منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - شرح متن العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-01-29, 10:18   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وَقَد دَّخَلَ أيْضًا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الإِيمَانِ بِهِ وَبِكُتُبِهِ وَبِمَلاَئِكَتَهِ وَبِرُسُلِهِ:
الإيمَانُ بِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَيَانًا بِأَبْصَارِهِمْ كَمَا يَرَوْنَ الشَّمْسَ صَحْوًا لَيْسَ [بِهَا] سَحَابٌ، وَكَمَا يَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لاَ يُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ.

يَرَوْنَهُ سُبْحَانَهَ وَهُمْ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَرَوْنَهُ بَعْدَ دُخُولِ الْجَنَّةِ؛ كَمَا يَشَاءُ اللهُ تَعَالَى).

/ش/ قولـه: ((وقد دخل أيضًا فيما ذكرناه…)) إلخ؛ تقدم الكلام على رؤية المؤمنين لربِّهم عز وجل في الجنة؛ كما دلّت على ذلك الآيات والأحاديث الصريحة، فلا حاجة بنا إلى إعادة الكلام فيها.

غير أن قولـه: ((يرونه سبحانه وهم في عرصات القيامة)) قد يوهم أن هذه الرؤية أيضًا خاصة بالمؤمنين، ولكن الحق أنها عامَّة لجميع أهل الموقف؛ حين يجيء الرب لفصل القضاء بينهم ؛ كما يدل عليه قوله تعالى (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ ) الآية.

والعَرَصَات: جمع عَرَصة، وهي كل موضع واسع لا بناء فيه.



فَصْلٌ: وَمِنَ الإِيمَانِ بِالْيَوْمِ الآخِرِ الإيمَانُ بِكُلِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ ( مِمَّا يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَيُؤْمِنُونَ بِفِتْنَةِ الْقَبْرِ، وَبِعَذَابِ الْقَبْرِ وَنَعِيمِهِ.
فَأَمَّا الْفِتْنَةُ؛ فَإِنَّ النَّاسَ [يُمْتَحَنُونَ] فِي قُبُورِهِمْ، فَيُقَالُ للرِّجُلِ: مَن رَّبُكَ؟ وَمَا دِينُكَ؟ وَ[مَن] نَّبِيُّك؟

فيُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ، فَيَقُولُ الْمؤْمِنُ: [رَبِّيَ اللهُ] ، وَالإِسْلاَمُ دِينِي، وَمُحَمَّدٌ نَبِيِّي.

وَأَمَّا الْمُرْتَابُ؛ فَيَقُولُ: هَاه هَاه؛ لاَ أَدْري، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ، فَيُضْرَبُ بِمِرْزَبَةٍ مِنْ حَدِيدٍ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا كُلُّ شَيْءٍ؛ إلاَّ الإِنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَهَا الإِنْسَانُ؛ لَصَعِقَ .

ثُمَّ بَعْدَ هّذِهِ الْفِتْنَةِ إمَّا نَعِيمٌ وَإِمَّا عَذَابٌ، إِلَى أَنْ تَقُومَ الْقِيَامَةُ الْكُبْرى، فَتُعَادُ الأَرْوَاحُ إِلَى الأجْسَادِ).

/ش/ قولـه: ((ومن الإيمان باليوم الآخر…)) إلخ؛ إذا كان الإيمان باليوم الآخر أحد الأركان الستة التي يقوم عليها الإيمان؛ فإن الإيمان به إيمانًا تامًّا كاملاً لا يتحقق إلاّ إذا آمن العبد بكل ما أخبر به النبيُّ ( من أمور الغيب التي تكون بعد الموت.

والضابط في ذلك أنها أمورٌ ممكنةٌ أخبر بها الصادق صلوات الله عليه وسلامه وآلِه، وكل ممكن أخبر به الصادق يجب الإيمان بوقوعه كما أخبر؛ فإن هذه الأمور لا تستفاد إلا من خبر الرسول، فأهل السنة والجماعة يؤمنون بذلك كله.

وأما أهل المروق والإلحاد من الفلاسفة والمعتزلة؛ فينكرون هذه الأمور؛ من سؤال القبر، ومن نعيم القبر، وعذابه، والصراط، والميزان، وغير ذلك؛ بدعوى أنها لم تثبت بالعقل، والعقل عندهم هو الحاكم الأوَّل الذي لا يجوز الإيمان بشيء إلاَّ عن طريقه، وهم يردُّون الأحاديث الواردة في هذه الأمور بدعوى أنها أحاديث آحاد لا تُقبل في باب الاعتقاد، وأما الآيات، فيؤوِّلونها بما يصرفها عن معانيها.

والإضافة في قولـه: ((بفتنة القبر)) على معنى في؛ أي: بالفتنة التي تكون في القبر.

وأصل الفتنة وضع الذّهب ونحوه على النار لتخليصه من الأوضار والعناصر الغريبة، ثم استُعْمِلَتْ في الاختبار والامتحان.

وأما عذاب القبر ونعيمه؛ فيدل عليه قولـه تعالى في حقِّ آل فرعون: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا )، وقولـه سبحانه عن قوم نوح: (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا) ، وقولـه عليه الصلاة والسلام: ((القبر إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار)) .

والمِرْزَبَة ـ بالتخفيف ـ: المطرقة الكبيرة، ويقال لها أيضًا: إِرْزَبَّة؛ بالهمزة والتشديد.
...يتبع