وَيُحَاسِبُ اللهُ الخَلائِقَ، وَيَخْلُو بِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ، فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ؛ كَمَا وُصِفَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
وَأَمَّا الْكُفَّارُ؛ فَلا يُحَاسَبُونَ مُحَاسَبَةَ مَنْ تُوزَنُ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ؛ فَإِنَّهُ لاَ حَسَنَاتَ لَهُمْ، وَلَكِنْ تُعَدُّ أَعْمَالُهُمْ، فَتُحْصَى، فَيُوقَفُونَ عَلَيْهَا وَيُقَرَّرُونَ بِهَا .
/ش/ قولـه: ((ويحاسب الله الخلائقَ…)) إلخ؛ المراد بتلك المحاسبة تذكيرهم وإنباؤهم بما قدَّموه من خير وشرٍّ أحصَاه الله ونسوه؛ قال تعالى:
( ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ).
وفي الحديث الصحيح:
((مَن نوقِشَ الحساب عُذِّب)).
فقالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله! أوليس الله يقول: (فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا) ؟
فقال: ((إنَّما ذلك العرض، ولكن مَن نوقش الحساب يهلك))
وأما قولـه: ((ويخلو بعبده المؤمن))؛ فقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما أن الله عز وجل يُدني منه عبده المؤمن، فيضع عليه كَنَفَه، ويحاسبه فيما بينه وبينه، ويقرِّره بذنوبه، فيقول: ألم تفعل كذا يوم كذا؟ ألم تفعل كذا يوم كذا؟ حتى إذا قرَّره بذنوبه، وأيقن أنه قد هلك؛ قال لـه: سترتُها عليك في الدِّنيا وأنا أغفرها لك اليوم .
وأما قولـه: ((فإنه لا حسنات لهم))؛ يعني: الكفار؛ لقوله تعالى:
(وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا )،
وقولـه: (مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ).
والصحيح [أن] أعمال الخير التي يعملها الكافر يجازى بها في الدنيا فقط، حتى إذا جاء يوم القيامة وجد صحيفة حسناته بيضاء.
وقيل: يخفَّف بها عنه من عذاب غير الكفر.
وَفِي [عَرَصَاتِ] الْقِيَامَةِ الْحَوضُ الْمَوْرُودُ لِلنَّبِيِّ ، ماؤُه أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، آنِيَتُهُ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ، طُولُهُ شَهْرٌ، وَعَرْضُهُ شَهْرٌ، مَن يَّشْرَبُ مِنْهُ شَرْبَةً؛ لاَ يَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا ).
/ش/ وأما قولـه: ((في عَرَصَات القيامة…))؛ فإن الأحاديث الواردة في ذكر الحوض تبلغ حدَّ التواتر، رواها من الصحابة بضعٌ وثلاثون صحابيًّا ، فمَن أنكره؛ فأَخْلِق به أن يُحالَ بينه وبين وروده يوم العطش الأكبر، وقد ورد في أحاديث:
((إن لكل نبيٍّ حوضًا))
ولكن حوض نبيِّنا أعظمها وأحلاها وأكثرها واردًا.
جعلنا الله منهم بفضله وكرمه.