منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الحجة القاطعة في الرد على من كفر المُقَنِّن بدعوى المنازعة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-06-27, 23:01   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
جمال البليدي
عضو محترف
 
الصورة الرمزية جمال البليدي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الشبهة الثالثة :تفرقتهم بين الحكم في الواقعة(المسألة) وبين الحكم في التشريع العام:

ومما قالوه أنه هناك فرق بين الحكم بغير ما أنزل الله في مسالة أو مسألتين وبين تحكيم قوانين وضعية بدلا من الشريعة فالأول ليس كفرا أكبر إنما أصغر وأما الثاني فهو أكبر مخرج من الملة .

والجواب على هذا:

أولا :هذا التفريق لا أصل له لأنه سيرجع إلى كلام أهل العلم في تفسيرهم لقوله تعالى(((وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة:44] وهو: هل هذا الحاكم- الذي حكم في واقعة بغير ما أنزل الله، أو الذي حكم بغير ما أنزل الله جملة- مستحلٌّ لذلك جاحد لأحقية حكم الله، أو مستحسن لغيره عليه، أم هو مقر بحكم الله ولكنه عاص أو صاحب هوى؟
فإن كان مستحلاً جاحداً؛ فهو الكفر الاعتقادي المخرج من الملة، وإن كان عاصياً؛ فهو الكفر العملي الذي لا يخرج من الملة.

ولذلك عدنا من حيث بدأنا، وإنما هذا التفريق سفسطة خالصة (صنعت) لإلغاء هذا الأصل العقدي المستقر المستمر عند أهل السنة ألا وهو: أن الكفر يقسم إلى كفر اعتقادي وعملي(أكبر وأصغر)، وهو يشمل جميع ما وصف بذلك، فإن استحلّ أحد ما حرّم الله أو حرّم ما أحل الله -على وجه من الوجوه السابقة-؛ فهو الكفر الاعتقادي ، وإلا فلا.

