اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سفير الهضاب
أريد مراجع في الرثاء في العصر العباسي من فضلك
|
4- الرثاء :
توسع الرثاء في العصر العباسي , إذ لم تمت شخصية من الشخصيات العامة , إلا و أبنه الشعراء . و قد صوروا في مراثيهم أعمال الفقيد و حزن الأمة .
قد يكون هذا اللون من الرثاء باهت العواطف , غير أنه يزخر بالحماسة و القوة و التمجيد , يسعى إلى إذكاء الحمية في نفوس الشباب للدفاع عن الأمة و مقدساتها . يقول أبو تمام في رثاء محمد بن حمبد الطوسي القائد العباسي الذي دافع في عهد المأمون عن الخلافة حتى الموت :[15]
فَتَى كُلَّما ارتاد الشجاعُ من الرّدى مقرًّا غداة المأزقِ ارتاد مَصْرَعا
فإن ترْمِ عن عُمْرٍ تداني به المدى فخانك حتّى لم تجدْ فيه منزعــــــا
فما كنت إلا السيف لاقى ضريبةً فقطَّعها ثمّ أثْنَى فتقطّعــا *
كان الشعراء العباسيون يتنافسون في استنباط المعاني النادرة التي تستدعي دقة التفكير و بعد الخيال . يقول أبو تمام في رثاء إدريس بن بدر الشامي :
لإدريس َ يوْمٌ ما تَزَال لذكْره دموعٌ و إنْ سكَّنْتَها تَفْزَعُ
و لما نَضا ثَوْبَ الحياة ِ و أَوْقَعَتْ به نائِباتُ الدّهْــرِ ما يُتَوَقَّـــــــــــــــعُ
غَدَا لَيْسَ يدْري كيف يصنع مُعَدَّمُ درى دمْعُه في خدِّه كيف يصنعُ
أبو تمام يفرض على السمع صيغا جديدة و معاني مبتدعة , فإن الدموع , و إن حبستها , تفزع لذكر الفقيد , و هو يجعل الحياة ثوبا فإن مات المرء نزع هذا الثوب , و المقابلة في البيت الثالث من البراعة بحيث تستحق الإعجاب فالفقير من حزنه عليه ليس يدري ما يصنع و لكن دمعه في خده يدري ما يصنع , إنه يسيل و ينهمر وفاءً و حزنا . [16]
رثى الشعراء العباسيون الأمم السابقة و العصور الخالية , و كانوا كلما رثوا قريبا أو صديقا تأملوا في حقائق الحياة و الموت . يقول أبو العلاء المعري :
غيرُ مجدٍ في ملَّتي و اعتِقادي نوحُ باكٍ , و لا ترنُّمُ شادِ
و شبيهُ صوتُ النعْيّ إذا قيـ سَ , بصوتِ البشير في كلّ نادِ
أبكتْ تلْكُمُ الحمامة ُ أو غـ نّتْ على فرع غصنها الميّاد ؟
صاحٍ هذي قبورُنا تمْلأُ الرحْـ بَ , فأينَ القبورُ من عهد عــادِ ؟[17]
ظهرت ألوانا جديدة من الرثاء من ذلك رثاء المدن لما تحل بها الكوارث , أو رثاء الحيوانات المستأنسة . يقول ابن العلاف في رثاء هر ّ :
يا هِرُّ فارقْتَنا و لمَ ْ تَعُدِ و كنتَ منّا بمنْزل الولدِ
فكيف ننَفكُ من هواك و قد كنتَ لنا عُدّةً من العُدَدِ
تُطْرِدُ عنّا الأذى و تحْــرُسُنا بالغيب من حَيّة ٍ و من جُرَدِ
و تُخْرجُ الفأر من مكامنها ما بين مفتوحها إلى السَُدَدِ[18]
5 – العتاب و الاعتذار :
اعتنى الشعراء في العصر العباسي بشعر العتاب و الاعتذار , و قد تفننوا فيه , إذ استخلصوا معاني جديدة , و صور فريدة . يقول سعيد بن حميد :
إقْلِلْ عتابَــــــــك فالبــــقاءُ قليلُ و الدهرُ يعدل تارةً و يمـــيلُ
لم أبك من زمنٍ ذمـمتُ صروفه إلا بكيت عليه حين يزولُ
فلئن سبقتُ لتبكينَّ بحسرةٍ و ليكثر نَّ عليك منك عويلُ
و لتفجعنّ بمخلصٍ لك وامقٍ حبلُ الوفاء بحبلـــــه موصولُ [19]
5- الغزل :
اعتنى الشعراء العباسيون بالغزل , و قد اقترن هذا اللون بالجواري و القيان . لذلك شاع الغزل الماجن بكل ألوانه . غير أن انشغال المعتزلة و أصحاب الملل و النحل بالحب الأفلاطوني اليوناني قد دفع شعراء المجون النظم في الحب العفيف . يقول بشار بن برد
دعا بفراق مَنْ تَهْوَى أبانُ ففاضَ الّدمْعُ و احترق الجَنَانُ
كأن شرارةً وقعتْ بقْلبي لها في مقلتي و دمي استبانُ
