منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - المحدث الحافظ الرحلة الفقيه، إمام اللغة الأديب الشاعر أبو مروان الطبني
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-01-17, 15:32   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
ابو مريم الجزائري
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شعره:يبدو من المقطوعات القليلة التي وصلتنا ومما وصف به في ترجماته من أنه كان من الشعراء المجيدين، الذين يملكون ناصية اللغة الشعرية وبأنه كان يتمتع بموهبة فطرية في نظم الشعر نماها بقراءاته الكثيرة ومخالطة الفصحاء، وقد رأينا كيف تأثر من رؤية كثرة الطلاب الذين حضروا مجلس إملائه حبا في الحديث الشريف وقد عبر عن ذلك الموقف ببيتين من الشعر يعدان قمة في صدق التعبير، وحلاوة البيان، وحسن اختيار الكلمات دون تكلف، وهما نابعان من إحساس وجداني عاطفي روحي مصدره حب الله سبحانه وتعالى والتعلق بحلاوة الحديث الشريف.
لقد ضاع شعر الطبني كما ضاعت مؤلفاته وآثاره ولولا بعض المقطوعات المبثوثة في كتب التراجم التي حافظت عليها ونقلتها لما عرفنا له نظما، وقد افرد ابن بسام فصلا في كتابه الذخيرة عنوانه ((جملة ما أخرجته من أِشعار بني الطبني)) ومما أورده قوله:" ووجدت في بعض التعاليق بخط بعض أدباء قرطبة قال : لما عدا أبو عامر أحمد بن محمد بن أبي عامر على الحذلمي في مجلسه وضربه ضرباً موجعاً وأقر بذلك أعين مطالبيه، قال أبو مروان الطبني فيه: [47]
شكرت للعامري ما صنعا ... ولم أقل للحذيلمي لعا
ليث عرين عدا لعزته ..... مفترساً في وجاره ضبعا
لا برحت كفه ممكنةً .... من الأماني فنعم ما صنعا
وددت لو كنت شاهداً لهما ... حتى ترى العين ذل من خضعا
إن طال منه سجوده فلقد ... طال لغير السجود ما ركعا"
كما حفظ لنا الإمام الحافظ الحميدي بعضا من شعره في ترجمته لأبي مروان الطبني، قال: " وشعره على طريقة العرب، ومن ذلك قوله:[48]
وضاعف ما بالقلب يوم رحيلهم ... على ما به منهم حنين الأباعر
أتجزع آبال الخليط لبينهم ..... وتسفح من دمع سريع البوادر
وأصبر عن أحباب قلب ترحلوا ... ألا إن قلبي صابر غير صابر
وأنشدني له الرئيس أبو رافع الفضل بن علي أحمد بن سعيد، قال: أنشدني أبو مروان الطبني لنفسه:
دعني أسر في البلاد مبتغياً ... فضل ثراء إن لم يفر زانا
فبيذق النطع وهو أحقر ما ... فيه إذا سار صار فرزانا"
وفاته:توفي رحمه الله مقتولا في داره بقرطبة في ربيع الآخر سنة 547 هـ كما ذكر ابن بسام في ذخيرته، حيث قال " وجد قتيلاً فوق فراشه، مضرجاً بدمه، مبعوجاً بالخناجر في وريده وإليته وأعالي جسده".
أما من قتله والدافع إلى هذا الفعل الشنيع، فحسب رواية مؤرخ الأندلس ابن حيان(ت 469هـ) التي نقلها عنه ابن بسام في ذخيرته فقد زعم أن إحدى زوجاته وهي أم ولد هي الفاعل بالتعاون مع بعض أبناء السوء بسبب هجر الطبني لها، وتقتيره عليها في المعيشة.
ويصف ابن بسام جنازته فيقول: "... ودفن أبو مروان اليوم الثاني من مصابه، ولم يتخلف أحد عن جنازته ممن سمع خبره، لاشتهار فضله فيهم، واجتماع صالح الخلال له من الفقه والحديث والرواية والأدب والشعر واللغة والعربية، إلى دماثة الخليقة، واستقامة الطريقة، والتزام الحقائق، واكتمال الإيمان، بقضائه لجميع فرائضه، وعوده في نافلة الحج بعد تأدية فرضه، على وهن بجسده، وتخلف في ناضه، رغبة في الاستكثار من الخير، والترقي في المعرفة، وزيادة لمعاني العلم وطلبه ولقاء رجاله، فأكثر الناس من تأنيبه، وأخلصوا الدعاء على قاتليه، واستبطأوا السلطان في إنفاذ الحد عليهم بالشبهة التي ظهرت".[49]
وهكذا انتهت حياة هذا العالم المحدث الأديب بعد أن قضى شطرا كبيرا من حياته ناشرا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مدرسا ومؤلفا، صابرا مثابرا مرابطا محتسبا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200].
فرحمه الله رحمة واسعة وجزاه الله خيرا.