ثانيا : ما الدليل على التفريق؟!
((فإن قلتم: إن هذه الصورة –الحكم بالقوانين والأعراف- لم تكن معروفة عند السلف، وإنما فقط الوقائع الجزئية مع التحكيم للشريعة؛ قلنا: هذا محض كذب وافتراء!.
فواقع القوانين والأعراف الجاهلية كان معلوماً عند السلف، فكأنكم لم تسمع قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا) وقوله: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا) ويدلك على ذلك قول الحافظ ابن كثير في "تفسيره": (ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله -المحكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر- وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية) فدل قوله رحمه الله: (كما كان أهل الجاهلية يحكمون به) أن صورة الحكم بـ(الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله) كانت معروفة لديهم، فكلها سياسات وقوانين وأعراف باطلة سواءً كانت مكتوبة أو محفوظة(فالأمر سيان)، وهؤلاء الكفار الذين تتناولهم الآية تركوا ما أنزل الله واتبعوا ما وجدوا عليه آباءهم من الأعراف والقوانين الجاهلية، فهل يُتَصَوَّرُ أن يُفَسِّرَ حَبْرُ الأمة وترجمان القرآن هذه الآية غافلاً عن تلك الآيات البينات؟! وما كانت تمثله واقعاً؟! حاشاه وكلا. ثم من أكبر الأدلة على وجود هذه الصورة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم استدلال من يكفر بهذه الصورة بحديث اليهوديين الذين زنيا؛ حتى إن بعضهم يسميها بالتشريع العام، فيا لتناقض هؤلاء!؛ يزعمون أن هذه الصورة لم تكن معروفة عند السلف، ثم يستدلون بقصة اليهود على حالة الكفر في التشريع العام –كما يزعمون-!. أقول: وحتى لو سلمنا -تنزلنا- أن واقعنا مغاير كل المغايرة لواقعها الذي قيلت فيه؛ فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فلو كان ابن عباس رضي الله عنه قائلاً تفسيره للخوارج بالفعل، فلا يمنع من هذا أن يكون هذا التفسير رداً على الخوارج من ناحية، وإعلام الناس بتفسير الآية من ناحية أخرى، فيكون شاملاً لحكام زمانه وزماننا؟!، ومعلوم أن العبرة (بما قال) لا (لمن قال)، وإننا إن أردنا إلزام المخالف بمذهبه هذا، لقلنا: أن (التصوير الفوتغرافي) –مثلاً- غير داخل في النصوص العامة الواردة في النهي عن التصوير لكونه لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وَلقلنا: إن الآيات التي تحرم الزنا والربا لا تنطبق على بيوت الفاحشة والبنوك الربوية والتي تفنن أصحابها في رعايتها بكل أشكال الرعاية من تأمينها بوضع الحراس لحمايتها، وترتيب مرافقها، ومواعيدها، فضلاً عن إمدادها بوسائل الترفيه والراحة كالتبريد والتدفئة وغير ذلك من الترتيبات، لأن آيات تحريم الزنا نزلت فيمن يزني المرة والمرتين ونحوها ثم يتوب من ذلك وإن تكرر منه مراراً وتكراراً، ولم تنزل فيمن أنشأ بيوتًا للفاحشة وتفنن في رعايتها وتقنينها، ... ويظل الباب مفتوحاً لرد الحق بالباطل.
والصحيح: أنه لا فرق بين المخالفات الجزئية المؤقتة وبين التمادي في هذه المخالفات لتصبح عادات وتقاليد وأعراف (محفوظة أو مكتوبة سيان)، فإن الله سبحانه وتعالى علق الكفر في آية المائدة بترك الحكم، ولم يقيد ذلك بمادة الحكم المخالف أو منشئه أو عدد مرات تكراره أو بكونه يصدر المرة ونحوها أم اتخذ عادة وعرفاً، وإنما علق الكفر بمجرد ترك الحكم، وابن عباس رضي الله عنه لما فسر الآية فسرها تفسيراً مطلقاً دون التقيد بما سبق، فلماذا نحمل كلامه ما لا يحتمل ونقوله ما لم يقل ؟!، ثم إن ابن عباس رضي الله عنه لم يقل تفسيره رداً على الخوارج!، كما يُزعَم!، فهذا تحكم ظاهر ليس عليه أدنى دليل، فهذه روايات الأثر بين يديك في دواوين السنة ليس في واحدة منها أن خارجياً سأله وإنما السائل إما (رجل!) أو (طاووس) أو (تفسير مباشر للآية)، والسائل في كل الروايات سأل ابن عباس ض عن تفسير الآية أو كُنْهِ الكفر المذكور بها ولم يسأله عن حكام زمانهم كما يُزعَم!.
تنبيه:
ينبغي أن نعلم أن صورة حكام القوانين هي هي صورة حكام اليهود في أنهم اخترعوا أحكامًا وحكموا بها؛ إلا أن اليهود نسبوا ما كانوا يحكمون به إلى الله عز وجل كذبًا عليه وعلى كتابه بخلاف حكام القوانين؛ قال تعالى عن اليهود أنهم: (يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم -"البخاري" (ح2539)- أنهم: (بدلوا ما كتب الله وغيروا بأيديهم الكتاب فقالوا هو من عند الله)، وقال ابن عبد البر –"التمهيد" (14/9)-: "وفي الحديث أيضًا: دليل أنهم كانوا يكذبون على توراتهم، ويضيفون كذبهم ذلك إلى ربهم وكتابهم"اهـ. وبهذا نعلم أن (اختراع الحكم ونسبته إلى الله كذبًا) هو مناط التكفير في قصة اليهود وهذا هو الثابت بنص القرآن والسنة وفهم سلف الأمة؛ فإن اختراع الأحكام ونسبتها لله كذباً مع العلم بحكم الله يستوجب الوقوع في إنكار حكم الله والتحذير منه كما حصل لليهود كما في قوله تعالى: (يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا)(المائدة 41)؛ وهذا كفر ، وهو يستلزم التقديم والاستحلال بداهة. قال تعالىإِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ) (النحل:105)، وقال: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ) (العنكبوت:68) و(الزمر:32)، وقال: (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ) (الزمر:60).
قال إسماعيل القاضي- كما في "الفتح" (13/120)-: "من فعل مثل ما فعلوا واخترع حكما يخالف به حكم الله وجعله دينا يعمل به فقد لزمه مثل ما لزمهم من الوعيد المذكور"اهـ، وقال الجصاص-"أحكامه" (4/94)م-: "من حكم بغير حكم الله ثم قال إن هذا حكم الله فهو كافر كما كفرت بنو إسرائيل حين فعلوا ذلك"اهـ ، وقال شيخ الإسلام -"الفتاوى" (3/267-268)-: "الشرع المبدل: وهو الكذب على الله ورسوله...فمن قال: (إن هذا من شرع الله) فقد كفر بلا نزاع"اهـ.)) .

ثالثا : ""الأدلة الشرعية لم تقل بوجود فرق بين استبدال حكم واحد أو أكثر من حكم ، ولا يجوز أن يعلق الكفر بشيء لا دليل عليه .. صحيح أن من استبدل الشريعة كلها فقد يكون أكثر جرماً من الذي استبدل أقل من ذلك ، ولكن محل البحث هو الكفر الذي لا دليل عليه ، لا في تحقيق الأشد جرماً .
ولذلك فإنه يقال : إنْ كان مستبدل الشريعة كلها كافراً ، فما حكم من استبدل
ربعها ؟ .. نصفها ؟ .. ثلثيها ؟ .. وهكذا .. ، إلى أن نصير إلى السؤال الذي يكشف عدم وجود الدليل ، وهو : ما حكم من استبدل الشريعة كلها إلا حكماً واحداً ؟ .. فإن كفره فقد خالف ما قرره من أن مناط ( = سبب = علة ) التكفير هو : استبدال الكل ! وإن لم يكفره فقد أتى بما لا يتوافق مع العقل الصحيح !

