منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - شرح متن العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
عرض مشاركة واحدة
قديم 2008-12-03, 10:27   رقم المشاركة : 27
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وَقَوْلُهُ( وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ) ( وَقَوْلُهُ وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ )
، وَقَوْلُهُ: ( وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) وَقَوْلُهُ: ( إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا )

/ش/ وقوله: ( وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَال...) إلخ؛ تضمَّنت هذه الآيات إثبات صفتي المكر والكيد، وهما من صفات الفعل الاختيارية.

ولكن لا ينبغي أن يشتقَّ له من هاتين الصفتين اسم، فيقال: ماكر، وكائد؛ بل يوقف عند ما ورد به النص من أنه خير الماكرين، وأنه يكيد لأعدائه الكافرين.

أما قوله سبحانه: (وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَال )ِ؛فمعناه: شديد الأخذ بالعقوبة؛ كما في قوله تعالى: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ )،( إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)

وقال ابن عباس:

((معناه: شديد الحَوْل)).

وقال مجاهد:

((شديد القوَّة)).

والأقوال متقاربة.

وأما قوله: ( وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) فمعناه: أنفذهم وأسرعهم مكرًا.

وقد فسَّر بعض السلف مكر الله بعباده بأنه استدراجهم بالنِّعم من حيث لا يعلمون، فكلما أحدثوا ذنبًا أحدث لهم نعمة؛ وفي الحديث:

((إذا رأيتَ الله يُعطي العبد من الدنيا ما يحبُّ وهو مقيمٌ على معصيته؛ فاعلم أنما ذلك منه استدراج))

وقد نزلت هذه الآية في شأن عيسى عليه السلام حين أراد اليهود قتلـه، فدخل بيتًا فيه كوَّةٌ، وقد أيَّده الله بجبريل عليه السلام، فرفعه إلى السماء من الكوّة، فدخل عليه يهوذا؛ ليدلَّهم عليه فيقتلوه، فألقى الله شبهَ عيسى على ذلك الخائن، فلما دخل البيت فلم يجد فيه عيسى؛ خرج إليهم وهو يقول: ما في البيت أحدٌ. فقتلوه وهم يرون أنه عيسى، فذلك قوله تعالى: ( وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ)

وأما قوله تعالى: (وَمَكَرُوا مَكْرًا... ) إلخ؛ فهي في شأن الرهط التسعة من قوم صالح عليه السلام حين (تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ( أي: لَيَقْتُلُنَّه بياتًا هو وأهلـه، (ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ )فكانَ عاقبةُ هذا المكر منهم أن مكر الله بهم فدمَّرهم وقومهم أجمعين


وَقَوْلُهُ: ( إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا )،( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )
/ش/ قولـه: ( إِن تُبْدُواْ خَيْرًا...) إلخ؛ هذه الآيات تضمَّنت إثبات صفات العفو والقدرة والمغفرة والرحمة والعزة والتبارك والجلال والإكرام.

فالعَفُوُّ الذي هو اسمه تعالى؛ معناه: المتجاوز عن عقوبة عباده إذا هم تابوا إليه وأنابوا؛ كما قال تعالى:

(وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَات )

ولما كان أكمل العفو هو ما كان عن قدرة تامَّة على الانتقام والمؤاخذة؛ جاء هذان الاسمان الكريمان: العَفُوُّ والقدير مقترنين في هذه الآية وفي غيرها.

وأما القدرة؛ فهي الصفة التي تتعلَّق بالممكنات إيجادًا وإعدامًا، فكلُّ ما كان ووقع من الكائنات واقع بمشيئته وقدرته؛ كما في الحديث:

(ما شاء الله كانَ وما لم يشأ لم يكن ).

وأما قوله تعالى: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا...) الآية؛ فقد نزلت في شأن أبي بكر رضي الله عنه حين حلف لا ينفق على مسطح بن أثاثة، وكان ممَّن خاضوا في الإفك، وكانت أم مسطح بنت خالة أبي بكر، فلما نزلت هذه الآية قال أبو بكر: ((والله إني لأحب أن يغفر الله لي))، ووصل مسطحًا