منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - ملاحظات على مذكرات الأمير عبد القادر المختلقة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-02-22, 22:11   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
الأميرة بديعة الحسني
كبار الشخصيات
 
إحصائية العضو










B10 تتمة:

النص بالكامل:
"لم يعد لعبد القادر الآن ما يخشاه أو يؤخره، غذ أصبح في حوزته اتفاقية مكتوبة، وهي تتماشى تماماً مع طلباته الخاصة"، ثم يتابع تشرشل كلامه فيقول: "سار الأمير من الدائرة إلى ميناء الغزوات في السادسة مساءً، ووصل الركب إلى ميناء الغزوات" (ملاحظة: في هذا النص كتب مقرّ قيادة الدوق دومال، ولم يقل ميناء الغزوات، لتضليل القارئ أن الأمير ذهب إلى مقر القيادة وليس إلى إلى الميناء حيث توجد الباخرة التي ستنقله إلى المشرق، إلى عكا في فلسطين، وإنما قال قيادة الدوق). ثم تابع تشرشل كلامه قائلاً: وبعد دقائق توجّه عبد القادر ومن معه مصحوباً بالجنرال دي لا مورسيير للمثول بين يدي الدوق، وبعد دقيقة صمت تفوه عبد القادر بالكلمات التالية، فزعم أن الأمير قال: (لقد كنت أرغب أن أفعل ما فعلته الآن منذ زمن طويل، والآن الجنرال أعطاني وعداً، وإني لا أخشى أن يخلفه لأنه ابن ملك عظيم). ثم يقفز تشرشل فوق الأحداث فيقول: "في اليوم التالي عقد الدوق استعراضاً عسكرياً (وهنا تظهر أحقاد تشرشل)، وقف عبد القادر الذي كان ممتطياً جواداً عربياً أصيلاً، وكان محاطاً بقادة جيشه ينتظر عودة الدوق من الميدان، وعند اقتراب سموّ الدوق ترجّل عبد القادر وتقدّم من سموّه وزعم أن الأمير قال: (إنني أقدّم إليك هذا الجواد الذي هو آخر جواد أمتطيه، لقد كان جوادي المفضّل، وتقديمه لك هو عنوان اعترافي، وإني أرجو أن يحملك دائماً إلى النصر والنجاة والسعادة أيضاً)، وزعم تشرشل أن الدوق ردّ عليه: (إني أقبله منك باعتباره إكراماً لفرنسا البلد الذي سيحميك منذ الآن)". انتهى النص.
وهنا جعل تشرشل الأمير وكأنه ثائر فرنسي، تمرّد على حكومته ثم تاب فألقى سلاحه ووقف أمام ممثل دولته نادماً معترفاً بذنبه، يقدّم أفضل جواد عنده إكراماً لفرنسا، بلاده التي ينتمي إليها، ويتمنى لقائد جيشها النصر والحياة السعيدة، يقدم جواده ليحمل هذا القائد إلى النجاة (النجاة ممن؟؟)، الجواب: من أبناء الشعب الجزائري الرافضون للاحتلال الذي يعتدي عليهم هذا الجنرال الإفرنسي بأخطر الأسلحة، والذي ما زال يعتدي عليهم باحتلال بلادهم في تلك اللحظة. جعل تشرشل الأمير يتمنى النصر لأعدائه محتلي بلاده، وكأنه انقلب بين ساعة وأخرى من مجاهد عربي جزائري إلى جندي إفرنسي متمرد تائب مستسلم بذلّ.