إذا أنشدتُ أو نسمتْ عليها رياحٌ الصيف هاجَ لها دُخاَنُ
على أن سرعان ما ظهر شعراء متخصصون في الغزل العفيف , لعل أشهرهم العباس بن الأحنف [20]. يقول :
يا مَنْ بُسَائِلُ عن (فوز) و صُورتَها إنْ كنتَ لم ترها فانْظِرْ إلى القَمَرِ
كأنّما كان في الفردوس مسكنها صارتْ إلى الناس للآيات و العِبَرِ
لم يخلق اللهُ في الدنيا لها شبيها لها لأحسبُها ليست ْ من البَشَرِ[21]
أدى اتساع حركة المجون , و انتشار مجالس الخمر و الرقص و الغناء في العصر العباسي إلى اتساع وصف الخمر . و قد اقترن هذا اللون من الشعر بالغزل الماجن و الغزل الشاذ . [22] يقول ابن نواس :
ألا فاسقني خمراً , و فُلْ لي : هِيَ الخمْرُ و لا تسْقني سرّا , إذا أمكن الجهْرُ
فعيْشُ الفتى في سكرة ٍ بعد سكرةٍ فإنّ طال هذا عنْدَهُ , قَصُرَ الدهـــــــرُ
و ما الغبنُ إلا أن تراني صاحيًا و لا الغنْم إلا أن يُتَعْتِعُني السكـرُ[23]
6- الزهد :
انتشر في العصر العباسي شعر زهد , و كان أكثر اتصالا بحياة الرعية من شعر الخمر و المجون . و قد تاب العديد من الشعراء عن الحياة اللاهية , و عكفوا بعد ذلك على الزهد , و أشهر هؤلاء : أبو نواس , و أبو العتاهية [24]. يقول أبو نواس :
يا ربُّ , إن عظُمتْ ذنوبي كثيرة فلقد علمتُ بأنّ عَفوك أعظمُ
إن كان لا يرجوك إلا محسنُ فبمن يلوذُ و يستجير ُ المجـــــــرمُ[25]
ثانيا الموضوعات الجديدة :
شهدت الموضوعات الشعرية التقليدية تجددا واسعا في معانيها , حيث دخلت عليها إضافات كثيرة , و قد اتجه الشعراء العباسيون إلى ترقية هذه الجوانب الجديدة حتى أدى ذلك إلى تشكّل موضوعات جديدة . فاهتمام شعراء المدح بالإشادة بالقيم العربية الرفيعة , و حرصهم على التفصيل فيها , دفعهم إلى أن يخصصوا لكل شيمة من الشيم الأخلاقية مقطوعة أو قصيدة . يقول محمد بن يسير في الصبر :
لا تيأسنّ و إن طالتْ مطالبةُ إذا استعنْتَ بصبرٍ أن ترى فَرَجا
إن الأمور إذا انسدتْ مسالكها فالصبر يفتح منها كل ما ارتتًجا
أخلقْ بذي الصبر أن يحظى بحاجته و مدمن قرع للأبواب أن يلجـــا
فاطلبْ لرجلك قبل الخطو موضعها فمن علا زلفا عن عزة زلَجــــا
الحق إن توسع الشعراء في الحديث عن القيم المحمودة أو المذمومة فتح الباب لتحليل الأخلاق . و بذلك أتاح الشعراء للمربين مادة لتأديب الناشئة . يقول حماد عجرد في التصنّع و التزلف :
كم من أخٍ لك ليست تنْكرهُ مادمتَ من دنياك في يُسْرِ
متصنّـــــــــعُ لكَ في مودته يلقاك بالترحيبِ و البِشْرِ
يطري الوفاء و ذا الوفـاء و يلـْ حى الغدْرَ مجتهداً و ذا الغدْرِ
فإذا عدا – و الدهر ذو غيَرٌ - دهْرٌ عليك عَدا مع الدهــرَ
يقول أبو العتاهية في صداقة الأحمق :
احْذرِ الأحْمقَ أن تصْحبهُ إنما الأحمقُ كالثوب الخَلَقْ
كلما رفعته من جانبٍ زعزعته الريحُ يوما فانخرقْ[26]
و من الموضوعات الجديدة شعر التهاني , و هو لون تحول إليه شعراء المدح , م خاصة لاحياء المناسبات الدينية و الاجتماعية كعيد النيروز , و كان أول من استهل شعر التهاني أحمد بن يوسف في عهد المأمون . يقول ابن الرومي في قدح أهداه إلى علي بن يحي المنجم :
و بديع من البدائع يُسْـــــبِي كلَّ عقْلٍ ويصْلي كلَّ طرفِ
كم الحبِّ في الملاحةِ بل أشْـــــــــهى و إن كان لا يناجي بحرفِ
وسط القدر لم يكــبِّر لجرع متوالٍ و لم يصغـِّــــــــر لرشْفِ[27]
الواقع أن التغيرات التي طرأت على الحياة الاجتماعية , و تصاعد حركة التمدن أدى إلى بروز أشكال جديدة من الحياة المختلفة عن الأنماط السابقة . لذلك توسع شعر الوصف , فظهرت موضوعات جديدة , كوصف المهن أو البرك أو القصور .
