منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - النسابون وأثرهم في تدوين التاريخ العربي الإسلامي
عرض مشاركة واحدة
قديم 2007-08-29, 12:35   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
محمد أبو عثمان
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية محمد أبو عثمان
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي تابع

[align=justify]5- عروة بن الزبير (ت94هـ/712م):

يعدّ عروة بن الزبير مؤسسًا ، لدراسة المغازي؛ إذ كان أول من ألّف كتابًا في المغازي وحياة الرسول عليه الصلاة والسلام ، وهو فقيه ومحدّث مشهور، ينتسب إلى بيت من أشراف بيوتات العرب، ويدخل في عداد الطبقة الأولى من مؤرخي السيرة. وكان عروة ثقة فيما يروي من الحديث؛ فقد مكّنه نسبه من أن يتصل بأسرة الرسول عليه الصلاة والسلام ، فروى هذه الأحداث عن أبيه الزبير بن العوام ويروي الكثير من الأخبار والأحاديث عنه وعن خالته عائشة أم المؤمنين وعن أمه أسماء بنت أبي بكر الصدّيق ، رضي الله عنهم. وعن عروة أخذ ابنه هشام هذه الثروة العلمية، وأخذ ابن شهاب الزهري، كما ورد كثير من رواياته وأحاديثه في كتب ابن إسحاق والواقدي وابن هشام وابن سعد والطبري(51).

وقد تجاوز عروة في الروايات التاريخية فترة الرسالة إلى عهد أبي بكر الصدّيق ومن بعده حتى واقعة الجمل، وربما تجاوزت إلى أحداث الردة والفتوح في القادسية واليرموك. ويمكن أن يعدّ ما وضعه جسرًا بين دراستي الحديث والتاريخ، ويعدّ رائدًا في علم التاريخ والرجل الأول في المدرسة التاريخية في المدينة خاصة وفي الشام(52).

6- محمد بن مسلم بن شهاب الزهري (ت124هـ/741م):

هو محمد بن مسلم بن عبيد بن عبدالله بن شهاب، مِن بني زهرة، ويعتبر من أعظم مؤرخي المغازي والسيرة؛ إذ يرجع إليه الفضل في تأسيس مدرسة التاريخ في المدينة(53)، وقد أمره خالد بن عبدالله القسري بكتابه السيرة له(54)، كما أمر أيضًا بكتابة كتاب عن القبائل العربية الشمالية، ففعل ولم يتمّه(55).

ولم يكن للزهري كتاب إلاّ كتاب نسب قومه(56). ويبدو أنّ الزهري كان واسع المعرفة بالأنساب، يقول عنه الليث(57): وإن حدّث الزهري عن العرب وأنسابها قلت لا يحسن إلاّ هذا.

ويخبرنا الزهري نفسه أنه كتب (أسنان الخلفاء) لجدّه(58)، وهو عبارة عن قائمة يذكر فيها تاريخ وفاة الخلفاء وأعمالهم عند الوفاة ومقدار ملكهم(59).

وكان يقول: أدركت أربعة بحور: عبيد بن عبدالله أحدهم، وقال: سمعت من العلم الشيء الكثير، فلما لقيت عبيدالله بن عبدالله كأني كنت في شعب من الشعاب، فوقعت في الوادي، وقال: مرة صرت كأني لم أسمع من العلم شيئًا(60).

7- محمد بن السائب الكلبي (ت146هـ/763م):

هو كلبي النسب، وتنتمي قبيلته إلى قضاعة وهي من جذامات القبائل العربية القحطانية، هاجرت من اليمن واستقرت بالشام(61). وأنّ هذا المكان قد مهد له الاتصال برواة القبائل والتعرف على أنسابها، فحاول جمع أطراف علم الأنساب معتمدًا على أفضل راوي كل قبيلة في النسب(62)، وأضاف إلى ذلك التعرف على الأخبار والأدب وشعر النقائض(63).

ومن خلال هذا الاطلاع الواسع، أصبح عالمًا بالأنساب واللغة والتاريخ، إلاّ أنّ ثمة اتفاقًا على أنه أول النسابين الكبار، ولكنه رُوِي عنه ولم يؤلِّف في النسب(64).