وتناسى تشرشل أن عبد القادر، هذا الرجل الذي جعله يقدّم جواده ويتفوه بهذا الكلام، هو من زرع بذور المقاومة في نفوس شعبه، وقاد هذه المقاومة أكثر من سبعة عشر عاماً وانتصر على أكبر قادتهم وأذلّهم بانتصاراته عليهم التي لا تعدّ، والآن هو يخرج من الجزائر لحقن دماء أبناء شعبين شقيقين، الجزائر والمغرب، دماء أخوة في الدين والعروبة والجوار، لأنه المقصود باتفاقية طنجة بين بيجو والسلطان، وهو المقصود بهذه الحرب، فاضطر للانسحاب من زعامة المقاومة بالمفهوم العسكري، والهجرة بالمفهوم الشرعي الإسلامي ليعود أكثر قوة بعد فك ذلك الحصار من غير إسالة دماء الطرفين المسلمين، كما قال في أول الصفحة عقد اتفاقاً، وهو يحمل في جيبه وثيقة رسمية لا يخشى مكروهاً، ولكن تشرشل لم يخطر له أن الأمير سيخرج وهو مطمئن أن المقاومة لن تتوقف لأنه ترك رجالاً مؤمنين من خلفائه سيتابعون المسيرة لإنجاح وانتصار هذا المشروع، مشروع التحرير، مشروع الشعب الجزائري لتحرير الأرض والإنسان والحفاظ على راية الإسلام مرفوعة.

ووصف تشرشل الحاقد في هذا السيناريو، وصف الأمير إما كمن فقد عقله وإما من نشأ نشأة ذليلة جاهل واعتاد على النفاق. أما في (تحفة الزائر)[1] فلقد نُقل هذا السيناريو كما هو مع بعض التغيير البسيط، فقال المؤلف (قام الأمير وقدّم للدوق سيفه، وقال له هذا شرف أقدّمه لفرنسا وفخر عظيم لها، ثم قدّم له جواده مع طبنجيته، وأهداه أيضاً ساعته)، ونسي أن يقول أيضاً برنسه وحذاءه وسار حافياً وعارياً.

الحقيقة أن لا تشرشل ولا مؤلف (تحفة الزائر) كان لهم حضور في تلك الأحداث، ولا أحد منهما قدّم دليلاً على أقواله، فتشرشل حتماً لم يكن حاضراً، ومؤلف (تحفة الزائر) كان في سن السادسة بحضن والدته، أي طفل صغير، لأنه ولد في عام 1844 في القيطنة أو حصن داكمت. وتلك الأحداث جرت في عام 1847، أي كان في سن لم يصل فيها السبع سنوات، وهذا دليل على أن المؤلف نقل هذا الكلام عن كتاب هنري تشرشل الذي سبق إصداره لكتابه بأكثر من أربعين عاماً، ولكنه زاد عليه من خياله إهداء السيف، وجملة (أحسب هذا شرفاً قدم لفرنسا وفخراً عظيماً)، وكأنه هو أيضاً، وأقصد المؤلف، حريص جداً على شرف فرنسا كالبريطاني فنقل عنه هذه الخيالات إلى كتابه وزاد عليها، وكأنهما في سباق من يفوز برضا فرنسا أكثر وعن لسانه ويصورون الموضوع كأن بينه وبين فرنسا خلاف شخصي كخلاف جار مع جار له، أو على الأصح مواطن معارض لقوانين دولته أو نظامها، ثم تاب وندم ووقف يعتذر ويقدم الدليل على تمسكه بعزة فرنسا وسمعتها مذكراً قادة بلاده بموقفه هذا الذي هو فخر لفرنسا، بلاده العزيزة عليه!!

