2009-03-08, 01:08
|
رقم المشاركة : 3
|
معلومات
العضو |
|
إحصائية
العضو |
|
|
4. فيما يتعلق بتطور المجتمع عنده يذكر نصا في كتابه (قواعد المنهج) – الذي يعد تلخيصا للكثير من تصوراته لعلم الاجتماع، وللمجتمع – يذكر أن العامل الفعال الوحيد الذي يؤثر في المجتمع هو البيئة الاجتماعية بمعنى الكلمة ونعني بها البيئة الإنسانية. وحينئذ فيجب على عالم الاجتماع أن يبذل مجهوده الرئيسي في الكشف عن مختلف خواص هذه البيئة الإنسانية التي تستطيع التأثير في تطور الظاهرات الاجتماعية. ولقد اهتدينا حتى الآن إلى نوعين من الخواص التي يتحقق فيها الشرط السابق بصفة شديدة الوضوح. أما النوع الأول فهو (عدد الوحدات الاجتماعية ) أو ما سبق أن أطلقنا عليه اسم حجم المجتمع. وأما النوع الثاني فهو درجة تركز (الكتلة الاجتماعية) أو ما سبق أن أطلقنا عليه اسم (الكثافة الديناميكية). ويجب ألا يفهم هذا المصطلح الأخير على أنه يعبر فحسب عن درجة التركز المادي التي لا تؤثر تأثيرا واضحا مادامت هناك بعض الفجوات الروحية التي تفصل بين الأفراد، أو تفصل بالأحرى بين مجموعات الأفراد، بل يجب أن يفهم هذا المصطلح أيضا على أنه يعبر عن الصلات الروحية الوثيقة التي لا يعد التركيز المادي إلا تابعا لها، أو بصفة عامة إحدى نتائجها .. وبهذا يمكن تحديد الكثافة بعدد الأفراد الذين يعيشون حياة مشتركة إلى جانب ما يتبادلونه من خدمات وما يوجد بينهم من تنافس وليس من الممكن أن تتأثر الحياة الاجتماعية إلا بعدد الأفراد الذين يشتركون اشتراكا فعليا في هذه الحياة. ولهذا السبب كانت درجة الالتئام بين الأجزاء الاجتماعية التي يتكون منها أي شعب من الشعوب هي خير وسيلة تعبر عن كثافته الديناميكية .. والحالة التي توجد عليها هذه البيئة – في كل لحظة تخضع هي نفسها لبعض الأسباب الاجتماعية، وهذه الأسباب على نوعين: فمنها ما هو جزء لا يتجزأ من بقية المجتمع، ومنها ما يرجع إلى التأثير المتبادل بين هذا المجتمع وبين المجتمعات الني تجاوره.(1)
والمدقق في هذا النص يستطيع أن يتبين أولا أن كثافة المجتمع، وتقسيم العمل والاتصال بمجتمعات أخرى عوامل بارزة في التطور والتغير الاجتماعي .. ويستطيع أن يتبين ثانيا أنه يعتبر الواقع المادي الموضوعي – ليس فقط الواقع الاقتصادي – تابعا للأفكار والتصورات، أو بصفة عامة لمظاهر الوعي الجمعي المتمثل في وجود قيم مشتركة بين الأفراد.(2)
5. يمثل كتابه تقسيم العمل الاجتماعي أهمية كبرى في التعرف على الفكر الدوركايمي، لأنه كان موضوع أطروحته للحصول على الدكتوراه، ولأنه العمل الرئيسي الذي قد يلي (قواعد المنهج) في الأهمية، من وجهة نظر دارسي نظرية علم الاجتماع، لأنه من خلال قضاياه وأفكاره يبين لنا تأثره الواضح بفكر (أوجيست كونت) بل وبالمماثلات البيولوجية التي عقدها صراحة وضمنا مع المجتمع الإنساني. وإذا أردنا اختصار الوقت والصفحات لعرض الفكرة المحورية لهذا الكتاب فلن نجد خيرا من (ريمون آرون) عالم الاجتماع الفرنسي الذي ألم بكتابات (دوركايم) سياقا ولغة وتحليلا. يذهب (ريمون آرون) في كتاب (التيارات الأساسية في الفكر السوسيولوجي) إلى أن الفكرة الأساسية التي يقوم عليها كتاب (تقسيم العمل) تتركز في التصور الدوركايمي لتحديد العلاقة بين الفرد والمجموع. ويعرض (آرون) المسألة من خلال التساؤل التالي: كيف يقيم جمع من الأفراد مجتمعا؟ وكيف ينجزون الشرط الضروري – الوعي – لوجودهم الاجتماعي؟ لكي يجيب دوركايم على هذا السؤال أقام تمييزا واضحا بين نمطين من التضامن: التضامن الآلي والتضامن العضوي. تتحدد أهم خصائص مجتمع التضامن الآلي بضيق الاختلاف والفوارق بين الأفراد وانحسارها إلى أقل درجة ممكنة. فالأفراد في هذا المجتمع متشابهون، لهم نفس المشاعر والأحاسيس، ويتمسكون بنفس القيم ويتفقون على نفس الأشياء المقدسة. وبعبارة موجزة أفراد هذا الجمع متجانسون لأنهم لم يتباينوا ولم يتغيروا بعد. وعلى النقيض من هذا النمط يكون التضامن العضوي، الذي يأتي تضامن الأفراد وتماسكهم فيه نتاجا لتباينهم، وتعبيرا عن هذا التباين في الوقت نفسه. ولأن الأفراد يتغايرون ويتبادلون فهم يتفقون ويحدث بينهم الالتقاء. وهنا يطرح (آرون) التساؤل التالي: لماذا عن لـ (دوركايم) أن ينطلق على التضامن القائم على التباين تضامنا عضويا؟ هنا تدخل المسألة البيولوجية للتبرير والتوضيح. فمكونات الكائن الحي لا تتشابه، أليس المسألة البيولوجية للتبرير والتوضيح. فمكونات الكائن الحي لا تتشابه، أليس العقل مختلفا عن القلب وعن الرئتين؟ بلى، فهذه الأعضاء متغايرة لكنها ضرورية ولا غنى عنها للجسم بالتساوي، فكل يؤدي وظيفته.(3)
ولكن ما الذي ينقل المجتمع من الحالة الآلية إلى العضوية؟ يحدد (دوركايم) هذا كما هو مبين في الفقرة السابقة مباشرة في الكثافة الاجتماعية، والتقسيم الاجتماعي للعمل، وأنماط الاتصال التي تيسر التلاحم بين الأفراد وبالتالي الاتفاق والاشتراك القيميين وبين البيئة الاجتماعية وما يحيط بها من عوالم.
6. تتلخص الأبعاد المنهجية لبحثه للظاهرات الاجتماعية في ضرورة دراسة هذه الظاهرات كأشياء، وتحرر الباحث من كل فكرة يعرفها عن الظاهرة موضوع دراسته. وأما عن أساليبه البحثية فتتمثل في الملاحظة والمقارنة، وتتبع تطور الظاهرة، وتفسيرها تفسيرا وظيفيا من خلال إنجازاتها وأدوارها في السياق البنائي الكلي.(4)
7. وأخيرا يتحدد المسعى العلمي لديه في الكشف عن القوانين التي تحكم الظاهرات الاجتماعية، وذلك لهدف مجتمعي هو علاج المشكلات الاجتماعية، حتى نصل بالمجتمع إلى التضامن الاجتماعي المنشود وتقسيم العمل الوظيفي الفعال. فكأن الغايات العلمية الأقرب إلى البرجماتية هي المخرج النهائي ( ولا يستحق علم الاجتماع لحظة عناء واحدة إن لم تكن له فوائد علمية)،(5)لكنها فوائد تسير صوب تدعيم الأوضاع القائمة.
(1) ايميل دوركايم، قواعد المنهج في علم الاجتماع، ترجمة محمد قاسم مصدر مذكور، ص 229 – 233. (2)Rosenthal et Yudin, op. cit (Durkheim).
(3) دوركايم قواعد المنهج في علم الاجتماع، مصدر مذكور، ص 70 – 74.
(4) ريمون أرون، المجتمع الصناعي، ترجمة فكتور باسيل، منشورات عويات بيروت، 1965م، ص 170. (5) Aron, R.Main Curreents, 2op, cit, p 44
|
|
|