من لم يكن إنسانيا فلا يدخل علينا
أن تكون إنسانا فهذه تسمية تميزك عن بقية ما سواك من المخلوقات أمٌا أن تكون إنسانيا فهو انسجام مع جوهرك و ترسيخ للوعي بكرامة وجود ك بما يعني جلال دورك و عظيم مسؤولياتك
إن الإنسان مخلوق مميز تشًرف عن بقية الكائنات بالعقل و النطق و العاطفة: بالعقل ليفهم و بالنطق ليعبر و بالعاطفة ليتواصل و يتألف
فالإنسان للإنسان مثيل في النوع و شريك في الفعل ومن البديهي أن يكون اجتماعيا فهذا من مستلزمات طبعه و خصائص جوهره و لعل منطلق تلك الخصائص و قاعدتها هي تلك الروح العاقلة التي تسكن بين جنباته ما يسمح لملكة الوعي أن تنمو و تتطور و يمنحه فرصة فهم ما يدور حوله و يمكُـنه من إدراك مبتدإ الأشياء و منتهاها فيسأل و يفهم و يستنتج و تبعا لذلك و بالعقل و الإدراك يكون منتجا للفعل مراكما للمعرفة مؤسسا للحضارة منوُعا للثقافة, ثراء لا مثيل له و فسيفساء خلابة تعكس وحدة الإنسان في أصوله و جمال تنوعه و تعدد إسهاماته
إن هذه الروح الخلاقة و هذا الوعي المتنامي و تلك الإرادة على الفعل و الابتكار سمحت للإنسان بإثراء المعرفة و التأثير في نمط الحياة و تغيير وجه العمران
يمد يده إلى المريخ و يتواصل في لمح البصر و يسافر أسرع من الصوت, يفك رموز الفضاء و يرصد أسرار الأرض
وفيما يتساوى كل الناس في شرف الصفات ككائنات تعقل و تنطق و تشعر متنوعة الثقافة أينما وجدت فهي تتمايز بمدى إسهامها في صروح المعرفة و تحكمها في منابع الحضارة مما يحدد ملامح عصر بعينه و يرسم سمات أزمان مختلفة
و لما كانت المعرفة تراكمية وبناء الحضارة جماعيا و متلاحق فقد وثق التاريخ على مدى عصور و أزمنة و عقود من له الإسهام الأكبر في هذه الصروح
و من الأكيد أن هناك من تشرف بالريادة في هذا البناء في مراحل متعاقبة و من تبقى فقد شارك في هذا الإسهام آو تأثر به
و الحضارات المتعاقبة على مدى التاريخ تعترف بشرف الريادة لجزء من الناس و لا تستثني احد من الإسهام فيها ذلك لان الإنسان بكليته هو الذي أنتجها بتطور عقله و تنامي وعيه و تنوع ثقافاته.
و تبعا لذلك:
ننتهي إلى أن الإنسان متى ما كان إنسانيا بعقل يفهم و إرادة فاعلة و عاطفة مفعمة كان مثريا للمعرفة بناءا للحضارة كان وفيٌا عندئذ لمعناه ملتزما بجوهره محترما لنفسه باحترام الآخر الإنسان فهو مثيل في شرف الصفات و كرامة الوجود و شريك في البناء البشري
تلك هي قاعدة التواصل و منطلق التعارف يكون بالاعتراف, بداية بجوهر الإنسان ككائن مكرم بالعقل و النطق و الوجدان ثم بدوره في تنمية المعرفة و نشر الثقافة و بناء الحضارات بروح العدل و سمت الاعتدال
و لعله من الوجاهة بمكان و من باب الدعوة إلى الالتزام بجوهر المنحى الإنساني للإنسان الذي يشمل الناس جميعا على قاعدة شرف الصفات و جلال المسؤولية يمكن ان نقول و بكل احترام
من لم يكن إنسانيا فلا يدخل علينا
بقلم أبو هبة التونسي