8- أبو اليقظان النسابة (ت190هـ/805م):

هو عامر بن حفص، وكان مولى لبني تميم(65)، ويلقب بسحيم،وكان عالمًا بالأنساب والأخبار والمآثر والمثالب. ويتميز بأنه كان أول من ألّف في الأنساب عامة نقلاً عن الروايات القبلية بالدرجة الأولى، لأنها المنبع الأساسي لهذا العلم. وله من الكتب: النسب الكبير، وكتاب أخبار تميم، وكتاب نسب خندف، وكتاب النوادر؛ ولكن هذه الكتب لم يصلنا منها شيء إلا مقتطفات متناثرة في بطون الكتب، وقد نقل المدائني كثيرًا عنه. ويبدو أنه أولى عنايته للنوادر، وأنّ كتابه بهذا العنوان لقي بعض الرواج وقد اطلع عليه ابن النديم في القرن الرابع الهجري، وتؤكد المقتطفات المأخوذة عنه لدى البلاذري وابن خياط وغيرهما هذه الملاحظة، كما تؤكد أمرًا آخر هو عنايته بأخبار أهل البصرة وأحداثها(66).

9- هشام بن محمد بن السائب الكلبي (ت204هـ/819م):
يعتبر من أعظم الإخباريين في التاريخ العربي وتابع دراسات والده في الأنساب وتقدّم بها، وقد وصل إلينا كتابه جمهرة النسب بجزأين الأول يختص بقبائل العدنانية والثاني قبائل قحطان، ويقول عنه ابن قتيبة: "كان هشام أعلم الناس بالأنساب، أخذ هذا العلم من أبيه"(67).

أما عن دراساته فغزيرة ومتنوعة ذكرها ابن النديم في الفهرست يبلغ عددها نحو (140) موضوعًا، وصل إلينا منها جمهرة النسب، وكتاب الأصنام، وكتاب نسب فحول الخيل في الجاهلية والإسلام(68).


كتب الأنساب وأثرها في دراسة التاريخ:

تتركز أهمية كتب الأنساب في أنها معاجم لتراجم وسِيَر أشراف العرب حسب أنسابهم، فهي تعتني بدراسة تاريخ الأرستقراطية العربية على حسب أنسابها ودراسة الأنساب هي بحدّ ذاتها لها أهميتها الخاصة في الدراسة التاريخية(69)، لأن كتب الأنساب هي سلاسل أسماء تدعو لها الحاجة الاجتماعية القبلية للتعارف والتمايز، فهي كالأعمدة ينسج من حولها بعض القصص الذي يحفظ تكوينها، فهي في الواقع التاريخ الأنثروبولوجي التقليدي والهيكل العظمي للفكرة التاريخية، وبالرغم من أنها أكثر تاريخية من القصص باعتبارها شكلاً من أشكال التعبير التاريخي الذي يسجل إطار التكوين القبلي، إلاّ أنّ المعلومات النسبية قبل الإسلام بقيت تتناقل شفاهًا إلى فترة ليست بالقصيرة بعد الإسلام(70).


وإنّ كتاب النسب عندما يدوّنون شجرة نسب قبيلة من القبائل العربية وتفرعاتها وارتباطها مع غيرها من القبائل عن طريق صلة القربى أو المصاهرة أو الجوار، فنجدهم يبرزون مآثر شيخ القبيلة سواء عن طريق أيامهم وحروبهم فيذكرون فروسيته وشجاعته عندما تحمى نار الحرب أو إظهار دوره من خلال شخصيته في امتلاكه للحكمة وكيفية إدارة قبيلة وفض المنازعات مع غيره من القبائل ورأب الصدع الذي يحدث بين القبائل، أو إبراز كرمه المنقطع النظير الذي لا يجاريه أيّ رجل من بين أبناء قبيلته أو القبائل التي تعيش في تلك المنطقة. ومن خلال جمع شتات هذه المادة التاريخية التي نقلها الرواة والنسابون ودوّنها الكتّاب، نستطلع بها على حياة القبيلة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتي تعدّ نواة وخدمة كبيرة للتدوين التاريخي؛ إذ دخلت رواياتهم في صلب مادة كتب التاريخ.

ويمكن القول إن القاسم المشترك بين مختلف الفلسفات التي تناولت علم التاريخ، كان فهمًا لدراسة النشاط الإنساني الذي تبذله مجموعة من الناس في مكان وزمان معيّنين في ظل مستوى من العلاقات التي توصلنا إلى هدف معيّن، وأنّ هذا الفهم عندما يوضع في إطار بحث فلسفي مع جوهر كتب الأنساب سوف يكشف لنا القيمة المعرفية في كتب الأنساب أولاً، ويبرز أهميتها في كتابة تاريخنا القومي ثانيًا(71).

