منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - أوجست كونت
الموضوع: أوجست كونت
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-03-08, 00:24   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse تابع

تعقيب.
لقد أخل (كونت) بوظائف العلم الاجتماعية، حيث أراده محافظا على ما هو قائم، وكأنما التغير ضرب من الوهم، وكأنما التاريخ قد توقف في زمانه، دونما خطوات نحو المستقبل .. ويمكن التدليل ببعض الأمثلة التي تقدم شواهد على صحة الاستنتاج السابق:
1. تصور (كونت) الإنسانية كلها شيئا هلاميا واحدا، ولم يراع النسبية الزمانية والمكانية لكل حالة بنائية من جانب ولم يراع من جانب آخر أوجه الالتقاء العامة بين المراحل المتشابهة التي تمر بها المجتمعات والتي تفضي إلى معرفة القوانين العامة للتطور الاجتماعي.
2. تتبدى مثاليته في تصوره أن الفكر هو الذي يسبق الواقع ويحركه، والمثالية لا تعني هنا مبادئ وأسسا أخلاقيا، وإنما تعني وجهة تفسيرية. فبالرغم من وضعيته، ومحاكاته للعلوم الطبيعية، فقد آتى تفسيره غير واقعي، سواء في تصور المجتمع، أو في حركته وتطوره. فالمجتمع لا يولد طفلا ثم رجلا إلى آخر هذه الصور المجموعة، والمجتمع ليس كله تضامنا وتماسكا، بل هناك تناقض وصراع، يشهد عليه تاريخ الإنسان والمجتمع، قبل كونت وبعد كونت.
3. كان لفزع (كونت) من التغيرات والثورات، وحرصه على مصالحه، ومصالح من أراد أن يكون علم الاجتماع في خدمتهم، أثر واضح في موقفه مما أحاط به. لذلك حرص على أن يكون العلم الوليد أداة محافظة وتبرير.(1) ولكي يمكن العلم من هذا بناه على أساس وضعي مذهبي، له تعاليم وأيديولوجية تدعو إلى الاستسلام وتضمنه. والواقع أن الاستسلام الذي يعد نقطة أساسية في كتابات (كونت) مستمد مباشرة من قبول قوانين أزلية ثابتة لا تتغير، لا يجوز لأحد أن يغيرها وإلا استحق العقاب، وإن حاول فلن يقدر لأنها محتومة ومقدرة. ومعنى هذا أن على الإنسان أن يمتثل ويتواءم مع ما هو قائم، فليس له من إرادة، ولا يجب أن تكون له. إن العيب كل العيب في الإنسان وأخلاقه، لا في الظروف المحيط به،(2)وهذا تصور ليس ضد الإنسان فحسب، بل هو مشوه ومزيف لتاريخ الإنسان.
ولم بتوقف (كونت) عند صوغ الأفكار الإيديولوجية في غلاف علمي كقانون المراحل الثلاث الذي لم يجد من الشواهد التاريخية، ما يصدقه علميا، والذي يتصور المجتمع كحيوان (الكنجارو) الذي ينقل قدميه الخلفيتين أولا، كتبرير لنقل الماضي إلى الحاضر، وأخذ الحاضر إلى المستقبل، وكما هو بقدر المستطاع. لم يكتف بكل هذا، بل أراد أن يأخذ من المنهج سندا له.
فبالرغم من أنه تحدث عن أهمية المقارنة والتجربة والتاريخ، فلم يستخدمها، حيث ركز على الملاحظة وبالغ في استخدامها. والملاحظة كما هو معروف عنها تعني ملاحظة شيء محدد وتركيز كل الحواس فيه، ومن ثم حصر الفكر عنده، وعند لحظته وآنيته، وبالتالي تحريم مقارنة الشيء بغيره ماضيا، أو تصور ما يمكن أن يكون عليه مستقبلا، وذلك حتى لا يفهم ما للأوضاع القائمة وما عليها، وما يجب أن تكون عليه مستقبلا. لأن الغاية هي المحافظة لا سواها.(3)


(1) محمود عودة دراسات في علم الاجتماع والأنثربيولوجية، الجامعة المصرية، دار المعارف، 1975م.


(2) NISBET, R,The Sociological Tradition, Basic Books, Lnc,N,Y,1966,P9 -10.



(3) هوبرت ماركيوز العقل والثورة، ترجمة فؤاد زكريا، الهيئة المصرية العامة للـأليف والترجمة، القاهرة، ص231 – 234.