2009-03-08, 00:40
|
رقم المشاركة : 5
|
معلومات
العضو |
|
إحصائية
العضو |
|
|
موقف الرجل من الظروف.
لم يكن الرجل رجل علم فقط ولم يكن رجل عمل عام فقط، بل كان هذا وذاك، مفكرا ومنظرا وسياسيا وصحافيا وعالما في الاقتصاد، والاجتماع، وعلم النفس، والفلسفة وغيرها ... كان رجلا موسوعيا بكل ما تحمله الكلمة من مضمونات، ولم يرتبط ببلد محدد، فتحرر من الإقليمية الضيقة، ووسع من مضمونات، ولم يرتبط ببلد محدد، فتحرر من الإقليمية الضيقة، ووسع نسرح مشاهداته، وعمقها من منهل التاريخ الإنساني. ولهذا يعد موقفه مما أحاط به نتاجا لكل ما مارسه وخبره ..، وبإيجاز أتى العلم عنده مغايرا لمن سبقوه موضوعا ومنهجا وغاية .. ويمكن أن تمدنا المقارنة بينه وبين (أوجست كونت) بأبعاد يمكن أن تجلو موقف الرجل من المجتمع والإنسان:
1. فإذا كان (كونت) قد ساوى بين دراسة المجتمع ودراسة الطبيعة، لأن العلم الطبيعي كان لديه النموذج الذي على علم الاجتماع أن يسير في ركابه، مما خنق العمل الاجتماعي لتصوره له خاضعا لقوانين عقلية أزلية(1) لا تتغير ولا تفيد معها أية محاولة إنسانية، ما دام كل شيء يسير طبيعيا سواء حاول الإنسان أو لم يحاول، فإن (ماركس) نظر للإنسان كموجود واقعي نوعي خلاق، وأرى أن للمجتمع مسارا ديناميا متغيرا، وأنه يجب التدخل لإصلاح المسار وتغيير وجهته تغييرا مقصودا. وهذا هو معنى التنمية في معظم الأدبيات المعاصرة.
2. لم ير (ماركس) المجتمع مجرد مجموعة من الأفراد تتحكم في علاقاتهم نوازعهم السيكولوجية مما جعله لا هو ولا كونت أو هيجل المؤثر البارز في هز سطوة النزعة النفسية التي سيطرت على النظريات السابقة عليه.(2) وهذه مسألة أسهمت في بلورة الموضوع السوسيولوجي الأساس المحدد بما هو اجتماعي.
3. إن المفهومات الأساسية في نظرية (ماركس) مثل البناء الفوقي، قوي الإنتاج، علاقات الإنتاج، التكوين الاجتماعي الاقتصادي، مفهومات سوسيولوجية وكلية بنائية، يمكن دراستها وتحليلها، وجمع شواهد معاصرة وتاريخية عليها، على عكس مفهومات (كونت) الحافلة بالغموض والتي تند عن شروط المفهومات والتصورات علمية، كالدقة والوضوح والقابلية للاختبار.
4. كانت معظم المقولات السابقة عليه، سواء مقولات (كونت) أو حتى (هيجل) مفضية إلى الحالة البنائية القائمة ومنتهية إليها، وبوصفها أفضل الممكنات، في حين أن تصورات (ماركس) استهدفت تجاوز الحالة البنائية الآنية في عصره إلى حالات أخريات مستقبلية.(3)
وبإيجاز ..، أتى موقفه تفسيريا لا تبريريا، نظر للمجتمع من داخله، دينامياته وتناقضاته، ورأى الناس صناع الحياة ومنتجيها وعد المجتمع امتداد للإنسان العامل، دونما تعال للمجتمع على الإنسان.
(1) عربرت ماركيوز، العقل والثورة، مصدر مذكور.
(2) هنري أيك، عصر الإيديولوجية، مصدر مذكور، ص236.
(3)العقل والثورة مصدر مذكور، ص254 وما بعدها.
|
|
|