منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - مصطلح الحديث
الموضوع: مصطلح الحديث
عرض مشاركة واحدة
قديم 2018-06-20, 16:35   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

النقد الحديثي بين الفقهاء والمحدِّثين

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد إمام النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن نقدَ الحديث ليس وليد فترة معينة لفتت الأنظار، ونُشرت حولها كثير من الأخبار، خاصة في عصر بعض الأئمة الأعلام؛ كالإمام ابن الصلاح، حتى قيل: في عهد ابن الصلاح، استقرَّ الاصطلاح، وهي مقولة تداولتها الألسن، منذ عهد ابن الصلاح إلى يومنا هذا

وهي وإن كانت تعبِّر عن المصطلح عمومًا، فإنها في طياتها تحمل اتجاهًا علميًّا يجعل المتأخر يغضُّ الطرف عن كل المراحل التي سبقت ابن الصلاح بأكثر من مائتي سنة، علمًا أن مرحلة ابن الصلاح لا تعبر عن الصورة الحقيقية لهذا العلم، فكم سبق ذلك الإمام من أئمة عظام! رفَعوا لهذا العلم دعائمه، وشيدوا معالمه، وبينوا الثقات والضابطين

كما بينوا الضعفاء والمجاهيل، فضلًا عن الكَذبة والوضَّاعين، ثم انفصل هذا العلم عند المتأخرين عن باقي العلوم، وصار مَن يتكلم في الفقه بمعزلٍ عن علم الحديث، ومن يتكلم في الحديث بمعزل عن الفقه، وصار للفقهاء طريقتهم الخاصة، وللمحدِّثين طريقتهم الخاصة كذلك، وأمسى لكل من المحدِّثين والفقهاء معايير وضوابط معينة في قبول الأحاديث أو ردها، فاقتضى هذا الأمرُ بيانَ معالمِ كلٍّ من الطريقتين، وذلك عن طريق بيان معايير كل منهما.

وقد دفَع بي إلى اختيار هذا الموضوع أهميتُه البالغة؛ فمحاولة الكلام فيه من النعم السابغة، طالما أن كثيرًا ممن تسلقوا أشجار هذا العلم لم يستظلوا بظلاله الوارفة، تلك التي استظل بها السابقون الأولون في هذا العلم؛ إذ الذين تكلَّموا في هذا العلم ثلةٌ من الأولين، وثلة من الآخرين.


وقد قسمت هذا الموضوع إلى مقدمة، وثلاثة مباحث.

المبحث الأول: معايير قَبول الحديث وردِّه عند علماء الحديث، وضمنتُه: مطلبين؛ الأول: معايير التصحيح والتحسين عند علماء الحديث، والثاني: معايير التضعيف عند علماء الحديث.

وأما المبحث الثاني فهو: معايير نقد الحديث عند الفقهاء، وقسمته أيضًا إلى مطلبين؛ الأول: شروط الأحناف، والثاني: شروط الجمهور.

وأما المبحث الثالث فهو نماذجُ تطبيقيةٌ من نقد المحدِّثين والفقهاء، وقد قسمته إلى مطلبين؛ الأول: نماذج تطبيقية من نقد المحدِّثين، والثاني: نماذج تطبيقية من نقد الفقهاء.

ثم ختمتُ بخاتمة ضمنتها بعض الخلاصات والاستنتاجات.


المبحث الأول: معايير قبول الحديث ورده عند علماء الحديث:


تميزت طريقةُ المحدِّثين عمَّن سواهم من الفقهاء والأصوليين في نقدِهم للأحاديث، وكلامهم عليها قبولًا أو ردًّا؛ إذ هم العمدةُ في هذا المجال، وعليهم المعوَّل فيه؛ نظرًا لكون علم الحديث أصلَ العلوم، بل مِن مَعِينه انبثقت وانفجرت كل العلوم؛ ولذلك كان علماءُ الحديث أشدَّ دقة وضبطًا مِن غيرهم في الكلام على الأحاديث، وأما غيرهم فإنهم يرجعون إلى أهل الحديث، وإن لم يرجعوا فإنهم يأتون بالعجائبِ، وقديمًا قيل: مَن تكلَّم في غير فنِّه أتى بالعجائب؛ لذلك اخترتُ أن أبدأ بطريقتهم في عرض الشروط التي يشترطونها في قبول الحديث، والعمل به.

