(المذهب الماركسي)
روحه وصورته:
للمذهب الماركسي روح وصورة، أما روحه: فهي فلسفته في الكون وأنه لا أثر فيه لغير المادة فلا إيمان إلا بالمادية.
وأما صورته: فهي المخططات الرئيسية التي لا بد منها القيام المجتمع الشيوعي.
المادية:
أعلن ماركس بأنه لا يؤمن بغير المادة، وأن كل شيء في الوجود إن هو إلا أثر من آثار المادية والمادية في نظر كارل ماركس تعني عدم الإيمان بالغيب كما تعني الكفر بالله فاطر السماوات والأرض، وإنكار جميع المظاهر الدينية والمذاهب الروحية، والمنازع الأخلاقية، والتقاليد ونظام الزواج والأسرة، وكذلك إنكار العواطف والتأثيرات النفسية والوجدانية، والعلوم والمعارف والآداب فهذه كلها في نظره من تضليلات أصحاب الثروة (الرأسماليين) لاستغلال الفقراء والمساكين. وليس هناك إلا المادة فهي التي تكون وقائع التاريخ وما المظاهر الكونية كلها إلا مادة بحتة.
الدين:
يزعم ماركس أن الدين وسيلة من وسائل الاستغلال، اخترعه أصحاب الثروة والمسيطرون على مصادر الإنتاج ليخدروا به الشعب حتى يسهل استغلالهم وتتيسر سرقتهم وقد اضطرب ماركس في شأن الدين اظطراباً عنيفاً فمرة يقول فيه: أنه "أفيون الشعب" الذي يخدرها عن رؤية الحقائق المادية. ومرة يزعم أنه انعكاس القوى الظاهرية التي تسيطر على معيشة الإنسان اليومية على معنى أن الإنسان يرى في المناظر الطبيعية قوة جبارة لا مناص له من الخضوع لها، فتراه يعبد منها ما لا يدركه. وطورا يصفه بأنه تزلف من واضعيه إلى أرباب السلطان وأصحاب رؤوس الأموال. وحينا يقول:
" إنه الغذاء الخادع للضعفاء لأنه يدعوهم إلى احتمال المظالم في الوقت الذي لا يتمكن من إزالتها". وأحياناً يقول: "هو خمرة الشعوب يروضها على الفقر والمسكنة ويلهيها بما يغريها من نعيم الآخرة عن نعيم الدنيا ليستأثر به سادة المجتمع ويغتصبوا منه علانية أو يسرقوا منه خلسة ما يطيب لهم أن يغتصبوه أو يسرقوه".
وموقف ماركس المظطرب في الدين قرينه لاظطرابه النفسي، وعجز ظاهر عن مقارعة الشرائع وقد فاق ماركس الدهريين في إنكار ما وراء المادة إذ قالوا: {مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْر}.
فإن ماركس حاول أن يفسر المظاهر الدينية بهذه الآراء المظطربة.
فأين الرأسماليون الذين أتى وحيهم بالإسلام؟ وهل علم ماركس والماركسيون بقصة الملأ من قريش حينما أرسلوا أحد زعمائهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يقول له:
"إن كنت تريد المال جمعنا لك منه ما تريد حتى تصير أغنانا، وإن كنت تريد الملك ملكناك علينا، وإن كان بك شيء عالجناك".
وحينما انتهى سفير قريش من هذا الخطاب يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
"انتهيت يا عم؟ ثم يقرأ أول سورة فصلت حتى يبلغ {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ}.
وحينئذ تتسرب أنوار الحقيقة إلى قلب ذلك السفير ويخاف على نفسه فيضع يده على فم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: "ناشدتك الرحم أن تكف". ثم يأتي إلى قومه وينصحهم طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول:
" إن لكلامه لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه ليس من كلام البشر".
وهل علم ماركس والماركسيون قصة الملأ من قريش حينما اجتمعوا في بيت أبي طالب يقولون له:
"إما أن تنهى محمداً عن تسفيه أحلامنا، وتضليل معتقداتنا أو تخلى بيننا وبينة" حتى يقول له عمه:
"يا ابن أخي لو أبقيت على نفسك فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه".
وهل يظن ماركس والماركسيون الملأ من قوم فرعون هم الذين أوحوا إلى رسول الله موسى عليه السلام بالدين الفذي جاءهم به ودعاهم إليه فيقول فرعون: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ؟} فيقول: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ}.
فيقول لمن حوله: {أَفَلا تَسْمَعُونَ؟}
حتى يقول موسى: {رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ} فيقول فرعون: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ}. فيقول موسى: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} حتى يقول فرعون: {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} فيقول موسى: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ}.