* أقول : فإذا تبيَّن أن الاستبدال الكلي لا يمكن ضبطه ؛ فاعلم أنه لا يمكن التكفير به عند من يراه كفراً أكبر ! وذلك أن بلدان المسلمين – التي لا تحكم بالشريعة – لا تخلو من الحكم بدين الله تعالى ولو في جزء يسيرٍ ، قل أو كثر ، فانتفت علة التكفير التي قال بها وهي ( ترك الكل ) """(9).

رابعا : ثمت أمر أخر ، وهو : لا بد من تحرير مصطلح «التشريع العام» ومصطلح(التبديل) :
أما مصطلح التشريع العام لا يخرج عن معنيين :
الأول : أن يكون تشريع الدولة كله مخالفاً لما أنزل الله.
الثاني : هو تغيير حكم الله ولو في حد من الحدود، فمتى تم ترك – أو تغيير- حكم واحد من الأحكام التي شرعها الله أو رسوله والاستعاضة عنه بالأحكام الوضعية.
أما المعنى الأول؛ فهو خيال محض بالنسبة للبلاد التي تنتسب إلى الإسلام –التي اختلف المختلفون (!) في تكفير حكامها؛ فما من حاكم من حكام المسلمين (أولئك) إلا وهو يطبق شيئاً من الشرع قلّ أو كثر: فهو ينشىء الوزرات والمؤسسات العلمية الدينية، ولجان الافتاء التي تعني بالدين من تعمير المساجد، وإقامة الصلوات، وتنظيم أمور الدعوة وشؤون الحج، والصيام، والأعياد، وتدريس العلوم الشرعية، و القضاء في النكاح والطلاق والميراث والأوقاف و...إلخ.
وهذا كلّه على تقصير ظاهر ومخالفة واضحة لا تُسَوَّغ بأي حال من الأحوال، ولا نقرِّها بأي شكل من الأشكال.
وأما المعنى الثاني ؛ فهو عود على بدء ، ولا يرى هذا الرأي بدون النظر إلى الاستحلال إلا الخوارج الحرورية.
قال الجصاص في «أحكام القرآن»(2/534) : «وقد تأولت الخوارج هذه الآية على تكفير من ترك الحكم بما أنزل الله من غير جحود».
وقال مثله الآجري في «الشريعة» (1/342)، وابن عبد البر في«التمهيد» (17/16)، وأبو المطفر السمعاني في «تفسيره» (2/42)، وأبو يعلى في«مسائل الإيمان»( ص340-341)، وأبو حيان في «البحر المحيط» (3/493) وغيرهم كثير.

وبالجملة ؛ فكلمات السلف الصالح ومن تبعهم تصيح بهذا القول وترده على عقبيه مذموماً مدحوراً.
أما مصطلح التبديل فهو غير التغيير عند أهل العلم فكلمة بدَّل في كلام أهل العلم هو أن يضع حكماً غير حكم الله زاعماً انه حكم الله أما من وضع حكماً غير حكم الله ولم يزعم أنه حكم الله فليس مبدلاً .
قال ابن العربي : » وهذا يختلف: إن حكم بما عنده على أنه من عند الله فهو تبديل له يوجب الكفر … ا .هـ
وبمثله قال القرطبي وإليه أشار الإمام ابن تيمية كما سبق بيانه فقد جعل الشرع المبدل الكذب على الله بزعم أنه من شرع الله لا تغيير الحكم مطلقاً فإنه عقب على قوله: "والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه ، أو حرم الحلال المجمع عليه ، أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء" بآية الحكم وقيد الكفر فيها بالاستحلال فقال:
"وفي مثل هذا نزل قوله على أحد القولين: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} أي: هو المستحل للحكم بغير ما أنزل الله )).
وفي كلام شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- إشارة واضحة أن الآية فيها قولان:
القول الأول : أنها على ظاهرها وأنها في المستحل للحكم بغير ما أنزل الله.
القول الثاني: أنها على غير ظاهرها وأن المراد بالكفر هنا : كفر دون كفر كما ورد عن ابن عباس –رضي الله عنهما- وعن غيره من التابعين.
فجعل شيخ الإسلام –رحمه الله- مرد التبديل الذي يخرج من الملة إلى الحكم بغير ما أنزل الله ، وهو لا يخرج من الملة إلا بالاستحلال كما أجمع عليه السلف لأنه فسر التبديل بما فسره أهل العلم وهو(الحكم بغير ما أنزل الله على أنه من عند الله)).










رد مع اقتباس