أدركت سعاد أن ابن عمها عازم على طلب يد الفتاة، فأطرقت برهة صامتة ساكنة خيل للفتى انها دهرا ثم اندفع قائلا: " ما الخبر يا ابنة عمي، امخطوبة هي؟"
قالت و هي ترفع رأسها ببطء من إطراقها: " لا ليست مخطوبة لأحد، و لكني أرى الطريق إليها وعرا ".
فامتقع لونه و قال: " إني لا افهم ما تقولين، هل هناك ما يشوب سمعتها ؟ "
فهزت رأسها سلبا و قالت : " بل هي عذراء طاهرة كالملائكة، تعيش مع أمها عيشة شريفة لا تشوبها شائبة، و هما المثل الأعلى عند أهل الحي بحسن السيرة و طهارة الذيل".
عاوده هدوؤه و قال: " إذا كنت تغنين إن والدي سيعترضان على هذا الزواج، فلن يهمني ساعتئذ غضبهما أو رضاهما؟ و ليس لزاما علي أن اربط حياتي بحياة من يريد أهلي أن تكون شريكة لعمري، و أتزوج الفتاة التي يحبها لي غيري" .
قالت سعاد: " ليس هذا كل ما هنالك يا ابن عمي، بل اخشي ألا ترضى بك الفتاة".
فبهت الشاب و لم يجد ما يقوله، و تساءل في نفسه: " ترى أي عيب تراه ابنة عمي بي حتى تلقاني بمثل هذه الصفعة ؟ "
و كأنما أدركت سعاد ما دار بخلده، فهتفت به: " عسى ألا تكون اخطات فهمي يا ابن العم ".
فرفع عينيه إليها و قال: " لست افهم منك سوى أني لست للفتاة بأهل ".
قالت: " بل لست أرى من هو أكثر أهلا منك لها، و لكنك لا تعلم أن والد الفتاة استشهد و هو يدافع عن وطنه في ثورة عام 1936 ، و مات الميتة الشريفة التي ماتها زوجي، أخوك ، و كذلك أخوها، و اليوم بدأ الناس يتهامسون عن الثروة التي ينعم بها والدك و يقرنون اسمك بما لا يشرفك".
فما كادت سعاد تتم قولها حتى رأت ابن عمها يثب على قدميه و يصيح قائلا: " و هل حذا أبي حذو أولائك الخائنين؟"
أشارت إليه بصمت و تلفتت حولها و همست: " هذا ما يردده بعض الناس".