والأمر الآخر الذي ينبغي أن ننتبه إليه هو أهمية تراثنا الفلسفي لقضية التجديد وإذا أردنا أن نأتي بجديد فلابد أن ندرس مشكلات الفلسفة القديمة وسماتها أولاً ، ثم ننظر مناهج متفلسفة المسلمين لحل هذه المشكلات، فما كان صحيحا أخذناه وما كان سقيما تركناه، ثم نبني بحثنا على ما وجدنا لديهم من أفكار صحيحة، للوصول إلي منهج جديد لدراسة الفلسفة الإسلامية، فالمنهج الجديد يجب أن يأتي من الداخل أعني داخل الفلسفة الإسلامية الموجودة لدينا الآن، وكل محاولة للخروج عليها ما هي إلا شعور بالفشل وهروب من الواقع المر.
فالقول بالبحث عن فلسفة جديدة من مصادر جديدة يعني البحث عن نوع جديد من الفلسفة وهذا غير ممكن وغير واقعي، ولا تختلف هذه الدعوة تلك التي نادى بها بعض العلماء الطبيعيين في الإسلام، ومفادها البحث عن علم طبيعي إسلامي جديد، وذلك لأنهم عجزوا عن متابعة الركب العلمي في الغرب.
صحيح أن الفلسفة ليست كالعلوم الطبيعية كالفيزياء والكيمياء وغيرها، ولكن هناك جوانب لا تختلف كثيرا عن العلوم الطبيعية في دقتها وثباتها كالمقولات المنطقية والرياضية وهي لا تزال مجالا للفلسفة.
أما مجال الإلهيات فلاشك في أنه مختلف تماما عن بقية الفلسفات الغربية وغيرها، وهذا الجانب هو الذي ينبغي أن نجعل له منهجا خاصا به يتميز عنه من بقية المناهج الشائعة، وبعد ذلك فلا بأس على الفلسفة الإسلامية أن تستفيد من الفلسفات العالمية الأخرى كما يمكن أن تستفيد هذه الفلسفات منها كما حصل في القرون الوسطى لفلسفة ابن رشد وابن سينا وغيرهم.
وبناء على هذه النظرة فلابد أن ننظر أولا كيف عالج القدماء مواضيع الفلسفة وعلى أي منهج اعتمدوا عليه لإصلاح ما رأوه فاسدا، فقد بذلوا جهودا جبارة لإيجاد منهج قويم في دراسة الفلسفة، فقسموا الوجود إلى مراتب ثلاثة، الطبيعيات وهي تحتل المرتبة الدنيا وتتضمن جميع الموجودات المادية، والمرتبة المتوسطة يحتلها الموجودات التي ليست بأجسام، ولكنها في أجسام كالهندسة والرياضيات، والمرتبة العليا يحتل بها الموجودات التي ليست بأجسام ولا هي في أجسام، كالله والملائكة أو العقول المفارقة للمادة، ثم سلكوا طريقة فلاسفة اليونان في دراسة هذه القضايا الفلسفية، واعتمد المسلمون في دراسة الفلسفة المنهج الذي وضعه الفارابي وابن سينا إلى أن جاء الغزالي(ت505هـ) ووجه نقده العنيف لإلهيات ابن سينا والفارابي، ووصفها بالتهافت، بعد أن قسمها إلى قسمين، قسم "قريب من مذهب أرسطوطاليس فيها من مذاهب الإسلاميين، على ما نقله الفارابي وابن سينا" [الغزالى1985 :104]، ويبدو أن هذا القسم هو الذي كفر به الفلاسفة، وقسم "قريب من مذهب المعتزلة ولا يجب تكفير المعتزلة بمثل ذلك" [الغزالى1985 :107]، وهذا القسم هو الذي بدعهم فيه.