منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - تحرير حديث:"وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ" رواية ودراية
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-02-26, 15:26   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
جمال البليدي
عضو محترف
 
الصورة الرمزية جمال البليدي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي الشبهة الثانية

الشبهة الثانية:

فإن قيل : المتن لا يتقوى بهذه الطرق, والصحيح منها طريق أبي سلام عن حذيفة وهو مرسل كما قال الدارقطني.

فالجواب من وجوه :

الأول : أن المتن إن لم يتقوَّ بالطرق السابقة فيتقوى بما رواه البيهقي في ((الكبرى)) (16405) وابن أبي شيبة في((المصنف)) (33711) والخلال في((السنة))(54) والآجري في((الشريعة)) (71) وأبو عمرو الداني في ((السنن الواردة في الفتن)) (143) وابن زنجويه في((الأموال)) (30) من طرق عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة قال : ((قال لي عمر بن الخطاب رضي الله عنه : يا أبا أمية, لعلك إن تخلف بعدي, فأطع الإمام وإن كان عبدا حبشيا, إن ضربك فاصبر, وإن أمرك فاصبر, وإن حرمك فاصبر, وإن ظلمك فاصبر, وإن أمرك بأمر ينقص دينك فقل : سمعا وطاعة, دمي دون ديني)) وهذا سند صحيح على شرط مسلم.
فيقال حينئذ : هذا المرفوع الضعيف يتقوى بهذا الموقوف الصحيح.
الثاني : أن الإمام أحمد رحمه الله جزم بنسبة المتن للنبي صلى الله عليه وسلم وذلك فيما رواه حنبل ابن إسحاق عنه في كتابه((ذكر محنة الإمام أحمد)) (ص70) والخلال في ((السنة)) (ص90) قال : ((في ولاية الواثق اجتمع فقهاء بغداد إلى أبي عبد الله أبو بكر بن عبيد وإبراهيم بن علي المطبخي وفضل بن عاصم فجاءوا إلى أبي عبد الله, فاستأذنت لهم , فقالوا : يا أبا عبد الله, هذا الأمر قد تفاقم وفشا-يعنون إظهاره لخلق القرآن وغير ذلك- فقال لهم أبو عبد الله : فما تريدون؟ قالوا : أن نشاروك في أنا لسنا نرضى بإمرته ولا سلطانه, فناظرهم أبو عبد الله ساعة وقال لهم : عليكم بالنكرة بقلوبكم, ولا تخلعوا يدا من طاعة, ولا تشقوا عصا المسلمين, ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم, انظروا في عاقبة أمركم, واصبروا حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر, ودار في ذلك كلام كثير لم أحفظه, ومضوا ودخلتُ أنا وأبي علي أبي عبد الله بعدما مضوا, فقال أبي عبد الله : نسأل الله السلامة لنا ولأمة محمد, وما أحب لأحد أن يفعل هذا, وقال أبي : يا أبا عبد الله, هذا عندك صواب؟ قال : لا هذا خلاف الآثار التي أمرنا فيها بالصبر, ثم ذكر أبو عبد الله قال : قال النبي : ((إِنْ ضَرَبَكَ فَاصْبِرْ, وَإِنْ, وَإِنْ فَاصْبِرْ)) فأمر بالصبر, قال عبد الله بن مسعود....و ذكر كلاما لم أحفظه))
فأنت ترى-أراك الله الخير- أن الإمام أحمد يقول : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إِنْ ضَرَبَكَ فَاصْبِرْ)) جازمًا بنسبة المتن للنبي صلى الله عليه وسلم, فإما أنه يرى صحة طريق حذيفة كما رآه مسلم, وإما يرى أن هذه الطرق يقوي بعضها بعضًا , وإما أنه وقف على طرق أخرى, أو شواهد تثبت المتن عنده, وإلا فإنه لن يجزم بنسبة المتن للنبي صلى الله عليه وسلم إلا وهو يقطع بصحة هذه النسبة.