المطلب الأول: معايير التصحيح والتحسين عند علماء الحديث:


تميَّزت أمةُ الإسلام بالأسانيد؛ إذ هي المرقاةُ إلى المتون، لكنهم لم يقفوا عند الأسانيد فحسب، بل تجاوزوها إلى المتون فنقدوها، وأوضحوا عِللها، وبينوا أوهامَ الثقات؛ لأن الثقة قد يهِمُ فيُدخل حديثًا في حديث، وقد يركِّبُ إسنادَ متنٍ لمتن آخر، إلى غير ذلك من الأوهام التي بينها صيارفةُ الحديث، ولم يكونوا يركنون إلى فضلِ الراوي وتقواه، وزهده وصلاحه؛ فقد جاء في سؤالات الحاكم للدارقطني:

عبدُالملك بن محمد بن عبدالله بن مسلم، أبو قلابة: قيل لنا: إنه كان مجابَ الدعوة، صدوقٌ، كثيرُ الخطأ في الأسانيد والمتون، لا يُحتجُّ بما ينفرد به، بلغني عن شيخنا أبي القاسم بن منيع أنه قال: عندي عن أبي قلابة عشَرة أجزاء، ما منها حديث سلِم منه، إما في الإسناد أو في المتن، كأنه يحدِّث من حفظه؛ فكثُرَتِ الأوهامُ منه

سؤالات الحاكم النيسابوري للدارقطني 1/ 131.


وهنا سأذكر أهمَّ الشروط التي يقررها علماءُ الحديث في الحكم على الحديث بالصحة أو الحُسن.

شروط الصحيح:

اشترط المحدِّثون في اعتبار الحديث صحيحًا شروطًا خمسة، ومتى خالَف شرطًا منها عُدَّ مجانِبًا للصحة، وهذه الشروطُ يذكرها المتقدمون متناثرة هنا وهناك، لكنَّ المتأخِّرين منذ ابن الصلاح إلى يوم الناس هذا - يذكرونَها مجموعةً في مكان واحد بمعزلٍ عن الأحاديث، وهذه الشروط كالآتي:


1) اتصال السند:


يقول الإمام أبو داود في رسالته إلى أهل مكة: (فأما الحديثُ المشهور المتصل الصحيحُ، فليس يقدِر أن يردَّه عليك أحد

رسالة أبي داود إلى أهل مكة 1/ 29.

وفي كلام الإمام أبي داود ما يدلُّ على اعتبار الاتصال شرطًا ضروريًّا في تصحيح الحديث، ولم يسِرْ أبو داود على طريقةِ ابن الصلاح ومَن نحا نحوه، في ذِكر هذا الشرط مستقلًّا عن غيره، بل بيَّن اشتراطه بقوله: فليس يقدِر أن يردَّه عليك أحد، وقد احترزوا باتصال السند عما فقده؛ كالانقطاع، والإعضال، والإرسال، يقول أبو عمرو بن الصلاح: (وفي هذه الأوصافِ: احترازٌ عن المرسَل، والمنقطِع، والمعضَل)

معرفة أنواع علوم الحديث لابن الصلاح1/ 11.

فالمرسَل فقد شرط الاتصال؛ لأنه: ما رفعه التابعيُّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فحذف الصحابي، وبذلك فُقد الاتصال، والمنقطع فقَدَ شرط الاتصال؛ لأنه ما سقط منه راوٍ فأكثَرَ، لا على التوالي، وبذلك عُدَّ غيرَ متصل، والمعضَل: ما سقَط منه اثنانِ فأكثر على التوالي، وهو أيضًا غيرُ متصل، فكلها إذًا لا تدخلُ في دائرة الصحيح.


2) عدالة الرواة:


والمقصود بذلك أن يكون كلُّ راوٍ مِن الرواة عدلًا، والعدالة - كما عرفها الجعبري -: (هيئة قارَّةٌ، تحملُ على اجتنابِ الكبائرِ، ولزوم الصغائر، وخوارم المروءة

رسوم التحديث في علوم الحديث للجعبري 1/ 100.

فمتى اجتنب الراوي الكبائرَ، واتقى في الغالبِ الصغائرَ، واحترز عن خوارم المروءة، عُدَّ عدلًا، وقُبِل حديثُه، وقد ذكر العلماء هذا الشرط للاحتراز عن كل راوٍ لم يتَّسِم بالعدالة؛ كالفاسق، والمبتدع، وغيرهما.


