رد: التتار وحلم غزو العالم - من الصعود إلى السقوط 10
--------------------------------------------------------------------------------
*** فرار " جلال الدين " :-
وبينما هم كذلك إذ جاء جنكيز خان بنفسه على رأس جيوشه ليرى ذلك المسلم الذي انتصر عليه مرتين في غزنة وكابل فدب الرعب والهلع في جيش المسلمين فقد قلت أعداد المسلمين وتحطمت معنوياتهم ؛ ورأى جلال الدين أن جيشه أصبح ضعيفاً فأخذ جيشه وبدأ يتجه جنوباً للهروب من جيش جنكيز خان أو على الأقل تجنب الحرب لكن جنكيز خان كان مصراً على الحرب ؛ وفعل جلال الدين مثل ما فعل أبوه من قبل فبدأ يتنقل من مدينة إلى مدينة ومن بلد إلى وبلد حتى وصل إلى حدود باكستان فاخترقها حتى وصل إلى نهر " السند " الذي يفصل بين باكستان والهند وهناك قرر العبور في نهر " السند " والدخول إلى أرض الهند مع أن علاقته بأهل الهند علاقة سيئة لكن كان أرحم عنده من لقاء جنكيز خان ولكن عند نهر السند لم يجد السفينة التي يعبر بها مثلما وجدها أبوه من قبل ؛ فأنتظر وفوجئ بعد قليل بجيش جنكيز خان من خلفه فلم يكن هناك بُد من القتال فنهر السند من خلفهم والسفن على مسافة بعيدة ؛ فدارت موقعة رهيبة بكل معاني الكلمة فكل المشاهدين لهذه الموقعة قال أن كل ماضي من الحروب كان لعباً بالنسبة إلى هذا القتال واستمرت الموقعة الرهيبة ثلاثة أيام متصلة واستحر القتل في الفريقين وكان ممن قتل في صفوف المسلمين الأمير " ملك خان " أمير هراه ؛ وفي اليوم الرابع انفصلت الجيوش لكثرة القتل وبدأ كل طرف يعيد حساباته ؛ وبينما هم في هذه الهدنة المؤقتة جاءت السفن إلى نهر السند فلم يضيع جلال الدين أي وقت في التفكير فأخذ القرار السريع في الهروب وقفز الزعيم المسلم إلى السفينة ومعه خاصته ومقربيه وعبروا نهر السند إلى بلاد الهند وتركوا التتار على الناحية الغربية للنهر .
** سقوط " غزنة " :-
بعد ذلك انقلب جنكيز خان على بلاد المسلمين يصب عليها عظيم غضبة نتيجة الهزيمتين اللتان لحقتا بجيوشه من قبل ويفعل بها ما اعتاد التتار أن يفعلوه وأكثر ؛ وكانت أشد المدن معاناة مدينة " غزنة " عاصمة جلال الدين بن خوارزم وهي المدينة التي هُزم عندها قبل ذلك جيش جنكيز خان ؛ فقتل كل رجالها بلا استثناء وسبى كل الحريم وأحرق كل الديار وتركها كما يقول ابن الأثير " خاوية على عروشها كأن لم تغن بالأمس " وكان ممن أمسك به جنكيز خان من أهل المدينة أطفال جلال الدين بن خوارزم فأمر جنكيز خان بزبحهم جميعاً وهكذا ذاق جلال الدين من نفس المرارة التي ذاقها الملايين من شعبه ؛ روى البيهقي أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) قال " كن كما شئت فكما تدين تدان " ؛ وبذلك حقق جنكيز خان حلماً غالياً ما كان يتوقع أن يكون بهذه السهولة وهو احتلال أفغانستان .
فلماذا يكون حلم جنكيز خان وأمثاله احتلال أفغانستان ؟
ولماذا يكون احتلال أفغانستان خطوة لسقوط الأمة الإسلامية ؟
" " " " " من أي محتل نذير خطر على الأمة الإسلامية بأسرها ؟
كل هذا لعدة أمور :-
1- للطبيعة الجبلية للدولة التي تجعل غزوها شبه مستحيل ؛ وبذلك فهي تمثل حاجزاً طبيعياً قوياً في وجه الغزاة ؛ هذا الحاجز يخفف الوضع على البلاد المجاورة لأفغانستان فإن سقطت أفغانستان كان سقوط هذه البلاد المجاورة محتملاً جداً وسيكون غزو أو مساومة باكستان وإيران والعراق أسهل كثيراً .
2- الموقع الإستراتيجي الهام لأفغانستان فهي تقع في موقع متوسط من أسيا ؛ فالذي يمتلك أفغانستان فكأنه ينظر بزاوية بدرجة 360 على المنطقة بأسرها ؛ فهو على بُعد خطوات من دول في غاية الأهمية ؛ فهو لا يراقب باكستان وإيران فقط ولكن يراقب أيضاً دولاً خطيرة في المنطقة مثل روسيا والهند ؛ وفوق ذلك هو قريب نسبياً من الصين فتصبح السيطرة على كامل آسيا بعد احتلال أفغانستان أمراً ممكناً .