مكانته العلمية والاجتماعية:نال الحافظ الفقيه الأديب تقدير العلماء والأدباء ورجال أمته وحل منهم موضع الإجلال والتقدير، وحظي بتكريم واحترام الحكام والأمراء الذين عظموا قدره، وتودّدوا إليه لدرايتهم بمكانته من العلم والشرف وبسمعة أسرته الدينية والعلمية، ومن الأعلام الذين ربطته بهم صلات المودة والصداقة الوزير الشاعر المشهور أبو الوليد أحمد بن زيدون، وقد تبادلا الأشعار والمراسلات منها هذه المقطوعة التي أجاب بها الطبني ابن زيدون ردا على قصيدتة التي بعثها من اشبيلية:[50]
أبا الوليد وما شطت بنا الدار ... وقل منا ومنك اليوم زوار
وبيننا كل ما تدريه من ذمم...وللصبا ورق خضر وأنوار
وكل عتب وإعتاب جرى فله ... بدائع حلوة عندي وآثار
فاذكر أخاك بخير كلما لعبت ... به الليالي فإن الدهر دوار
ومن أصدقائه الأعلام أيضا أبو محمد ابن حزم الفقيه الأصولي، الحافظ، صاحب المصنفات الرائعة، وأخباره معه ذكرها أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي في كتابه ((رسالة في فضل الأندلس وذكر رجالها)).
ومن أصحابه مسعود بن سليمان بن مفلت الشنتريني الأديب العالم المجتهد، من أهل قرطبة يكنى أبا الخيار، حدث عنه أبو مروان الطبني وقال: كان صاحبي عند جماعة من شيوخي".[51]
وبالجملة فهو كما ترجم له أبو نصر الفتح بن محمد بن عبيد الله القيسي الإشبيلي في كتابه (( المطمح )) ما نصه: " من ثنية شرف وحسب ومن أهل حديث وأدب إمام في اللغة متقدم فارع لرتب الشعر متسنم له رواية بالأندلس ورحلة إلى المشرق ثم عاد وقد توج بالمعارف المفرق وأقام بقرطبة علما من أعلامها ومتسنما لترفعها وإعظامها تؤثره الدول وتصطفيه أملاكها الأول ما زال فيها مقيما ولا برح عن طريق أمانيها مستقيما إلى أن اغتيل في إحدى الليالي بقضية يطول شرحها فأصبح مقتولا في فراشه مذهولا كل أحد من انبساط الضرب إليه على انكماشه وقد أثبت من محاسنه ما يعجب السامع وتصغي إليه المسامع " [52]

ثناء العلماء عليه:

مدحه وأثنى عليه وعلى علمه كثير من العلماء والأدباء ووصفوه بالمحدث الحافظ الفقيه، وبأنه أمام في اللغة راوية للشعر وكتب الآداب والتاريخ، ومن أهل المعرفة بالرجال وتمييزهم، ثقة ثبت فيما رواه، ضابطاً لما كتبه، وأنه كان رجلاً جيد الدين، حسن العقل متصاوناً لين العريكة، واسع الخلق مع النبل والبراعة، والتواضع، كان لتلاميذه كالأب الشفيق؛ والأخ الشقيق، مجتهداً في تبصيرهم، متلطفاً في ذلك، يقصر اللسان عن وصف أحواله الصالحة.
وأذكر هنا بعض ما وقفت عليه من ثناء المحدثين والحفاظ ممن صنفوا في التراجم وعلم الرجال:
- ترجم له الإمام الحافظ، شيخ المحدثين الحميدي فقال: " أبو مروان الطبني من أهل بيت جلالة ورياسة، من أهل الحديث والأدب، إمام في اللغة شاعر، وله رواية وسماع بالأندلس، وقد رحل إلى المشرق غير مرة على كبر، وسمع بمصر والحجاز، وحدث بالمشرق عن إبراهيم بن محمد بن زكرياء الزهري النحوي الأندلس، رأيته بالمدينة في آخر حجة حجها "[53]

- عده الإمام العلامة الحافظ القاضي عياض من جلة علماء الحديث الشريف عند ترجمته للإمام الفقيه يونس ابن الصفار فقال: " روى عنه جماعة من الجلة... منهم أبو مروان الطبني".[54]


- قال عنه الحافظ المحدث القاضي أبو علي الصدفي: " كانت له عنايةٌ تامة في تقييد العلم والحديث، وبرع مع ذلك في علم الأدب والشعر".[55]