3) ضبط الرواة:


والمقصود بذلك نوعانِ من الضبط، وهما: ضبطُ الصدر، وضبط الكتاب، فأما ضبطُ الصدر فهو أن يستطيع استحضارَ ما حفِظه صحيحًا متى شاء، وأما ضبط الكتاب فهو أن يصونَ كتابه عنده حتى يؤديَ منه كذلك، من غير تغيير ولا تبديل، "ويعرف الضبطُ بموافقة الثقاتِ غالبًا، واتساق نقلِه

رسوم التحديث 1/ 100.

فإن كان الراوي العدلُ ضعيفَ الضبط فلا بد حينئذ مِن متابِع أو شاهد، يقول الزركشي: (والعدل الضعيفُ الضبطِ تُقبَل روايته، لكن يحتاج إلى مُقوٍّ، فيُقبَل الحديث لعدالة راويه، لكن يتوقَّف فيه - لعدم ضبطه - على شاهدٍ متصل، يجبُرُ ما فات مِن صفة الضبط)

النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي 1/ 100.


4) عدم الشذوذ:

اشترط العلماءُ في قَبول الحديث ألا يكون شاذًّا، واختلفوا في المقصود بالشذوذ، هل هو انفراد الراوي بالحديث، أم هو مخالفة الثقةِ لغيره من الحفاظ، أم هو انفراد ثقة برواية الحديث؟

وقد فصل القولَ في ذلك الحافظُ أبو عمرو بن الصلاح، فقال ناسبًا القول الأول إلى الخليلي نقلًا عن الإمام الشافعي: (وحكى الحافظُ أبو يعلى الخليلي القزويني نحوَ هذا عن الشافعي وجماعةٍ من أهل الحجاز، ثم قال: الذي عليه حفَّاظ الحديث أن الشاذَّ ما ليس له إلا إسنادٌ واحدٌ، يشِذُّ بذلك شيخٌ، ثقةً كان أو غير ثقةٍ، فما كان عن غير ثقةٍ فمتروكٌ لا يُقبَل، وما كان عن ثقةٍ يتوقَّف فيه، ولا يحتج به)

مقدمة ابن الصلاح 1/ 76.

وقال في القول الثاني: (رُوِّينا عن يونس بن عبدالأعلى قال: قال الشافعي رضي الله عنه: "ليس الشاذُّ مِن الحديث أن يروي الثقةُ ما لا يروي غيره، إنما الشاذُّ أن يروي الثقة حديثًا يخالف ما روى الناس")

المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

قال في القول الثالث: (وذكر الحاكمُ أبو عبدالله الحافظُ أن الشاذَّ هو الحديث الذي يتفرَّد به ثقةٌ من الثقات، وليس له أصلٌ بمتابعٍ لذلك الثقة، وذكر أنه يغاير المُعلَّل من حيث إن المُعلَّل وُقِف على علته الدالة على جهة الوهم فيه، والشاذُّ لم يوقف فيه على علته كذلك)

المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

وقد رد ابنُ الصلاح ما نقله الخليليُّ وما رواه الحاكم، وقبِل ما ذكره الإمام الشافعي، فقال: (قلت: أما ما حكم الشافعي عليه بالشذوذ، فلا إشكال في أنه شاذٌّ غير مقبولٍ، وأما ما حكيناه عن غيره فيشكِل بما ينفرد به العدل الحافظ الضابط؛ كحديث: "إنما الأعمال بالنيات"

فإنه حديثٌ فردٌ، تفرد به عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تفرد به عن عمرَ علقمةُ بن وقاصٍ، ثم عن علقمة محمدُ بن إبراهيم، ثم عنه يحيى بنُ سعيدٍ على ما هو الصحيح عند أهل الحديث، وقد قال مسلم بن الحجَّاج: للزهريِّ نحوُ تسعين حرفًا يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا يشاركه فيها أحدٌ، بأسانيدَ جيادٍ)

المصدر السابق 1/ 77.


