منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - شرح متن العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-02-10, 08:08   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وَتَقُومُ الْقِيَامَةُ الَّتِي أَخْبَرَ اللهُ بِهَا فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهُ، وَأَجْمَعَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ.
فَيَقُومُ النَّاسُ مِنْ قُبُورِهِمْ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً، وَتَدْنُو مِنْهُمُ الشَّمْسُ، وَيُلْجِمُهُمُ الْعَرَقُ.

فَتُنْصَبُ الْمَوَازِينُ، فَتُوزَنُ بِهَا أَعْمَالُ الْعِبَادِ، (فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ).

وَتُنْشَرُ الدَّوَاوِينُ، وَهِيَ صَحَائِفُ الأَعْمَالِ، فَآخِذٌ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، وآخِذٌ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ أَوْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ؛ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ( وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ).

/ش/ قولـه: ((وتقوم القيامة..)) إلخ؛ يعني: القيامة الكبرى، وهذا الوصف للتخصيص، احترز به عن القيامة الصغرى التي تكون عند الموت؛ كما في الخبر:

((من مات فقد قامت قيامته)) .

وذلك أن الله عز وجل إذا أذن بانقضاء هذه الدنيا؛ أمر إسرافيل عليه السلام أن ينفخ في الصور النفخة الأولى، فيَصْعَقُ كل من في السموات ومن في الأرض إلا مَن شاء الله، وتصبح الأرض صعيدًا جُرُزًا، والجبال كثيبًا مهيلاً، ويحدث كل ما أخبر الله به في كتابه، لا سيما في سورتي التكوير والانفطار، وهذا هو آخر أيام الدنيا.

ثم يأمر الله السماء، فتمطر مطرًا كمنيِّ الرجال أربعين يومًا، فينبت منه الناس في قبورهم من عَجْبِ أذنابهم، وكل ابن آدم يبلى إلاَّ عجب الذنب .

حتى إذا تمَّ خلقُهُم وتركيبُهم؛ أمر الله إسرافيل بأن ينفخ في الصور النفخة الثانية، فيقوم الناس من الأجداث أحياء، فيقول الكفّار والمنافقون حينئذ: ( يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا )، ويقول المؤمنون: (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ )

ثم تحشرهم الملائكة إلى الموقف حفاةً غير مُنْتَعلين، عُراةً غير مكتسين، غُرلاً غير مختتنين؛ جمع أغرل، وهو الأقلف، والغُرلة: القَلَفة.

وأول من يكتسي يوم القيامة إبراهيم؛ كما في الحديث .

وهناك في الموقف تدنو الشمس من رؤوس الخلائق، ويُلْجِمُهم العرق، فمنهم مَن يبلغ كعبيه، ومنهم من يبلغ ركبتيه، ومنهم مَن يبلغ ثدييه، ومنهم من يبلغ ترقوته؛ كلٌّ على قدر عمله، ويكون أناسٌ في ظلِّ الله عزّ وجلّ.

فإذا اشتدَّ بهم الأمر، وعظُمَ الكرب؛ استشفعوا إلى الله عزّ وجلّ بالرسل والأنبياء أن ينقذهم مما هم فيه، وكلُّ رسولٍ يحيلهم على مَن بعده؛ حتى يأتوا نبيّنا (، فيقول: ((أنا لها))، ويشفع فيهم، فينصرفون إلى فصل القضاء.

وهناك تُنْصَبُ الموازين، فتوزَنُ بها أعمال العباد، وهي موازين حقيقية ، كل ميزان منها له لسانٌ وكفَّتـان ، ويقلِبُ الله أعمال العباد ـ وهي أعراضٌ ـ أجسامًا؛ لها ثقلٌ، فتوضع الحسنات في كفة، والسيئات في كفة؛ كما قال تعالى:

(وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ )

ثم تُنْشَر الدواوين، وهي صحائف الأعمال، فأما مَن أُوتي كتابه بيمينه؛ فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا، وينقلب إلى أهله مسرورًا، [وأما من أوتي كتابه بشماله أو من وراء ظهره] ، فسوف يدعو ثبورًا، ويصلى سعيرًا، ويقول: يا ليتني لم أوتَ كتابيه، ولم أدرِ ما حسابيه؛ قال تعالى:

(وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا )

وأما قوله تعالى: (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ ) ؛ فقد قال الراغب:

((أي: عمله الذي طار عنه من خيرٍ وشرٍّ)) .

ولكن الظاهر أن المراد بالطائر هنا نصيبه في هذه الدنيا، وما كُتِب له فيها من رزق وعمل ؛ كما في قوله تعالى:

( أُوْلَـئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ ) .

يعني: ما كُتِبَ عليهم فيه.