تحليله للعنف الذي عرفته الجزائر في العشرية الأخيرة:
يعتبر محمد حربي أن العنف لا يختص به المجتمع الجزائري فقط فهو في صميم البشرية جمعاء، إلا أن ظروف نشأته والأشكال التي يتخذها تختلف من مجتمع إلى آخر والذي سببه الموروث الثقافي الخاص بكل مجتمع على حدة.
يقول محمد حربي (( ... في القرون الوسطى وجدت المسيحية، وسيلتها في المحارق التطهيرية، وكان قتل الملوك يتم بفسخ الأطراف بواسطة أربعة أحصنة. أما في العالم الإسلامي فقد كانت المرأة الزانية ترجم حتى الموت. وخلال حرب الاستقلال (الجزائرية) كان المسلم الخائن لجماعته يخصى أحيانا ويجدع أنفه قبل أن يذبح. هذا عدا العنف العسكري حيث كانت تحرق ألمشاتي دون الاهتمام بمن يحترق داخلها.
فإذا كانت الأشكال التي يتخذها العنف تندرج في السياقات الثقافية الطويلة الأمد، فإن ما يهم هو الظروف التي جعلتها تفرض نفسها بشكل لافت. فلفهم هذا العنف يجب إدراجه في الإطار التاريخي . فلندرسه هنا، من زاوية خاصة تتمثل في العلاقة بين الحاكم والمحكومين في الجزائر مكتفين بالمرحلة التي أعقبت زوال الاستعمار)).
يرى محمد حربي أن جبهة التحرير كانت قائمة على مشروعان أحدهما للطرف اليساري الذي يدعوا إلى بناء الحداثة من أسفل بواسطة الإدارة الذاتية، بالإضافة إلى تواجد قوي للعمال من خلال لعب النقابات أدوار أساسية في الحياة الاجتماعية، أما المشروع الثاني يقوده هواري بومدين الذي يرى أن التحديث يكون سلطوي من فوق، تنفذه النخب الحاكمة، وكلا الطرفين حسب محمد حربي يؤدي إلى العلمنة والمساواة بين الجنسين.
ويرى حربي أن المشروع الثاني هو الذي نجح على يد الزعيم الراحل هواري بومدين من خلال نجاحه في انقلاب 1965م، حيث أصبحت السلطة للجيش، الذي بسط أجهزته في الإدارة والاقتصاد لتصبح المخابرات أداة لاختيار النخب.
يقول محمد حربي: (( ... وإذا بالأصوليين، الذين تحفظوا من قبل عن الرئيس الأول للبلاد(( أحمد بن بلة)) مع أنه سمح بتعليم القرآن في المدارس، يحتلون موقعا مهما في مجالي التعليم والثقافة، وفيما يخص العلمنة راهن بومدين على تطور الذهنيات عبر التطور الاقتصادي.
لكن خصخصة الدولة أفسدت الاقتصاد وإذا بالزبانية وتوظيف الأقارب يعرضون مشاريع ((التصنيعيين)) للفشل ... وبعد وفاة هواري بومدين 1978م ضعفت القدرات على إعادة توزيع الثورة مما أجبر الصفوة الحاكمة من جبهة التحرير الوطني على إعادة النظر في النموذج. وبالتأكيد كان بومدين قد استفاد من عشر سنين هادئة ... وهذا الاستقرار لم ينعم به النظام ...، حتى وإن تكاثرت خلاله أعمال القمع والاغتيالات السياسية، لقد نتج قبل كل شيء من التفاهم القائم على تلبية المطالب الاجتماعية (الأجور، والتعليم، والعناية الصحية المجانية ... الخ) التي أراد إلغاءها الرئيس الشاذلي بن جديد (1979م – 1992م).
وجاء الانخفاض الشديد في أسعار النفط ليفضح هشاشة النظام الاقتصادي، فولى زمن المواطن الخاضع ... وبات العنف هو الأفق المفتوح للاحتجاج سواء في الشوارع أو في الأدغال. فقامت الاضطرابات في المدن والعصابات الإسلامية مع مصطفى بوعيالي، ليليها انفجار الوضع في منطقة القبائل في تشرين الأول/ أكتوبر عام 1988م. ... ولهذا أسبابه فالنظام الاجتماعي يتميز بغياب أعمال الوساطة المتجذرة والمستقرة وذلك بالرغم من تعدد الأحزاب. فالبطالة الكثيفة وتعمق المظالم وتراجع الطبقات الوسطى كلها لا تشكل بالطبع عامل استقرار. أما الأوساط العمالية والحركات النسائية فتعبر عن نفسها أكثر فأكثر من خلال الحركات الطائفية)).
هذا إذًا رئي محمد حربي حول أسباب العنف الذي عرفته الجزائر خلال العشرية الأخيرة.
أخيرا نقول بأن المجال لا يتسع لأجل ذكر كل ما جاء به محمد حربي حول تحليله لواقع المجتمع الجزائري، والذي نجده في رئينا تحليلا فيه الكثير من الأشياء التي تسلط الضوء على واقع المجتمع الجزائري، إلا أنني أرى ضرورة عدم عزل الأستاذ محمد حربي من خلفيته التاريخية، أثناء تناولنا تحليله للمجتمع الجزائري.