5) عدم العلة:


يُشترط في الحديث ألا يكونَ معلَّلًا، بألا تكون فيه علة قادحة، وهذا المجال هو مسرح الجهابذة مِن المحدِّثين، وأما الانقطاع والإعضال فيعرِفه كلُّ العلماء، وأما العِلل فلا يتفطن لها إلا أمثالُ ابن مهدي، وأبي زرعة، وغيرهما من صيارفة علم الحديث.

قال الحافظ ابن كثير: (وهو فنٌّ خَفِيَ على كثير من علماء الحديث، حتى قال بعض حفَّاظهم: معرفتُنا بهذا كهانةٌ عند الجاهل

اختصار علوم الحديث لابن كثير 1/ 63.

والمقصود بالعلة: ما ذكره الحافظ زين الدين العراقي؛ حيث عرَّف العلة بقوله: "العلة عبارة عن أسباب خفية غامضة، طرأَتْ على الحديث فأثَّرت فيه؛ أي: قدحَتْ في صحتِه"

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 274.

وبهذا يتضح أن الحديثَ المعلَّل ليس صحيحًا؛ وذلك أن المعلَّل قد فقد شرطًا أساسيًّا مِن شروط الصحة، وبهذا الشرط نختم الشروطَ المتعلِّقة بتصحيح الحديث.


شروط الحسَن:


شروط الحديث الحسَن هي نفس شروط الصحيح، إلا في شرط واحد، وهو ضبط الرواة؛ فالحسَن لا يُشترط فيه تمام الضبط، بل يكفي في رواته أن يكونوا خفيفي الضبطِ، وقد عرَّف الحافظ ابن حجر الحسَن بأنه: ما اتصل سندُه، بنقل عدلٍ خفَّ ضبطُه، ولم يكُنْ شاذًّا، ولا معلَّلًا

نزهة النظر شرح نخبة الفكر 1/ 67 بتصرف.

وبما ذُكر مِن شروط للصحيح والحسن تنجلي ضوابطُ التصحيح والتحسين عند علماء الحديث، كما يتبيَّن اختلاف المحدِّثين عن غيرهم من الفقهاء والأصوليين في معايير القبول للأحاديث.


المطلب الثاني: معايير التضعيف عند علماء الحديث:

وضَع علماء الحديث لتضعيف الحديث ضوابطَ متعددة، بها يُعرف سقيم الحديث، وهذه الضوابط هي التنصيصُ على ما يقدَح في رواة الحديث، ومتى وُجد قادحٌ من تلك القوادح عُدَّ الحديثُ ضعيفًا، وهذه القوادح تتنوع إلى ما يرتبط بالسَّقط في الإسناد، وما يرتبط بالطَّعن في الرواة، وقد بين المحدِّثون كلَّ ذلك.


القوادح المرتبطة بالسَّقط في الإسناد:

السَّقط في الإسناد على نوعين: إما أن يكون ظاهرًا، وإما أن يكون خفيًّا، ويدخل في الظاهر أنواعٌ هي مِن قَبيل الضعيف، وهي المرسَل والمنقطع، والمعضَل والمعلَّق، والفرق بين هذه الأنواع الأربعةِ أن المرسَل يكون السَّقط فيه من آخرِ السند، وأما المنقطع فهو ما سقَط منه راوٍ فأكثرَ، لا على التوالي، وأما المعضَل فهو ما سقَط منه راويانِ فأكثر على التوالي؛ يقول العراقي:

والمعضَل الساقطُ منه اثنانِ *** فصاعدًا ومنه قِسمٌ ثانِ

وأما المُعلَّق فهو ما كان السَّقط فيه مِن أصل السند.

وأما السَّقط الخفي "ولا يدركُه إلا الأئمةُ الحذَّاق المطَّلِعون على طرق الحديث، وعِلَل الأسانيد"

يسير مصطلح الحديث للطحان 1/ 120.

وعانِ مِن أنواع الضعيف، وهما المُدلَّس، والمُرسَل الخفيُّ.

وكلُّ هذه الأنواع المذكورةِ لا يقبَلُها المُحدِّثون، بل هي عندهم مِن قَبيل المردود، وأما الفقهاءُ فإنهم يحتجُّون ببعضها؛ كالمرسَل.


القوادح المرتبطة بالطَّعن في الراوي:

الطَّعن في الراوي: إما أن يرجعَ إلى عدالته، وإما أن يرجعَ إلى ضبطه وحِفظه، والطعونُ التي يمكن أن توجَّه إلى الراوي مِن جهة عدالته خمسة، وهي:

• الكذب، فمتى وقَع الراوي في الكذبِ، فلا يُقبَل منه شيء، ولو صدر منه الكذب مرة واحدة، ويسمى حديثُه بالموضوع.