ليس مستغرباً أن يصل الخيال بكاتب أوروبي حاقد على كل مسلم عربي بطل إلى هذه الدرجة، بطل قاد جيشاً ضعيفاً بالنسبة لجيش أقوى دولة أوروبية برية في ذلك الزمن، ووقف في وجه مصالحها وكبّدها تلك الخسائر الفادحة في المال والأرواح، ليس مستهجناً ولا مستغرباً أن تصل به غيرته على جيش أوروبي ينتصر عليه قائد عربي ويهزمه تلك الهزائم النكراء. ويتطاول به الخيال إلى هذه الدرجة من اللاعقلانية والأسطورية، تجاوزت الخيال العلمي المعروف، ولكن نقل نصوص منه بكاملها من الخيالات من غير دليل، ليس فقط خطأ، وإنما كارثي وآثاره وما تركته في أذهان القراء من الاستغراب حتى لو كان فرنسي لا بد للقارئ أن يرى أن هذا المشهد لرجل فقد عقله تماماً أو أنه بعد تعذيبه بالكهرباء أو بوسائل أبشع فقد اتزانه وذاكرته ونسي حتى اسمه ومن هو. والدليل على أن ما ذكر في هذا السيناريو الخيالي هو مجرد خيال عدو حاقد هدفه الانتقام من الأمير. والدليل على أن الأمير لم يفقد عقله، هو موقفه في اليوم التالي أو على الأصح بعد ساعات من إبلاغه إلغاء الاتفاقية وجوابه لدوماس[2] في طولون. وهنا أنقل النص الكامل لجواب الأمير لدوماس في كتاب هنري تشرشل، الصفحة 252، وهذا هو النص حرفياً (وكان عبد القادر يستمع إلى خبر إلغاء الاتفاقية وتقديم البديل وهو البقاء في فرنسا واحتلال القصور والمزارع)، وحينما ألحّ دوماس على الأمير بالرد، يذكر تشرشل في هذا النص أن عبد القادر انطلقت أساريره وركّز عيناه اللتان كانتا كعيني النسر على صديقه القديم (وهنا لي ملاحظة صغيرة على وصف تشرشل لدوماس بالصديق. يقصد تشرشل أن دوماس كان قنصل فرنسا أثناء الهندة التي اعتبرها الأمير هدنة مؤقتة لالتقاط الأنفاس وتقوية أمور دولته وجيشه عام 1837عينته فرنسا قنصلاً لها في العاصمة معسكر)[3]. (وتابع تشرشل كلامه: أن عبد القادر قال لدوماس: ألم تعد تعرفني؟ هل أنت الذي تتكلم معي هكذا؟ أين مواهبك الدبلوماسية المفيدة جداً لفرنسا، ثم أخذ طرف برنسه بكلتا يديه ومال نحو النافذة قائلاً بصوت حاد: لو كنت ستأتي إليّ باسم مليكك بكل ثروات فرنسا وملايينها وتضعها في برنسي هذا لرميتها كلها إلى أمواج هذا المحيط الذي يغسل جدران هذا السجن ولن أتخلّى عن الوعد والاتفاق وسأحمله معي إلى قبري والخزي والعار سيلتصقان بكم وليس بي). هذا الموقف دليل واضح على أن الأمير المجاهد لم يفقد عقله ولا رباطة جأشه وشجاعته التي عُرف بها ولم يكن ضعيفاً حينما عقد ذلك الاتفاق، ولو كان ضعيفاً وأدركت فرنسا أنه كذلك لرفضت خروجه من الجزائر وتابعت الحرب ضده. كذلك رفض ما قدموه إليه باعتراف أعدائه، ذلك العرض المغري لأن معناه النفي، والنفي عقوبة من طرف قوي على طرف ضعيف ولو كان مغلّف بالحرير كالعرض الذي قدّموه للأمير ونُقل إلى كتاب (تحفة الزائر). ولكن في (تحفة الزائر) زيد على النص من جواب الأمير بطولون أنه قال الآتي: لو وضعتهم فرنسا كلها وفرشتموها بالديباج لنفضتها غلى أمواج هذا المحيط، وربما سمعها المؤلف من الأمير نفسه لأن بعض أجزاء من كتابه كتبها المؤلف في حياة والده.