الثالث : أن معنى هذا الحديث موافق لمعاني الكتاب والسنة, ليس مخالفا لهما, فإن قوله في الحديث : ((تَسْمَعُ وَ تُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ جُلِدَ ظَهْرُكَ وَ أُخِذَ مَالُكَ)) ليس مخالفا لقوله : ((فَإِنْ أَمَرَ بِمَعْصِيَة فَلاَ سَمْعَ وَلا طَاعَةَ))
فإن الأمير إذا أخذ مالك, أو جلد ظهرك فليس هذا بمعصية أمرك بها, وإنما معصية قام هو بفعلها. كما لو شرب الخمر أو لعب الميسر, وقد أُمرت بالصبر على هذا, أما لو أمرك فقال لك : اشرب الخمر, فهنا لا سمع ولا طاعة, فلو قال لك : اضرب فلانا ظلما وعدوانا, فهنا أمرك بمعصية , فلا سمع ولا طاعة حينئذ, أما إذا ضربك فهو لم يأمرك, وإنما فعل هو المعصية, فيبقى الأمر بالسمع والطاعة.
الرابع : أنه ليس في الحديث ما يُسْتشكل أمره, أو يُستبشع ذكره, ولا يهولنك قوله((وَإِنْ أُخِذَ مَالُكَ وَ جُلِدَ ظَهْرُكَ)), فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرهما على السبيل التمثيل لبيان عدم سقوط السمع والطاعة بما هو دون الكفر, وإلا فإن قوله صلى الله عليه وسلم : ((إْلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْرًا)) صريح في بيان أن المنابذة لا تكون إلا مع الكفر, وما كان دون الكفر-مهما عظم أمره- فلا تباح المنابذة, بل يجب السمع والطاعة, وليس أخذ الأموال , ولا جلد الأبشار كفرًا, فلا تثبت به المنابذة, ولا يسقط به السمع والطاعة.
قلت : فإذا تبين أن معنى الحديث موافق للمعلوم من الكتاب والسنة, ليس مخالفًا لهما فهو حينئذ إذا لم يذكر على سبيل الاحتجاج, لذُكر على سبيل الاعتضاد, لأن معناه موافق للكتاب والسنة ليس مخالفا لهما, فلو لم يكن صحيحا لم يمنع هذا من ذكره وروايته في جملة أدلة أهل السنة والجماعة في منع الخروج, لموافقة معناه لمعانيها, ثم إن أهل العلم تلقوه بالقبول, وما زالوا يروونه خلفا عن سلف, ويردون به على الخوارج وغيرهم, وقد احتج به شيخ الإسلام في((منهاج السنة)) في عدة مواضع, فمثل هذا لو فرض أن أبا سلام قاله من تلقاء نفسه, وكان معناه صحيحًا ليس معارضًا للكتاب والسنة, والعلماء ما زالوا يروونه ويتداولونه, لم يمنع هذا من روايته وذكره عند ذكر مذهب أهل السنة في أئمة الجور.
وهذا كله مستفاد من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو يرد على من أنكر عليه رواية حديث : (لاَ يُسْتَغَاثُ بي, وَ لَكِنْ يُسْتَغَاثُ بِاللهِ)) وهو من رواية ابن لهيعة, وهو ضعيف, فأجاب شيخ الإسلام كما في((تلخيص الاستغاثة)) (1/308) :
(هذا الخبر لم يذكر للاعتماد عليه, بل ذكر في ضمن غيره ليتبين أن معناه موافق للمعاني المعلومة بالكتاب والسنة, كما أنه إذا ذكر حكم بدليل معلوم ذكر ما يوافقه من الآثار والمراسيل وأقوال العلماء وغير ذلك, لما في ذلك من الاعتضاد والمعاونة, لا لأن الواحد من ذلك يعتمد عليه في حكم شرعي, ولهذا كان العلماء متفقين على جواز الاعتضاد والترجيح بما لا يصلح أن يكون هو العمدة من الأخبار التي تكلم بعض رواتها لسوء حفظ أو نحو ذلك وبآثار من الصحابة والتابعين, بل بأقوال المشايخ والإسرائيليات والمنامات مما لا يصلح للاعتضاد, فما يصلح للاعتضاد نوع وما يصلح للاعتماد نوع, وهذا الخبر من