فعندما يكون الإنسان أبرز مسائل التاريخ كما بين الكافيجي والسخاوي وابن خلدون(72)، فبالتأكيد يكون علم هذا الإنسان أساسيًّا في فهم التاريخ وكتابته؛ فالتاريخ الذي يصنع في ظل نظام قرابي أساسه الأم يعني نظام زواج مختلف عن نظام اجتماعي أساسي قرابته الأب، وبالتالي فأسس القرابة والتملك الاقتصادي والتحليل والتحريم ودورها في رسم القِيم الاجتماعية أمور تختلف في اشتراطاتها وتعزز لنا اتجاهات في التطور التاريخي مختلفة. إذن في مقدمة المسائل التي تقرر قيمة كتب الأنساب في كتابة التاريخ أنها المصدر الأساس لكتابة التاريخ الاجتماعي تحديدًا، بل بدونها لا يمكن إنجاز مثل هذه الكتابة، لأننا نرى أنّ المقصود من دراسة التاريخ الاجتماعي هو الوقوف على أساس نشأة المجتمع والنظام الذي اتخذته هذه النشأة وحكم تطورها، أنه دراسة لفاعلية حركة المجتمع تاريخيًّا، والدوافع المحركة لهذه الفاعلية، وليس فقط الوقوف على الأسرة وأشكال التنظيم الاجتماعي لأوجه النشاط اليومي للمجتمع، وعلى هذه النقطة يتراكم باقي القِيَم الأخرى لكتب الأنساب، ومع هذا فتحليل محتوى كتاب الأنساب يعطي فكرة عن كيفية توظيفها(74)؛

تعدّ المهماز والنواة التي من خلالها أفضت إلى عملية التدوين التاريخي معلومات أكسبتها صفة الملازمة والارتباط بين شجرة نسب القبيلة وماضيها الذي يعدّ تراثًا، فأعطى هذا الاقتران لعملية التدوين التاريخي أكثر مصداقية وقربًا من الحقيقة النسبية، ولأنّ مرويات وكتب النسابة دخلت في صميم عملية التاريخ العامّ. وقد اشترط السخاوي في عملية التدوين أن يكون المؤرخ صادقًا وأمينًا في النقل وتسمية المنقول منه، وعارفًا بحاله الديني والعلمي، ويجيد صياغة العبارات عارفًا بمدلول الألفاظ، فيجعل حضور الصورة واضحة أمام القارئ زائدًا على حسن التصور في توصيل الفكرة(75).

*****************


الهوامش:


(1) جاسم محمد عيسى الجبوري، قبيلة كلب ودورها في التاريخ، رسالة ماجستير غير منشورة، ص11.

(2) د. جواد علي، المفصل في تاريخ العرب، بيروت، 1390هـ/1970م، 1/466-467.

(3) العدوي، التاريخ الإسلامي، 40.

(4) ابن عبد البر، القصد والأمم في التعرف بأصول أنساب العرب والعجم، النجف، 1386هـ، 59.

(5) الجبوري، قبيلة كلب، 12.

(6) سورة البقرة، الآية 215. (7) سورة البقرة، 177.

(8) سورة ا لشعراء، الآية 214. (9) سورة الحجرات، الآية 13.

(10) ابن حزم، جمهرة أنساب العرب، دار المعارف، مصر، 1977م، 1/2، 3.

(11) ابن حزم، المصدر نفسه، 1/2.

(12) أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري، فتوح البلدان، 548-549.

(13) الجبوري، الجوار: دراسة في المفهوم والدلالة التاريخية في عصر الرسالة والراشدين، رسالة دكتوراه غير منشورة، 110.

(14) عبدالرحمن بن خلدون، المقدمة، بيروت، 1391هـ/1971م، 2/426.

(15) د. جواد علي، المفصّل، 4/313، انظر: السيد عبدالعزيز سالم، تاريخ العرب في عصر الجاهلية، جامعة الإسكندرية، القاهرة، 1967م، 411.

(16) ابن خلدون، المقدمة، 101.

(17) أبو عبدالله محمد بن عمران المرزباني، معجم الشعراء، تحقيق كرنكو، القاهرة، 1354هـ، 352.

(18) الجبوري، قبيلة كلب، 15.

(19) أحمد صالح العلي، محاضرات في تاريخ العرب قبل الإسلام، الموصل، 1401هـ/1981م، 129-130.

(20) الجبوري، قبيلة كلب، 15.

(21) حسين نصار، نشأة التدوين التاريخي عند العرب، مكتبة السعادة، مصر، 11.

(22) د. عبدالعزيز الدوري، نشأة علم التاريخ عند العرب، المطبعة الكاثوليكية، بيروت، 19.

(23) د. نزار عبداللطيف الحديثي، القيمة التاريخية لكتب الأنساب، بحث منشور في ندوة كتب الأنساب، 85-86. (24) مصطفى شاكر، التاريخ العربي والمؤرخون، دار العلم للملايين، بيروت، ط2، 1979م، 65، 66.

(25) المرجع نفسه، 66. (26) نفسه.