والدليل الثاني: لو كان الأمير قد وقف أمام الدوق تلك الوقفة الذليلة وكان قد وصل إلى هذه الدرجة من الضعف، لما قامت فرنسا باختطافه وبإلغاء الاتفاقية وبلّغته بهذا الأمر في قلعة عسكرية بفرنسا لأن مثل هذا الرجل لا يُخشى منه ولا من احتمال عودته إلى الجزائر، فبأي عين سيقابل بني قومه بعد أن وقف أمامهم يدلي بأمنياته لدومال العائد من الميدان، ويقدّم له الهدايا ويتمنى له النصر والنجاة بجواده المفضّل العربي الأصيل؟ وهنري تشرشل ضابط بريطاني درس الفنون العسكرية في الكليات البريطانية الملكية، ضابط ذكي وخبير، كان يدرك أن ما تخيّله لا يقنع أحد لأن ليس فيه شيء من المعقولية، ومن غير دليل. ولكن كان يعلم أن السيناريو سوف يصبح مرجعاً في المستقبل وتكمن أهميته أن مؤلفه بريطاني محترم، وما سوف يعلق بالأذهان يكفي لمن يريد الكتابة عن عبد القادر حسب أهدافه ، كما يقول المثل الشعبي (ارمي الطينة على الحيط إذا لم تعلق تعلّم)، وهي عملية غسل دماغ ليكرّس فيه الكاتب ما يريده ويختاره وبصورة خاصة الكاتب المغرض الذي يريد من الشعب العربي والشاب الجزائري في بدء تكوين ثقافته والطفل، بصورة خاصة، في بداية وعيه أن عبد القادر استسلم وذهب إلى فرنسا. لقد كرر تشرشل عشرات المرات كلمة استسلم في الأجزاء الأخيرة من كتابه بغاية تكريسها في عقول الأطفال والشباب، كما أسلفت، وهذا المخطط يستطيع الباحث الموضوعي كشفه بسهولة. وفي الندوة الفرانكفونية التي أقيمت بقصر دمر وبتكليف من اللجنة ألقيت محاضرة تكلمت فيها أكثر من ساعة وربع، فوجهت كلامي أثناء محاضرتي إلى السفير الفرنسي وزوجته وقلت أن الأمير عبد القادر لم يكن يوماً صديقاً لفرنسا لعدة أسباب، أولاً خرج من بلاده وهو يحمل اتفاقية رسمية بينه وبينها، فأمرتم قبطان الباخرة التي كانت في طريقها إلى المشرق فحولت مسيرها إلى فرنسا، هذا أولاً، وثانياً: إلغاء الاتفاقية ، ولا أقول أنه ليس لها الحق بإلغائها وإنما التبليغ الذي كان في قلعة عسكرية فرنسية بطولون لا في دائرة الأمير بالجزائر والأمير ما زال بين فرسانه وقواته، فلو أن الأمير أُبلغ بإلغائها وهو بين قواته، لاختار العودة إلى القتال، لذلك لا يجوز القول أنه استسلم أو سلّم نفسه، ولا يستطيع أحد الحكم على أمر لم يحدث، والذي حدث بالفعل هو عملية اختطاف وغدر بإالغاء اتفاق رسمي خرج الأمير وهو يحمله. كنت أتكلم وأنظر إلى وجه السفير الفرنسي، وحينما شاهدت اصفرار وجهه ووجه زوجته، تابعت كلامي فقلت: ولكن فرنسا احترمته ولم تهنه وإنما قامت نحوه بعمل حضاري ولم تضعه في سجن من سجونها وإنما نقلته بكل احترام إلى قصر من قصور ملوكها. وبعد الانتهاء من محاضرتي تقدم السفير الاسباني وقبّل يدي وأعطاني بطاقته وطلب زيارتي، وأيضاً القائم بالأعمال البلجيكي وزوجته وغيرهم من السفراء. كان العدد كبير والكل قدموا لي احترمهم وشكرهم، ربما لأنهم سمعوا كلاماً موثقاً بالدليل العلمي مقنعاً وموضوعياً غير الذي قرأوه عن الأمير عبد القادر في الكتب القديمة من تأويل وتفسيرات عشوائية للأحداث ومن غير دليل.



[1]- محمد باشا (تحفة الزائر)، 1903 م، ص 323

[2]- دوماس أحد كبار الضباط الإفرنسيين عُيّن قائم بالأعمال، أي قنصل فرنسا في=عاصمة دولة الأمير معسكر المؤقتة حتى تحرير مدينة الجزائر التس ستصبح عاصمة بعد معسكر ومعلّم اللغة العربية وقرأ التاريخ الإسلامي، وذلك بعد معاهدة تافنا.

[3]- هنري تشرشل، كتاب (حياة عبد القادر، سلطان عرب الجزائر)، لندن 1869، ص 252، الفصل العشرون.









رد مع اقتباس