- وصفه خلف بن عبد الملك، ابن بشكوال بأنه من كبار المحدثين حين ترجم لشيخه المسند الثقة أبو العاصي حكم بن محمد بن حكم بن محمد الجذامي، فقال: "وروى عن حكم هذا جماعة من كبار المحدثين منهم: أبو مروان الطبني، وأبو علي الغساني ..." [56]
- ترجم له الإمام الذهبي فقال عنه : " أبو مروان الطبني. من بيت علم ودين، أصلهم من طبنة ...وكان ذا عناية تامة بالحديث. وكان أديبا، لغويا، شاعرا ".[57]

بعض اختياراته في علم الحديث الشريف:

من خلال دراستنا لأبي مروان الطبني لاحظنا أن اهتمامه الأكبر كان منصبا على دراسة الحديث الشريف من جهة السند، والرجال والمصطلح ونحوه،
وقد رأيت أن أنقل بعضا من اختياراته في هذا العلم الشريف للفائدة وليطلع عليها إخوتي في الدين:


- الإجازة :


أ-كان يرى جواز الراوية والعمل بها، وقصر الصحة عليها.
وأعلاها بالنسبة له هي الإجازة المُجَرَّدة عن المناولة، وهي أن يُجيز الشيخُ مُعَيَّناً لمُعَيَّنٍ: كأجزتك صحيح البخاري.[58]
[58] قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث.
للعلامة جمال الدين القاسمي ص 204.
ب – كان لا يرى صحة إجازة " ما سَيَحْمِلُهُ المجُيزُ ممَّا لم يسمعْهُ قبلَ ذلكَ، ولم يتحمَّلْهُ ، لِيَرْوِيَهُ الْمُجَازُ لهُ بعدَ أَنْ يتحمَّلَهُ المجُيزُ".
وهي النوع السادسمن أنواع الإجازة عند ابن الصلاح ( الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح 1/306 ) وهي : " إجازة ما لم يسمعه المجيز ولم يتحمله أصلا بعد ليرويه المجاز له إذا تحمله المجيز بعد ذلك".
وقد ذكر القاضي عياض في كتابه " الإلماع " أنه قرأ هذا الإختيار في فهرسة أبي مروان الطبني، قال ما نصه:
" قرأتُ في فهرسةِ أبي مروانَ عبدِ الملكِ بنِ زيادةِ اللهِ الطُّبْنيِّ ، قالَ : كنتُ عندَ القاضي بقُرْطُبَةَ أبي الوليدِ يونسَ بنِ مُغيثٍ ، فجاءَهُ إنسانٌ فسأَلَهُ الإجازةَ لهُ بجميعِ ما رواهُ إلى تاريخِها ، وما يرويهِ بَعْدُ ، فلمْ يجبْهُ إلى ذلكَ ، فغضبَ السائلُ ، فنظرَ إليَّ يونُسُ فقلتُ لهُ : يا هذا يُعطيكَ ما لَمْ يأْخُذْ ؟!! هذا محالٌ . فقالَ يُونُسُ : هذا جوابي"
وعلق القاضي عياضٌ بعدها قائلا : وهذا هو الصَّحيحُ فإنَّ هذا يُخْبرُ بما لا خَبَرَ عندهُ منهُ ، ويأذنُ لهُ بالحديثِ بما لَمْ يحدَّثْ بهِ بعدُ ويُبيحُ ما لا يَعْلَمُ ، هلْ يصحُّ لهُ الإذنُ فيهِ ؟! فَمَنْعُهُ الصوابُ )).[59]

بين صحيح البخاري وصحيح مسلم :

كان يذهب إلى تفضيل صحيح مسلم على صحيح البخاري - رحمهما الله – على عادة المغاربة، وهو في هذا يوافق أستاذه وصديقة أبو محمد ابن حزم الأندلسي، وهذا التفضيل لا يشمل الصحة، فأحاديث البخاري أصح من أحاديث مسلم، وإنما يرى التفضيل بسبب مميزات أمتاز بها صحيح مسلم منها: حسن ترتيب مسلم لصحيحه، وجمعه طرق الحديث في مكان، وعدم مزجه لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بغيره كما صنع الإمام البخاري حينما مزج مع الحديث ما ورد عن الصحابة وعن التابعين، كما ان مسلم اقتصر على المرفوع دون الموقوف، وعلى المتصل دون المعلق، مع الاحتياط في الرواية عن مَن تُكُلِّمَ فيه، بالاضافة الى الصناعة الحديثية المتقنة في صحيح مسلم أكثر منها في صحيح البخاري.[60].









رد مع اقتباس