منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الوضعية- اميل دوركايم
عرض مشاركة واحدة
قديم 2008-12-02, 03:00   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
فارس الجزائري
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية فارس الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المركز الثالث في مسابقة التميز في رمضان وسام مسابقة منتدى الأسرة و المجتمع وسام القلم المميّز 
إحصائية العضو










Hourse تابع - الوضعية- اميل دوركايم

دوركايم ونزعته السسيولوجية.
لقد حاول دوركايم أن يؤكد على علمية علم الاجتماع وتثبيت أقدام هذا العلم بين سائر العلوم الطبيعية، وهذا ما حاول أن يؤكده كذلك سابقيه من أمثال سان سيمون وكونت وهربت سبنسر.
ورغم ما جاء به سابقوه من محاولة إدخال علم الاجتماع في مصاف باقي العلوم، إلا أن دوركايم انتقد هؤلاء لعدم قدرتهم على تحقيق تلك الأهداف الأكاديمية وهي صبغ علم الاجتماع بالصبغة العلمية، وفي عدم نجاحهم في فصل علم الاجتماع عن الفلسفة والتصورات الميتافزيقة، ولقد انتقد دوركايم أغوست كونت عندما اعتبر هذا الأخير أن المجتمع يمر بحالات، ثلاث وهو ذلك القانون الاجتماعي الذي يعتبر فيه كونت أن المجتمع يمر بمراحل ثلاث: اللاهوتية – والميتافيزيقية – وأخيرا المرحلة الوضعية.
ويعتبر دوركايم أن نقطة ضعف كونت تكمن في محاولته لإثبات هذا القانون الفلسفي القبلي كمسألة رئيسية بقصد تحويله إلى قانون إمبريقي وتطبيقه على كل الأنساق والنظم والفلسفات، وإذا كان كونت قد حاول القيام بالتعميم فإن دوركايم قد حاول التخصيص، مبتعدا عن تعميمات أغوست كونت.
ومن هنا كان موقف دوركايم وضعيا خالصا، حيث أكد دوركايم هذه النزعة الوضعية رافضا تلك الاتجاهات الوضعية الميتافيزيقية، وهذا ما نجده في كتابه قواعد المنهج في علم الاجتماع الذي يؤكد فيه موقفه الوضعي الخالص، إذ يعتبر نفسه وضعيا عقليا، مصنفا نفسه ضمن أصحاب النزعة العقلية العلمية في دراسته الظواهر الاجتماعية، وتحليلها في ضوء الماضي التاريخي، حتى يتسنى للعقل أن يتوصل إلى القواعد التي تسير بمقتضاها هذه الظواهر في المستقبل، ومن ثمة يمكننا أن نتحقق من القانون الذي بفضله نستطيع التنبؤ.
وبذلك أعلن دوركايم إيمانه بالعقل من جهة وبالعلم من جهة أخرى، على اعتبار أنهما من الملامح الرئيسية للنزعة الوضعية.
كما يؤكد دوركايم أيضا على ضرورة منهجية هامة وهي تطبيق مبدأ السببية في تفسير الظواهر الاجتماعية، وهو بذلك يحاول تثبيت أقدام علم الاجتماع باكتشاف الأسس المنهجية التي يرتكز عليها علم الاجتماع الوضعي، وهو على هذا الأساس ينكر النظر إلى العلم الاجتماعي على أنه جزء من الفلسفة، ولكن علم الاجتماع هو دراسة الظواهر الاجتماعية على نحو وضعي، حتى يتيح لنا الفرصة لفهمها وتحليلها، كما يعين الفلاسفة على فهم أشمل للوجود، وهنا تكمن الفائدة المرجوة بين العلم الطبيعي، وعلم الاجتماع خاصة.
وخلاصة القول أنه ليس هناك شك في أننا نجد في نزعة دوركايم السسيولوجية كل الجوانب المنهجية التي تضع الخطوط العريضة لمنهجية علم الاجتماع، والتي تحدد الملامح الرئيسية لمنهج علم الاجتماع بفروضه ومسلماته الأساسية، والتي تبرز معالم علم الاجتماع في منهجه وموضوعه.
و دوركايم في نزعته السسيولوجية هاته، يستند على فرضية وضعية وهي في حد ذاتها تستند على مصادر فيزيقية، وهي تتركز على ثلاث قضايا رئيسية متضمنة في الفروض التالية:
1. إن هناك وحدة في الطبيعة.
2. إن الظواهر الاجتماعية هي جزء من عالم الطبيعة الموضوعي، أي أن الظواهر الاجتماعية ظواهر واقعية موضوعية حقيقية.
3. تخضع الظواهر الاجتماعية لبعض القوانين والمبادئ الخاصة بها، والتي هي قوانين طبيعية ومبادئ فيزيقية.
والملاحظ أن هذه الفرضية والوضعية الدوركايمية، ليست من وحي دراسته وإنما هي مستوحاة من قراءته الجادة لدروس كونت في الفلسفة الوضعية، ولعل هذا راجع لتأثره بفلسفة أستاذه كونت في صياغة هذه القضايا الرئيسية الثلاث لطبيعة المنهج العلمي في علم الاجتماع.
وبالذات القضيتين الأولى والثانية حيث أن دوركايم قد وجه الكثير من الانتقادات التي أثارها بصدد إنكار ذلك القانون الميتافيزيقي الذي اصطنعه كونت، وهو تقدم العقل الإنساني من اللاهوت إلى الفلسفة إلى العلم.
حيث أن كونت في قانونه هذا لا يحدد طبيعة الظواهر الاجتماعية، فلم يحدثنا كونت، عن ذلك التمايز بين الظواهر الاجتماعية، ولم يفسر لنا كونت ذلك التنوع الهائل بين مختلف الظواهر والوقائع التي تحدث وتتفاعل داخل إطار البناء الاجتماعي، والتي تتطور خلال سياق التاريخ.
ولكن دوركايم على عكس أستاذه كونت قد وضع الملامح الرئيسية لخصائص الظواهر الاجتماعية، والمبادئ أو القوانين التي تخضع لها مثل تلك الظواهر والوقائع الاجتماعية.

