لمحة عن رجالات و أعلام أشجع
كانت قبيلة "أشجع", فجر الإسلام, تستوطن ضمن بني عمومتها غطفان"بنجد" مما يلي وادي القرى و جبلي طيء (بالممكلة العربية السعودية) و قبل ظهور الإسلام كانت قبيلة"أشجع" معروفة لدى القبائل العربية بعصبيتها و قوتها و دهاء رجالاتها و منهم" عقبة بن جليس بن أشجع" الذي جعلت على يديه الرهان يوم"داحس و الغبراء"و التي أدت إلى اندلاع حرب قبلية دامت عشر سنين بين القبائل العربية. كانت قبيلة أشجع ,كباقي بطون غطفان, تسمى بعرب الضاحية, تسكن الخيام ولا تأوي المدن و لا تخالط أهلها. و مناطق سكناها و نجوعها حول المدينة المنورة, أو يثرب,بوادي القرى:وهي:"أبنى" و"الحاجر"و"الهباءة"و" أبرق" و" الحنان".
و لما ظهر الإسلام و استقر الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة بين الأوس والخزرج, ظاهرته "أشجع" العداء و تحالفت مع" قريش" و باقي بطون غطفان لقتاله, ووقعت معارك وغزوات عديدة بين المسلمين و القبائل العربية المعادية.
إلا أن أخطر حادثة كادت أن تغير مصير الدعوة الإسلامية, لولا نصر الله, هي وقعة "الأحزاب"
و في هذه الواقعة يذكر المؤرخون أن قريشا تحالفت مع غطفان و منهم"أشجع" و كذلك مع يهود المدينة, للقضاء على الدعوة الإسلامية في مهدها و خرجت قريشا على رأسها"أبو سفيان" والتحقت بها غطفان يقودها"عيينة بن حصن بن حذيفة" و معه"أشجع" و"فزارة" و"ذبيان" و"أسد"و"عبس" فحاصروا المدينة و اشتدت الأمور على الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين, و عزموا على الإستشهاد.
و تفاقمت أمور المسلمين لاشتداد الحصار عليهم و عزم اليهود على الفتك بهم من الخلف, و كانت الأمور تزداد تعقيدا يوما بعد يوم, إلى أن جاء رجل من قبيلة"أشجع", كان قد أسلم مند عهد قريب,واستأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في استعمال خدعة يشتت بها جموع الأحزاب و كان له ذلك, فدعا له الرسول صلى الله عليه وسلم و قال:"الحرب خدعة يا نعيم". و هذا الرجل يسمى "نعيم" بن مسعود بن أنيف بن ثعلبة بن منفذ بن خلاوة بن سبيع بن أشجع. و بفضل هذا الرجل من قبيلة أشجع كفى الله الرسول و المسلمين شر القتال و فرق عنه أعداءه و أنقد الدعوة الإسلامية وتعرف هذه الحادثة التاريخية"بغزوة الخندق".
و نذكر من أشجع"معقل بن سنان" سيد هذه القبيلة و كان من الصحابة المقربين لرسول الله صلى الله عليه وسلم و لما استشهد هذا الأخير قال الشاعر:
و لما اضحت الأنصار تبكي سراتها
وأشجع تبـــــــــــكي معقل بن سنان
و قد اطلعت على كتب و مخطوطات نادرة في كل من الخزانة الوطنية الفرنسية و بمعهد العالم العربي بباريس, ووجدت العديد من النصوص التي تتحدث عن دور قبيلة "أشجع" و رجالاتها في الموازين و الأحداث السياسية, سواء في شبه الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام, أو أثناء نشر الدعوة الإسلامية و الأحداث التي تخللتها.
و استعرض البعض منها لما كانت لها من بعد سياسي و عقائدي. و سيتبين لنا مدى الصعوبة التي واجهها الإسلام لتوحيد القبائل العربية و الحد من عصبيتها و نسبية نجاحه في ذلك, من خلال تعرضنا لنمودج"قبيلة أشجع". هذه القبيلة كجل القبائل الأخرى ظلت على عصبيتها رغم دخولها في بوثقة الأمة الإسلامية.