وهل يظن ماركس والماركسيون أن الملأ من قوم فرعون أو من بني إسرائيل هم الذين أوحوا إلى موسى بتحريم المراباة وأن يقاد للنفس بالنفس، والعين بالعين، والأذن بالأذن والسن بالسن، وأن الجروح قصاص.
وهل يظن ماركس أن أغنياء اليهود والرومان هم الذين أوحوا إلى عيسى بن مريم حتى جاء بالإنجيل وهو الذي أثر عنه أنه يقول:
"إن دخل إلى مجمعكم رجل واحد بخواتيم الذهب في لباس بهي ودخل معه فقير بلباس وسخ فنظرتم إلى اللابس اللباس البهي وقلتم له:
- أجلس هنا حسناً.
- قف أنت هناك أو أجلس تحت موطئ القدمين.
فهل لا ترتابون في أنفسكم وتصيرون قضاة أفكار شريرة؟".
وهل علم ماركس أن رجلاً من فقراء المسلمين مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس مع بعض أصحابه رضي الله عنهم فقال ما تقولون في هذا قالوا:
"حري به إن خطب ألا يخطب، وإن قال ألا يستمع، وإن شفع أن لا يشفع، ثم مر رجل من أغنياء المسلمين فقال ما تقولون في هذا؟ قالوا: حري به إن خطب أن يخطب، وإن شفع أن يشفع وإن قال أن يستمع". فقال عليه الصلاة والسلام:
"هذا- يعني الفقير - خير من ملء الأرض مثل هذا - يعني الغني -".
ولا شك أن ماركس يجهل هذه الحقائق ولا يدري عنها شيئاً ولو أدعى معرفتها لكانت البلية أخطر والمصيبة أعظم:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة
وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
الأخلاق والآداب:
يحارب الماركسيون جميع الأخلاق التي قد يتصف بها شعب من الشعوب أو فرد من الأفراد، بدعوى أن هذه الأخلاق سواء كانت فردية أو جماعية ما هي إلا أثر من الآثار التي أوحى بها (الإقطاعيون) وإن هي إلا خداع وتضليل للعمال والفلاحين من قبل الملاك وأصحاب الأموال.
والخلق الوحيد الذي آمن به الشيوعيون هو وجوب مخالفة سائر الأنظمة الأخلاقية ومحاربة عموم أنواع الآداب المرعية في المجتمعات الإنسانية وبخاصة ما كان منها نتيجة للأوامر الإلهية.
وقد قادهم هذا الشذوذ الخلقي إلى هتك الأسرة ومحاربة ناموس الزواج ورأوا أن هدم ذلك من أقوى دعائم الشيوعية فتساوى الزواج والزنى في نظامهم, وحسن في أعينهم وقاع أمهاتهم وأخواتهم وبناتهم وعماتهم وخالاتهم. وانحطوا في سلوكهم الأخلاقي عن كثر من الحيوانات العجماوات.
وقد أصبحت لفظه (الكرامة) عندهم لفظه مرذولة فالمحبوب لديهم أن يطوروا بالرفقاء الأنذال. وأضحت كلمة (الشرف) من الألفاظ المدسوسة على الإنسانية بواسطة أصحاب الإقطاع فيجب أن تداس بالأقدام، و(الأمانة) دسيسة خبيثة من دسائس المحافظة على رؤوس الأموال.
المعارف والعلوم:
كما ينكرون أشد الإنكار أن تأتي من طريق السماء، وإنما تكون فقط وليد حاجته المادية ومطالبه الحيوانية.
أما العلوم والمعارف والنظريات التي لا تخضع لهذا التفسير الشيوعي فهي في نظرهم:
تضليلا...وتخيلات...وأوهام
(المخططات الرئيسية لقيام المجتمع الشيوعي):
يرى ماركس أنه لا بد لقيام المجتمع الشيوعي_ من خمسة أركان يبنى عليها وهي:
1- استيلاء الطبقة الكادحة من العمال والفلاحين على مقاليد الحكم في أول الأمر.
2- تأميم وسائل الإنتاج ومصادر الثورة.
3- القضاء على رأس المال.
4- القضاء على الطبقات.
5- ثم القضاء على الحكومة.
1_ (استيلاء الطبقة الكادحة على مقاليد الحكم)
يرى ماركس أن (الأجراء) ولا سيما الأجراء في الصناعة قابلون (للثورة الاجتماعية) لأنهم لا يملكون شيئاً في المصانع، ولعلهم كذلك يحملون في الغالب قلوباً مملؤة بالحقد والضغينة على أصحاب الأموال، وهم الأداة السهلة اللينة التي تؤثر فيها مختلف الدعايات لذلك اعتبر ماركس أن أول المخططات الضرورية لقيام المجتمع الشيوعي هو قيام الطبقة الكادحة_ البروليتاريا_ من العمال الصناعيين والأجراء الزراعيين بالاستيلاء على مقاليد (الحكم) ومناصب الدولة حتى يهدم بهم الحكومات القائمة.
