منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - شرح متن العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
عرض مشاركة واحدة
قديم 2008-12-01, 07:23   رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وَقولـه: ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ )، (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ).
/ش/ قولـه: ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ) إلخ، تضمَّنت هاتان الآيتان إثبات صفة الوجه لله عز وجل.

والنصوص في إثبات الوجه من الكتاب والسنة لا تُحصى كثرةً، وكلها تنفي تأويل المعطِّلة الذين يفسرون الوجه بالجهة أو الثواب أو الذات، والذي عليه أهل الحق أن الوجه صفةٌ غيرُ الذات، ولا يقتضي إثباته كونه تعالى مركبًا من أعضاء، كما يقوله المجسِّمة، بل هو صفة لله على ما يليق به، فلا يشبه وجهًا ولا يشبهه وجه.

واستدلَّت المعطِّلة بهاتين الآيتين على أن المراد بالوجه الــذات ؛ إذ لا خصوص للوجه في البقاء وعدم الهلاك.

ونحن نعارض هذا الاستدلال بأنه لو لم يكن لله عز وجل وجهٌ على الحقيقة لما جاء استعمال هذا اللفظ في معنى الذات؛ فإن اللفظ الموضوع لمعنى لا يمكن أن يستعمل في معنى آخر إلا إذا كان المعنى الأصلي ثابتًا للموصوف، حتى يمكن للذهن أن ينتقل من الملزوم إلى لازمه.

على أنه يمكن دفع مجازهم بطريق آخر؛ فيقال: إنه أسند البقاء إلى الوجه، ويلزم منه بقاء الذات؛ بدلاً من أن يقال: أطلق الوجه وأراد الذات.

وقد ذكر البيهقي نقلاً عن الخطابي أنه تعالى لما أضاف الوجه إلى الذات، وأضاف النعت إلى الوجه، فقال: ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَام )؛ دلَّ على أن ذكر الوجه [ليس بصلة] ، وأن قولـه: ( ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَام ) صفةٌ للوجه، والوجه صفةٌ للذَّات.

وكيف يمكن تأويل الوجه بالذات أو بغيرها في مثل قولـه عليه السلام في حديث الطائف: (أعوذُ بنورِ وجهِكَ الذي أشرقتْ لـه الظُّلُمات ) إلخ ، وقولـه فيما رواه أبو موسى الأشعري: (حجابه النور أو النار، لو كشفه لأحرقت سُبُحَات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) ؟!



وَقوله( مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) ،( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء)
/ش/ قوله: (مَا مَنَعَكَ ) إلخ؛ تضمَّنَتْ هاتان الآيتان إثبات اليدين صفة حقيقية له سبحانه على ما يليق به، فهو في الآية الأولى يوبخ إبليس على امتناعه عن السجود لآدم الذي خلقه بيديه.

ولا يمكن حمل اليدين هنا على القدرة؛ فإن الأشياء جميعًا ـ حتى إبليس ـ خلقها الله بقدرته، فلا يبقى لآدم خصوصية يتميز بها.

وفي حديث عبد الله بن عمرو:

(إن الله عز وجل خلق ثلاثة أشياء بيده: خلق آدم بيده، وكتب التوراة بيده، وغرس جنة عدن بيده)

فتخصيص هذه الثلاثة بالذكر مع مشاركتها لبقية المخلوقات في وقوعها بالقدرة دالٌّ على اختصاصها بأمر زائد.

وأيضًا؛ فلفظ اليدين بالتثنية لم يُعرف استعمالـه إلا في اليد الحقيقية، ولم يرد قط بمعنى القدرة أو النعمة؛ فإنه لا يسوغ أن يقال: خلقه الله بقدرتين أو بنعمتين. على أنه لا يجوز إطلاق اليدين بمعنى النعمة أو القدرة أو غيرهما إلا في حق من اتصف باليدين على الحقيقة، ولذلك لا يقال: للريح يد، ولا للماء يد.

وأما احتجاج المعطِّلة بأن اليد قد أفردت في بعض الآيات، وجاءت بلفظ الجمع في بعضها؛ فلا دليل فيه؛ فإن ما يصنع بالاثنين قد يُنسب إلى الواحد؛ تقول: رأيت بعيني، وسمعت بأذني، والمراد: عيناي، وأذناي. وكذلك الجمع يأتي بمعنى المثنى أحيانًا؛ كقوله تعالى: ( إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا )، والمراد: قلباكما.

وكيف يتأتَّى حملُ اليد على القدرة أو النعمة؛ مع ما ورد من إثبات الكفّ والأصابع واليمين والشمال والقبض والبسط وغير ذلك مما لا يكون إلا لليد الحقيقيَّة؟!

وفي الآية الثانية يحكي الله سبحانه مقالة اليهود قبَّحهم الله في ربهم، ووصفهم إياه ـ حاشاه ـ بأن يده مغلولة؛ أي: ممسكة عن الإنفاق.

ثم أثبت لنفسه سبحانه عكس ما قالوا، وهو أن يديه مبسوطتان بالعطاء؛ ينفق كيف يشاء؛ كما جاء في الحديث:

(إن يمين الله ملأى سحَّاء الليلَ والنهارَ؛ لا تَغيضُها نَفَقةٌ) .

ترى لو لم يكن لله يدان على الحقيقة؛ هل كان يحسن هذا التعبير ببسط اليدين؟!

ألا شاهَتْ وُجوهُ المتأوِّلين!!