بقول ابن الرومي في وصف الزلابية :
و مُسْتَقِر على كرسيه , تعِبٍ , روحي الفداءُ لهُ من مُنصَبِ تعبِ
رأيته سِحْراً يقلي زلابيَّــةً , في رقّة القِشْرِ و التجْويفَ كالقصبَ
كأنّما زَيْتُه ُ المقْليُّ , حين بدا , كالكيمياء التي قالوا , و لم تُصبِ
يُلْقي العَجِينَ لُجَيْناً من أنامِلِـــــــــــ ـهِ فيستحيلُ شَبايِكاً من الذهـــبِ[28]
يقول ابن الرومي في المغنية وحيد :
تتغنىّ , كأنها لا تغنـــــــي من سكون ِ الأوصالِ , و هي تُجيدُ
لا تراها , هُناك , تجْحَظُ غَيْنٌ لك , منها , و لا يَدرِ وريدُ
مَدَ في شَأْوِ صَوْتِها نَفَسٌ كا فٍ كأنْفاسِ عاشقِهــا مديدُ
و أرَقَّ الدلالُ و الغنْجُ منـــهُ , و يَراهُ الشَجَا , فَكَادَ يبيدُ
فتراهُ يَموت ُ طوراً , و يحيــا مستلذُّ بسيطُهُ و النشيــــــــــدُ
فيه وشيٌ , و فيه حليٌ من النغـــــ مِ مصوغُ , يختالُ فيه القصيــدُ [29]
يقول البحتري في وصف بركة المتوكل :
يا مَنْ رأى البركةَ الحسناءَ رؤيتهُا و الآنساتِ , إذا لاحت مغانيها
بحسبِها أنّها , في فضلٍ رُتبتَها تُعدُّ واحـــــــدةً , و البحرُ ثانيها
ما بالُ دجلةَ كالغيرى تنــــــافسها في الحسن , طورا , و أطوارا تباهيها[30]
[1] – د . شوقي ضيف : العصر العباسي الثاني . مصر , دار المعارف . ط ( 3) ص : 204
[2] – د . شوقي ضيف : العصر العباسي الأول : ص : 160
[3] – زيدان . جرجي : تاريخ آداب اللغة العربية . بيروت , منشورات مكتبة الحياة . ط : الثانية (1978) . ص : 350-351 .
[4] – د . الشكعة مصطفى : الشعر و الشعراء في العصر العباسي . بيروت , دار العلم للملايين . ط (1980) ص : 46 .
[5] – د . شوقي ضيف : العصر العباسي الأول : ص 161 .
https://univ-mascara.ba7r.org/t11-topic
[6] – المرجع السابق : ص : 162 .
[7] – د . شوقي ضيف : العصر العباسي الثاني : ص : 205 .
[8] – د . شوقي ضيف : العصر العباسي الأول : ص : 163 .
[9] – د – عطوان حسين : مقدمة القصيدة العربية في العصر العباسي الأول . القاهرة . دار المعارف . ط ( 1974) ص : 22 .
* مسجور : موقد . الصباخيد : جمع مفرده صيخود : اللافح الحر .
· الأين : الإعياء . الفلول الجماعات . وعوث : جمع مفرده رعث : و هو المكان السهل .