ونحن لا نرى عيباً في هذه القاعدة من حيث أن تكون الحكومة من طبقة الفقراء فإن الفقر والغنى في نظرنا أعراض غير ذاتية بل تتغير وتتبدل، إذ المال ظل زائل وعارية مستردة، والمرء عندنا بأخلاقه وآدابه لا بأمواله وكثرة متاعه.
وما المال والأهلون إلا ودائع
ولابد يوماً أن ترد الودائع
غير أننا لا نرى أن يكون المسيطرون على مقاليد (الحكم) ولابد من طبقة الفقراء، إذ الغالب عليهم الفوضى والجهل ولله در الشاعر إذ يقول:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
ولا سراة إذا جهالهم سادوا
غير أن نظام الماركسيين ينص على:
(أن قيام حكومة العمال والفلاحين هو شيء (مؤقت) وأنه حركة انتقالية إلى مرحلة الشيوعية الحقيقية التي لا تبقى فيها حكومة وإنما ينطلق الشعب حراً بلا حكومة ولا سلطان).
بيد أن واقع الحياة الشيوعية لم ير هذه النظرية مطبقة في أي قطر من الأقطار التي بليت بهذا النظام. فجميع البلاد التي صالت إلى الشيوعية قامت حكومتها من جنس الحكومات التي كانت في تلك البلاد قبل الحكم الشيوعي.
ولم يقع أبداً أن صارت حكومة شيوعية من طبقة العمال والفلاحين ففي روسيا مثلاً كان الدور الذي قامت به الطبقة الكادحة هو إشعال نار الثورة ضد الحكم القيصري والقضاء عليه، ولما تم لرؤساء الحزب الشيوعي ما أرادوا من سقوط عرش آل (روما نوف) قبض رؤساء الحزب الشيوعي على زمام الحكم وأزاحوا العمال والفلاحين من الطريق وردوهم مدحورين إلى مصانع والمزارع ليقاسوا تحت سخط الحزب الشيوعي أشد ألوان المهانة والإرهاق.
وقد قام العمال والفلاحون بعدة ثورات كانت تقابل بأنكى صنوف القمع والإرهاب، ولم تمنع وسائل التعذيب الإجرامية هؤلاء من أن يقوم الكثير منهم بإحراق المحاصيل وتبديد الماشية والأموال حتى لا تقع في يد هؤلاء الحكام المستبدين.
وقد حاول (ستالين) أن يقضي على ثورات الطبقة الكادحة بألوان شتى من أنواع القتل والحبس والنفي في مجاهل (سيبيريا) والتهديد والوعيد فلم يفلح.
وفي منشور له في هذا الصدد يقول:
"لكي يضمن الكولخوزيون المزارعون لأنفسهم الحياة والعيشة يتطلب ذلك منهم أن يعملوا في (الكولخوزات) المزارع التعاونية ويحافظوا عليها ولا ينسوا مسئوليتهم تجاهها" ولما قال العمال لستالين:
"لقد انتقلت السلطة وتركزت في يد حزب واحد هو حزبنا ولن يشاركنا في توجيه الدولة أي فئة أخرى، وهذا ما يعنيه بالدكتاتورية العمالية".
وهكذا نرى المخطط الأول من المخططات التي رسمها ماركس للمجتمع الشيوعي لم تكن إلا حبراً على ورق كما يقولون، بل صار العمال والفلاحون في المجتمع الشيوعي أحط أنواع العمال والفلاحين في العالم.
2- (تأميم وسائل الإنتاج ومصادر الثروة):
يرى الماركسيون أن السبب الرئيسي لتكوين الطبقات هو وسائل الإنتاج ومصادر الثروة فلابد للقضاء على (نظام الطبقات) من القيام:
أولاً: بتأميم وسائل الإنتاج ومصادر الثروة، وجعلها بدل أن تكون ملكاً لبعض الأفراد أن تصير ملكاً لجميع الأمة.
وهذا التأميم كذلك يعتبر خطوة أولى لخطوة تليها هي القضاء التام على رؤوس الأموال والملكيات الفردية مهما كان نوعها وهذه النظرية لا ترى أية حرمة لمن بيده شيء من مصادر الثروة ووسائل الإنتاج، كما لا ترى أية قيمة لما بذله الأفراد في سبيل مشروع ولو في الأصل على الأقل للحصول على ما بأيديهم من أموال.../.