• التهمة بالكذب؛ فالمتَّهم بالكذب لا يُقبَل حديثه عند أهل الحديث، وحديثه يسمى عندهم بالمتروك، يقول ابن حجر في النزهة: (والقسم الثاني مِن أقسام المردود - وهو ما يكون بسبب تُهمة الراوي بالكذب -: هو المتروكُ)

نزهة النظر لابن حجر 1/ 67.

• فِسْق الراوي: فإذا كان الراوي فاسقًا، رُدَّ حديثُه عند المحدِّثين؛ لأن الفسقَ ينافي العدالة، ويسمى حديثُ الفاسق بالمنكَر؛ يقول ابن حجَر: "من ظهَر فِسقُه، فحديثه منكَر"

المصدر نفسه، والصفحة نفسها، بتصرف.


بدعة الرواة:

إذا كان الراوي مبتدعًا في عقيدته، فإن علماءَ الحديث لا يقبَلون حديثه، وهذه قاعدة عامة، لكن قد يقبَل بعضُ علماء الحديث كثيرًا مِن روايات المبتدعة، متى ظهر له - بثاقب نظره - أن أولئك الرواةَ صادقون فيما نقلوا؛ فقد قبِل الإمام البخاريُّ رواية عِمرانَ بنِ حطان وهو مِن الخوارج، وكان جاهرًا ببدعته، داعيًا إليها.

هذه هي الطعونُ التي يمكن أن تُوجَّهَ إلى الراوي مِن جهة عدالته، وأما الطعون التي يمكن أن توجَّه إلى الراوي من جهة حفظه، فهي أيضًا خمسة:


• فُحش الغلط:

إذا كثُر من الراوي الغلطُ، وفحُش، عُدَّ حديثُه مِن قبيل الضعيف، يقول علي القاري في شرح نخبة الفكر مبيِّنًا لهذا النوع: (أو فحُش غلطه؛ أي: كثرته) بأن يكون خطؤه أكثرَ مِن صوابه، أو يتساويان؛ إذ لا يخلو الإنسانُ من الغلط والنسيان)

شرح نخبة الفكر للقاري 1/ 424.


• الغفلة عند السَّماع أو الإسماعِ:

إذا عُرِف الراوي بالغفلةِ عند سماعه أو إسماعه، صار حديثُه ضعيفًا عند المحدِّثين، والمقصود بالغفلة ذهولُه عن الحفظِ والإتقان، "الظاهر أن مجردَ الغفلة ليس سببًا للطعن؛ لقلةِ مَن يعافيه اللهُ منها"

شرح نخبة الفكر للقاري 1/ 422.


• الوَهم:

إذا اتصف الراوي بالوَهم صار حديثُه ضعيفًا غيرَ مقبول، والمقصود بالوهم - كما يقول ابن حجر -: أن يرويَ على سبيل التوهُّم، فمتى عُرف الراوي بالتوهُّم

زهة النظر لابن حجر 1/ 108.


سوء الحِفظ:

ومِن الأسباب الراجعة إلى الطعن في الراوي: سوءُ الحِفظ، فمتى كان الراوي سيِّئَ الحفظ، عُدَّ حديثُه ضعيفًا عند المحدِّثين، وسوء الحفظ - كما يقول ابن حجر -: (عبارةٌ عمَّن يكون غلطُه أقلَّ مِن إصابته)

المصدر نفسه، والصفحة نفسها.


مخالفة الثقات:

مخالفة الراوي لغيره مِن الثقات يدلُّ على وهمه وعدمِ ضبطه لما روى، ويُسمَّى حديثُه بالشاذِّ عند بعض العلماء، وقد سبَق تعريفُ الشذوذ، وأقوالُ العلماء فيه، والخلاصة أن الشاذَّ مِن قَبيل الضعيف.

وبهذه الشروط التي ذُكرت، تتَّضِح معالمُ طريقة المحدِّثين في نقدهم للحديث، كما يتبيَّن الفرقُ بين منهجِهم ومنهج الفقهاء في الكلام على الأحاديث، قبولًا أو ردًّا.









رد مع اقتباس