النوع الأول, فإنه رواه الطبراني في((معجمه)) من حديث ابن لهيعة, وقد قال أحمد : قد كتبت حديث الرجل لأعتبر وأستشهد به, مثل حديث ابن لهيعة, فإن عبد الله بن لهيعة قاضي مصر كان من أهل العلم والدين باتفاق العلماء, ولم يكن ممن يكذب باتفاقهم, ولكن قيل : إن كتبه احترقت فوقع في بعض حديثه غلط, ولهذا فرقوا بين من حدث عنه قديما, وبين من حدق عنه حديثا, وأهل السنن يروون له, والسياق الذي ذكر فيه هذا الحديث في جواب الفتيا لفظه : فأما ما لا يقدر عليه إلا الله فلا يجوز أن يطلب غلا من الله, لا يطلب ذلك لا من الملائكة ولا من الأنبياء ولا من غيرهم...إلى أن ذكر الحديث, لأن فيه لفظ الاستغاثة التي كان فيها النزاع, وهو كتاب مشهور, وقد روى الناس هذا الحديث من أكثر من خمس مئة سنة إن كان ضعيفا, وإلا فه مروي من زمان النبي صلى الله عليه وسلم, ومازال العلماء يقرؤون ذلك ويسمعونه في المجالس الكبار والصغار, ولم يقل أحد من المسلمين : إن إطلاق القول : إنه لا يستغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم كفر ولا حرام.
وكان إيراده بيان تقدم تكلم العلماء والسلف بهذا اللفظ, ولو كان عبد الله بن لهيعة ذَاكِرًا لا آ ثِرًا ولم ينكره المسلمون عليه لكان في ذلك مستندا لهذا الإطلاق, فإن الرجل قاضي مصر في ذلك الزمان وهو من أكبر العلماء المفتين ونظير لليث بن سعد, والغلط الذي وقع في حديثه لا يمنعه أن يكون من أهل الاجتهاد والفتيا مثل محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قاضي الكوفة, وكان زمانهما متقاربا, فإنه أعيان الفقهاء المفتين وإن كان في حديثه ضعف, وكذلك شريك بن عبد الله وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن وغيرهم من المشهورين بالفتيا , إذا تكلم في حديثهم لم يمنع هذا أن يكونوا من المجتهدين المفتين, إذا كان النزاع في إطلاق لفظ وقد أطلقه أحد هؤلاء العلماء إما آثِرًا أو ذَاكِرًا وسمعه الناس منه ونقلوه عنه, ولم يعرف أن أحدا أنكره عُلم أن علماء المسلمين كانوا يتكلمون بمثل هذا اللفظ, وأن المتكلم به ليس خارقا للإجماع ولا مبتدعا لفظه لم يسبق عليه
)).
قلت : فأنت ترى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في غاية القوة والمتانة, وبذا يتبين صلاحية ذكر حديث حذيفة بن اليمان في هذا الباب في بيان ذكر عقيدة السلف الصالح في تحريم الخروج على أئمة الجور والأمر بالصبر عليهم.
الخامس : أن تحريم الخروج على أئمة الجور كأصل من أصول أهل السنة والجماعة أمر ثابت دلت عليه الأحاديث الكثيرة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ((الصحيحين)) وغيرهما, فلو ثبت ضعف حديث حذيفة بن اليمان, أو وهائه فليس هذا بمسقط لهذا الأصل بل إسقاط أصل لسقوط دليل واحد من أدلته هو عين الجهل كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ((الصفدية))(1/115) : ((وغاية أحدهم أن ينفي الشيء لانتفاء دليل معين وهذا غاية الجهل).
قلت : لأن الحكم إذا بني على عدة أدلة وسقط أحدهما بقي الحكم كما هو, بخلاف ما لو ثبت الحكم بدليل واحد ثم تبين ضعف الدليل, فحينئذ يسقط الحكم, ولما كان هذا الأصل ثابتا بنصوص كثيرة فلا يضيره ضعف أحدهما, أو عدمه بالكلية.

يتبع.....









رد مع اقتباس