منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - طلب رواية وداع مع الاصيل
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-02-09, 00:46   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
ام هالة شهرزاد
عضو متألق
 
الصورة الرمزية ام هالة شهرزاد
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

في هذه الأمسية جلست سلمى تتابع رسم لوحتها، و كانت الشمس قد آذنت بالمغيب، فأرسلت خيوطها الذهبية الضاربة إلى الحمرة تنسج منها حلتها الوردية و تنحدر بها على وجه مياه البحر الرقراقة الزرقاء.
فانصرفت الفتاة بنظراتها إلى ذلك المنظر البديع تستلهم من الطبيعة أجمل صورها و تقدمها في لوحتها وسط إطار رائع خلاب.
و مر إذ ذاك عن كثب من بيت ( نجلاء ) و ابنتها فتى مديد القامة، وسيم الطلعة، قمحي اللون، تتألق عيناه السوداويان ببريق القوة و الشباب، و تنطبع على محياه الجميل دلائل الشهامة و النبل، و كانت سنه لا تتجاوز بضع و عشرون عاما، و أول ما يسترعي الناظر إليه بنوع خاص جمال رجولته و قوة شخصيته.
و لمحت تلك الغادة الحسناء و هي مكبة على لوحتها، تتابع فيها رسمها و قد تهدلت خصلات شعرها الفاحمة و استقرت واحدة منها فوق جبينها الساطع و تناثر بعضها حول جيدها الطويل. أما شفتاها المطبقتان فقد حاكت بلونهما حمرة الشفق الأرجوانية، و راحت عيناها تومضان من بين أهدابها الغزيرة السوداء بوميض ساحر خلاب كلما انتقلت بنظراتها ما بين لوحتها و بين منظر الطبيعة البديع.
و لم تشعر بالفتى الذي بهره جمالها فتسمر مبهوتا في مكانه مسلوب اللب مبهور الأنفاس. و همس في نفسه و عيناه شاخصتان إلى الفتاة: " أهناك بالله لوحة أجمل من هذه يمكن أن تصورها تلك الغادة على طبيعتها هذه ؟ " .
و كانت الشمس قد احتجبت تماما و بدأ الغروب ينشر أجنحته على الكون و يطوي من تحتها الفضاء، فألقت الفتاة بريشتها، و ارتدت برأسها إلى ظهر مقعدها تمعن النظر فيما أنتجته عبقريتها من الهام الطبيعة و جلالها في ساعة الغروب.
فتراجع الفتى و استدار على عقبيه و هو يشعر نحو الفتاة بشعور غريب أشبه بالجاذبية، و سار في طريقه إلى ذلك القصر المواجه لبيت الفتاة و ولج بابه.
كان هذا الشاب هو ( وليد ) ابن مالك القصر ( شكري بك) قد عاد من انجلترا بعد أن درس الحقوق هناك، و كانت قاعة القصر في تلك الليلة بالذات تعج بالأقارب و الأصدقاء حفاوة بعودته.



و لبس المنزل الكبير حالة رائعة من البهجة و المرح تراقصت من حوله الأنوار الساطعة و ترنمت الصبايا بالأغنيات الشائعة تنبعث أصواتهن من نوافذ القصر مع حلقات الفضاء رخيمة صافية كرنين الفضة الخالصة.