وكنتيجة لهذه الفروض الوضعية الثلاث التي وضعها دوركايم، فإن الظواهر الاجتماعية إنما تصبح كالظواهر الفيزيقية في خضوعها للبحث العلمي، كما يتحتم على عالم الاجتماع أن يتابع قواعد البحث العلمي وأن يخضع لمناهج العلوم الوضعية، وأن يلتزم في بحثه بمبادئ الحتمية والضرورة والسببية.
ومن هنا يتبن لنا أن الاتجاه الوضعي لدوركايم يعتبر أن القضية الوضعية تتمثل في دراسة المجتمع كنسق من الظواهر الاجتماعية، حيث نتناولها بالدراسة الموضوعية وباستخدام مناهج العلوم الطبيعية، وعلى هذا الأساس يستند التصور الدوركايمي لعلم الاجتماع إلى فكرة وضعية رئيسية، وهي الإيمان الكامل بوجود الظواهر الاجتماعية على أنها حقيقة موضوعية واقعة،. وهي حقيقة مستقلة قائمة بذاتها بمعنى أن الظواهر الاجتماعية لا يمكن أن ترد إلى ظواهر لا اجتماعية، وإنما ترد الظواهر الاجتماعية وتفسرها سائر الظواهر الاجتماعية الأخرى السائدة في النسق الاجتماعي الكلي، وهذا هو أحد المبادئ الدوركايمية الهامة في ميدان علم الاجتماع.

ولم يسلم دوركايم من بعض الانتقادات حيث ذهب البعض، إلى أن دوركايم في تحليله ودراسته لمشكلة التماسك والتضامن، قد أدى به إلى إهمال دراسة الصراع كعملية أساسية في الحياة الاجتماعية، هذا فضلا على أنه اهتم بدراسة المجتمع ككل، وأهمل دراسة الجماعات الفرعية، وهي الأجزاء التي يتكون منها الكل.
ويعتقد لويس كوزر أن معظم الانتقادات التي وجهت إلى دوركايم ترجع في الواقع إلى نزعته المحافظة، ويقصد بها تأثره بظروف عصره، وبالمناخ الاجتماعي والسياسي والثقافي الذي كان سائدا في فرنسا في ذلك الوقت.
ويذهب هاري ألبرت، إلى أن من أوجه النقص الأساسية في نظريات دوركايم، ذلك القصور الذي تعاني منه تعريفاته، فالتعريفات بالنسبة له تعريفات مبدئية، بمعنى أنها تظل دائما خاضعة للتعديل وللتغير خلال مراحل البحث.
ومن بين الانتقادات التي وجهت إلى دراسات دوركايم، انتقاد حول الانتحار، حيث يعتبر البعض أن دوركايم التفت في دراسته فقط إلى العوامل الاجتماعية، وقد اضطرته تفسير الظواهر الاجتماعية بظواهر أخرى، إلى أن يقع في ثنائية غير مقبولة، فهو يسلم بوجود فرد منعزل في بعض الأحيان، وفي مواضع أخرى يتحدث عن الفرد باعتباره مدفوعا بواسطة كل من الذات والمجتمع، هذا فضلا عن أن دراسته لم تنجح في بيان أن العوامل غير الاجتماعية لا أثر لها في الانتحار، كما أن هناك عددا من الباحثين استطعوا كشف العلاقات بين الانتحار وبين مجموعة عوامل بيولوجية، وجغرافية واجتماعية.
ويذهب هلبفاكس إلى أن حالات الانتحار الغيري، كما يعرفها دوركايم بأنها الرغبة في التضحية بالحياة في سبيل الآخرين هذه الحالات لا يعتبرها المجتمع حالات انتحار، كما أن هذا التحديد لا يعتبر تعريفا اجتماعيا صحيحا، هذا فضلا عن أن حالات الانتحار الغيري لا تضمنها الإحصاءات الرسمية عن الانتحار.
أن صفة القهر والإلزام التي تتميز بها الظواهر الاجتماعية تجعل من الفرد عبدا للمجتمع وتحط من قيمته وتقضي على عقليته، وبالتالي تحط من قيمته الإنسانية.
وأكبر نقد وجهة له هو ما تعلق حول دراسته للدين حين اعتبره مجرد ظاهرة كباقي الظواهر الاجتماعية وأنه تعبير عن تأليه للفرد لمجتمعه، فالأفراد لا يعبدون الله ولكن يعبدون المجتمع. يقول دوركايم لا نبحث عن الله في السماء ولكنه موجود في المجتمع.
ــــــــــــــــــ
قائمة المراجع المعتمدة.
1. د.علي محمد علي، تاريخ علم الاجتماع (ط2؛ 1983م).
2. د.قباري إسماعيل، أصول علم الاجتماع ومصادره (الإسكندرية: المكتب العربي الحديث للطباعة والنشر).