، وصار قومٌ من التابعين إلى جواز ذلك، وهو مذهب البخاريِّ؛ لأنه لم يصحَّ الحديث عنده، والله أعلم)

بداية المجتهد لابن رشد الحفيد 1/ 126.

لم يتصدَّ ابنُ رشد هنا للحديث عن الرواة، أو للحديث عن هل هم مِن الثقات أو الضعفاء؟ وعن المتن هل سلِم مِن العلل أم لا؟ ولذلك لجأ إلى أقوال أهل الحديث، وفي هذا ما يبين أن عامةَ الفقهاء عالةٌ على المحدِّثين في نقدهم للأحاديث.

• قال محمد بن رشد: وجه إجازة مالك - رحمه الله - للرجل أن يغتسل في الفضاء إذا أمِنَ أن يمرَّ به أحد هو أن الشرعَ إنما قرَّر وجوب ستر العورة عن المخلوقين من بني آدمَ دون مَن سواهم من الملائكة؛ إذ لا تفارقه الحفَظة الموكَّلون عليه منهم في حالٍ من الأحوال؛

قال الله عز وجل: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18]، وقال: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الانفطار: 10 - 12]؛ ولهذا قال مالكٌ تعجُّبًا: ألا يغتسل الرجل في الفضاء؟ إذ لا فرقَ في حق الملائكة بين الفضاء وغيره، وأنكر الحديث لمَّا كان مخالفًا للأصول؛ لأن الحديث إذا كان مخالفًا للأصول فإنكاره واجب، إلا أن يرِدَ مِن وجه صحيح لا مطعنَ فيه، فيرد إليها بالتأويل الصحيح)

البيان والتحصيل لابن رشد الجد 18/ 154.

مَن تأمَّل كلام ابن رشد على هذا الحديث، ظهر له شروطُ الفقهاء في قبول الحديث، ومنها: ألا يكون مخالفًا للأصول؛ فابن رشد هنا فهِم من إنكار مالك للحديث أنه لأجل مخالفته للأصول؛ أي: للقياس.

ولعل هذه النماذج - على قلَّتِها - كافيةٌ في بيان شروط المحدِّثين والفقهاء بطريقة عملية تُبرز مدى الفرق بين المحدِّثين والفقهاء في نقدهم للأحاديث، وسأكتفي من ذلك بما ذكرت؛ إذ يكفي مِن القلادة ما أحاط بالعُنق، وبالله التوفيق.


الخاتمة


وبعد هذه الرحلة القصيرة في مجال البحث عن شروط المحدِّثين والفقهاء أحُطُّ الرحالَ هنا لأختم المقال بتلخيص ما سبق بيانه، واستنتاج الفوائد التي يمكن أن تُعِين في إنجاز بحث أطول عن هذه القضية التي لا تكفي فيها هذه الصفحات القليلة، فأقول - ومِن ربي أستمد المعونة والتسديد -:


خلاصات:


• اشتَرط المحدِّثون في كلٍّ مِن الصحيح والحسن شروطًا دقيقة ومضبوطة، تدلُّ على تمكُّنهم من هذا العلم، وبلوغهم فيه الغاية القصوى.

• حدَّد علماء الحديث ضوابطَ متعددة يُعرَف بها ضعيف الأسانيد والمتون، وبها يمكن الوقوفُ على علل الأحاديث، ومن ثم يحكم عليها.

• الفقهاء غيرُ متفقين على طريقة واحدة في نقد الأحاديث؛ ولذلك وجدنا الأحناف يختلفون عن الجمهور في نقدهم للأحاديث، مما يبعث على عدم الاطمئنان إلى طريقتِهم في التعامل مع الأحاديث.


استنتاجات:


• طريقة المحدِّثين أدقُّ من طريقة الفقهاء؛ نظرًا لاهتمامهم البالغ بأحوال الرواة، وهذا ما جعَلهم لا يكتفون بالإشارة في هذا المجال، طالما أن الإشارة لا تغني عن العبارةِ في هذا المقام.

• طريقة الفقهاء تعتمد الأحكامَ العامة التي هي - في غالبها - مجانِبَةٌ للدقَّة والضبط.

• الفقهاءُ أثناء استدلالهم إنما ينطلقون مِن الحُكم الفقهي، لا مِن النص الشرعي، على عكس علماء الحديث، فإنهم ينطلقون مِن النص، لا مِن الحُكم.

• الفقهاء ينقُلون كلامَ السابقين مِن المحدِّثين على الأحاديث؛ أي إنهم لا علاقةَ لهم بهذا المجال، فإذا ما تناولوا الكلامَ عن حديث ما، فإنهم قد يذكرون حُكمًا مخالفًا لِما توصَّل إليه علماء الحديث.

وبعد هذه الخلاصات والاستنتاجات، أسأل اللهَ تعالى أن يجعلَ هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وخاليًا مِن كل قصد ذميم، والحمد لله رب العالمين!


اخوة الاسلام


و يتبقي لنا في هذا المقام بحث عن
طرق التعديل بين المحدثين والفقهاء


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









رد مع اقتباس