3- الطبيعة الجبلية لأفغانستان أكسبت الشعب الأفغاني صلابة وقوة قد لا تتوفر في غيرها من البلاد إن سقط هؤلاء الأفغان فسقوط غيرهم سيكون أسهل بلا شك .
4- يتمتع سكان أفغانستان بنزعة إسلامية عالية وروح جهادية بارزة ومميزة وليس من السهل أن يقبلوا بالإحتلال وظهر ذلك جلياً في انتصارين متتاليين علي التتار فكل الجيوش الإسلامية قبل ذلك فشلت في حربها مع التتار وهذه أول مرة يهزم التتار هزيمتين متتاليتين وكان ذلك في أفغانستان فلو سقط هؤلاء القوم فهذا يعد نجاحاً كبيرا للقوي المعادية للمسلمين .
بذلك يكون التتار قد وصلوا من الصين إلى كازاخستان ثم أوزبكستان ثم تركمنستان ثم أفغانستان ثم إيران ثم أذربيجان ثم أرمينيا وجورجيا واقتربوا جدا من العراق كل ذلك في سنة 617 ه ، ففي سنة واحدة اجتاح التتار هذا الجزء الشرقي من العالم الإسلامي .
** سقوط مراغة :-
في بداية عام 618 ه دخل التتار مدينة مراغة المسلمة وهي تقع في إقليم أذربيجان ومن عجيب الأمور أن امرأة مسلمة كانت تحكم هذه المدينة ، حاصر التتار مراغة ونصبوا حولها المنجنيق وبدأ القتال من التتار للمسلمين بواسطة الأسري المسلمين الذين بدأو بفتح مراغة ، وبدأ الأسري المسلمين يقتلون إخوانهم المسلمين في مراغة طمعاً في قليل من الحياة ودخل التتار المدينة المسلمة في 4 صفر سنة 618 ه ووضعوا السيف في أهلها فقتل منهم كما يقول ابن الأثير ( ما يخرج عن الحد والإحصاء ) ونهبوا كل ما صلح نهبه وكل ما استطاعوا أن يحملوه والذي لم يستطيعوا حمله كانوا يجمعونه ويحرقونه فكانوا يأتون بالحرير الثمين كأمثال التلال فيحرقونه بالنار ، ويقول ابن الأثير ( إن المرأة من التتار كانت تدخل الدار فتقتل جماعة من أهل الدار رجالا ونساء وأطفالا ما يتحرك لها أحد ) وذكر أيضاً أنه قد سمع بنفسه من بعض أهل مراغة أن رجلا من التتر دخل درباً به مائة رجل مسلم فما زال يقتلهم واحداً تلوا الآخر حتى أفناهم جميعاً ولم يرفع إليه رجل واحد يده بسوء فوضعت الذلة علي الناس لا يدفعون عن أنفسهم قليل ولا كثير .
** الخليفة والتتار :-
ثم بدأ التتار يفكرون جدياً في غزو مدينة " أربيل " التي تقع في شمال العراق فدب الرعب في المدينة وكذلك في مدينة " الموصل " التي تقع غرب أربيل ؛وفكر بعض أهل أربيل والموصل في الهروب من طريق التتار ؛ فخشي الخليفة العباسي " الناصر لدين الله " أن يعدل التتار عن أربيل ويتجهوا إلى بغداد فبدأ يفيق من ثباته العميق فبدأ يستفر الناس لملاقاة التتار في أربيل إذا وصلوا إليها ؛ فأعلن حالة الأستنفار العام في كل مدن العراق التي تقع تحت سيطرته فبدأ جيش الخلافة العباسية في التجهز وكان كل ما جمعه الخليفة من الإستنفار العام للمعركة ثمانمائة رجل فقط ولم يستطع قائد الجيش العباسي وكان يدعى " مظفر الدين " أن يلتقي بالتتار بهذا العدد الهزيل ؛ فعندما رأى أمامه جيش التتار وهم مئات الآلاف وهو لا يتعدى الثمانمائة رجل فانسحب من أمامهم ؛ ولكن –سبحان الله – فقد حدث أمر غريب وهو أن التتار شعروا أن هذا الأنسحاب خدعة وأن هذه الفرقة ما هي إلا مقدمة للجيش الإسلامي الكبير ؛ فلا يُعقل أن جيش الخلافة العباسية المرهوبة لا يزيد عن ثمانمائة جندي لذلك قرر التتار تجنب المعركة وانسحبوا بجيوشهم وآثروا أن يدخلوا مع الخلافة في صدام مباشر واستبدلوا ذلك بما يعرف بحرف الاستنزاف فسيقومون بضربات خاطفه موجعة للعراق ؛ سيحاصرون العراق حصاراً طويلاً مستمراً لإضعاف العراق ثم القيام بأحلاف واتفاقيات مع الدول والأمارات المجاورة للعراق لتسهيل الحرب ضد العراق في الوقت المناسب ؛ لذلك انسحب التتار ليطول عُمر العراق عدة سنوات أُخرى .