(27) أبوالفرج محمد بن أبي يعقوب بن النديم، الفهرست، طهران، 1971م، 49؛ انظر: مصطفى، التاريخ العربي، 98.

(28) البلاذري، فتوح البلدان، 548، 549؛ انظر: مصطفى، التاريخ العربي، 190.

(29) مصطفى شاكر، التاريخ العربي، 190.

(30) الحديثي، القيمة التاريخية لكتب الأنساب، 86.

(31) أبو سعيد عبدالكريم السمعاني، الأنساب، دار الجنان، بيروت، 91.

(32) الحديثي، القيمة التاريخية، 87. (33) الدوري، نشأة علم التاريخ، 39.

(34) ابن النديم، الفهرست، 102.

(35) الدوري، نشأة علم التاريخ، 40؛ مصطفى، التاريخ العربي، 173-174.

(36) ابن النديم، الفهرست، 89. (37) نصار، نشأة التدوين التاريخي، 12-13.

(38) مصطفى شاكر، التاريخ العربي، 136.

(39) أبوجعفر محمد بن حبيب البغدادي، المحّبر، تح. د. إيلزة ليختن سنبز، 478.

(40) مصطفى، التاريخ العربي، 136. (41) نصار، نشأة التدوين، 13.

(42) أبومحمود عبدالله بن مسلم بن قتيبة، كتاب المعارف، تح. د. ثروت عكاشة، القاهرة،181؛ أبوالحسن علي بن الحسين المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر، طبعة محيي الدين عبدالحميد، القاهرة، 1958م، 2/85.

(43) المسعودي، مروج الذهب، 2/40. (44) ابن النديم، الفهرست، 89.

(45) د. جواد علي، المفصّل، 1/45.

(46) د. السيد عبدالعزيز سالم، التاريخ والمؤرخون العرب، جامعة الإسكندرية، القارهة، 1981م، 46.

(47) محمد بن منبع بن سعد، الطبقات الكبرى، مطبعة بريل، ليدن، 1255هـ، 5/216.

(48) حسين نصار، نشأة التدوين التاريخي، 14.

(49) ابن سعد، الطبقات، 5/216.

(50) مصطفى، التاريخ العربي، 136. (51) أحمد أمين، ضحى الإسلام، لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1932م، 2/322؛ نصار، نشأة التدوين، 29-30؛ مصطفى، التاريخ العربي، 152.



(52) مصطفى، التاريخ العربي، 153.

(53) سالم، التاريخ والمؤرخون، 58.

(54) الأصفهاني، الأغاني، 19/69. (55) المصدر نفسه، 19/59.

(56) الذهبي، تراجم رجال روى عنهم محمد بن إسحاق، 68.

(57) أبو نعيم، الحلية، 3/360.

(58) الطبري، تاريخ الرسل والملوك، المطبعة الحسينية، القاهرة، 2/428.

(59) نصار، نشأة التدوين، 47.

(60) الأصفهاني، الأغاني، 8/178. (61) الجبوري، قبيلة كلب، 17، 20.

(62) مصطفى، التاريخ العربي، 19؛ سالم، التاريخ والمؤرخون، 48. (63) مصطفى، التاريخ العربي، 190.

(64) شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن حجر، تهذيب التهذيب، دائرة المعارف في الهند، 1326هـ، 9/180؛ مصطفى، التاريخ العربي، 190. (65) الطبري، تاريخ، 4/449.

(66) مصطفى، التاريخ العربي، 193-194؛ الدوير، بحث في نشأة علم التاريخ، 40.

(67) ابن قتيبة، كتاب المعارف، 181.

(68) سالم، دراسات في تاريخ العرب، 32؛ سالم، التاريخ والمؤرخون، 49.

(69) سالم، التاريخ والمؤرخون، 171.

(70) مصطفى، التاريخ العربي، 55.

(71) الحديثي، القيمة التاريخية لكتب الأنساب، 87.

(72) فرانز روزنثال، علم التاريخ عند المسلمين، ترجمة د. صالح أحمد العلي، مكتبة المثنى، بغداد، 1963م، 382-385، 486، 545.

(73) الحديثي، القيمة التاريخية، 87. (74) المرجع نفسه، 87-88.

(75) شمس الدين محمد بن عبدالرحمن السخاوي، الإعلان بالتوبيخ لمن ذمّ التاريخ، مطبعة العاني، بغداد، 1962م، 132.

********************

بقلم : دكتور : جاسم محمد عيسى الجبوري -

* معهد الفنون الجميلة للبنين، نينوى.

المصدر :

مجلة العرب

عدد عام 1425- عدد ذو القعدة وذو الحجة –


بواسطة : موقع حمد الجاسر –
[/align]










رد مع اقتباس