فهناك أحداث و وقائع عديدة يشار فيها إلى قبيلة"أشجع" و علاقتها بالقبائل العربية و كذلك دخولها التدريجي في دين الإسلام و صدامها مع أهل المدينة في بعض الأحيان. و إلى حدود السنة العاشرة للهجرة, لم تكن"أشجع" قد أسلمت كلها. لكن البعض منها كان من الأولين في صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا.
و كان للمسلمين, في مطلع الإسلام مع جيرانها "غطفان" و منهم"أشجع" علاقات تتسم بالصدام في بعض الأحيان و المهادنة في بعضها الآخر, و نذكر أن الرسول صلى الله عليه و سلم وادعهم في ربيع الأول من السنة الخامسة للهجرة و سمح لهم بأن ترعي إبلهم بأراضي المدينة, لأن أرضهم بوادي القرى اجذبت تلك السنة.
إلا أنهم, و في نفس السنة تحالفوا مع قريش و كادوا أن يفتكوا به في"غزوة الخندق", لولا أمر الله.وتقول بعض الروايات أن الرسول صلى الله عليه و سلم حاول أثناء حصار الأحزاب للمسلمين أن يبرم اتفاقا سريا مع" أشجع" و بطون غطفان لفك الحصار مقابل ثلثا ثمار المدينة, لكن لم تتم لمعارضة بعض الصخابة لها. ثم أتى الفرج كما قدمناه في خبر خدعة"نعيم بن مسعود الأشجعي".
الخبر عن اعتناق أشجع للإسلام
و تقول بعض الأخبار عن المؤرخين كابن خلدون و غيرهم أن إسلام"الأعراب" و القبائل العربية المجاورة للمدينة, و منهم"أشجع" و بنو أسد, لم يكن في بداية الأمر إلا وسيلة لتجنب الصدام مع جيش المسلمين الذي قويت شوكته بعد فتح مكة, إذ أنه لما افتتحت مكة,و دانت قريش و دخلها الإسلام, عرفت" الأعراب" و من بينهم"أشجع" أنهم لا طاقة لهم بحرب رسول الله صلى الله عليه و سلم و عداوته, فدخلوا في دينه جنوحا للسلم و طلب المهادنة و ليس إيمانا منهم بالدعوة الإسلامية. و لهذا نزلت فيهم الآية الكريمة"قالت الأعراب آمنا. قل لم تومنوا و لكن قولوا أسلمنا و لما يدخل الإيمان في قلوبكم"... الاية السورة
طـــــــــرائف أشجعــية:
ومن الروايات الطريفة أنهم لما جاؤوا ضمن الوفود لمبايعة الرسول صلى الله عليه و سلم قالوا:"جئنا نفاخرك بخطيبنا و شاعرنا" فاخرج أليهم الرسول صلى الله عليه و سلم"حسان بن ثابت" و" الأقرع بن حابس", فأنشد الأول و خاطب و فاخر الثاني. فتشاورت "أشجع" بينها ثم قالوا: هذا الرجل مؤيد من الله, خطيبه أخطب من خطيبنا, و شاعره أشعر من شاعرنا, فأسلموا وأحسن الرسول صلى الله عليه و سلم جوازهم.
و في هذه الحادثة وفد على رسول الله صلى الله عليه و سلم رجل من"أشجع" يسمى"ضمضام بنثعلبة" و استحلف رسول الله صلى الله عليه و سلم على ما جاء به من الإسلام, وذكر التوحيد والصلاة و الزكاة و الصيام و الحج واحدة واحدة, حتى إذا فرغ الرسول صلى الله عليه و سلم من القسم بصحتها, تشهد ضمضام و قال:"و الله لأؤدي هذه الفرائض و أجتنب ما نهيت عنه لا أزيد عليها و لا أنقص" ثم انصرف, فقال الرسول صلى الله عليه و سلم " إن صدق دخل الجنة".